10 - 05 - 2025

الرجل المحترِم نفسَه يحترم المرأة

الرجل المحترِم نفسَه يحترم المرأة

بمناسبة الاحتفاء باليوم العالمي للمرأة (الثامن من شهر مارس) تذكرت حوارًا دار بيني وبين أحد الشيوخ الواعظين منذ فترة فأود أن أسجله هنا إهداءً لشقائق الرجال و دعماً للجهود الهادفة نحو تعزيز ثقافة الاحترام المتبادل والمساواة بين الجنسين في الحقوق والواجبات انطلاقًا من التوجيه الرباني الحكيم:"وَلَهُنَّ مِثلُ الَّذِي عَلَيهِنَّ بِالمَعرُوفِ" (سورة البقرة:٢٢٨)

قال الشيخ وهو يعظ أتباعه المحيطين به إحاطة السوار بالمعصم محذرًا: تجنبوا تناقل قصة انتشرت بين الناس فيها مساس بشخصية سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وخلاصة القصة أن رجلاً جاء إلى عمر يشكو إليه خلق زوجته فوقف ببابه ينتظره فسمع امرأته تستطيل عليه بلسانها وهو ساكت لا يرد عليها، فانصرف الرجل قائلاً: إذا كان هذا حال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فكيف حالي؟ فخرج عمر فرأى الرجل مولياً فناداه: ما حاجتك يا أخي؟ فقال : يا أمير المؤمنين جئت أشكو إليك خلق زوجتي واستطالتها علي، فسمعت زوجتك كذلك فرجعت، وقلت: إذا كان هذا حال أمير المؤمنين مع زوجته فكيف حالي؟

وعند هذه النقطة، استطرد الشيخ معقباً ومصححاً يقول: هذه القصة مختلقة، وليس لها وجود في دواوين السنة، ومصادر السيرة والتاريخ الموثوق بها وإنما ذكرها السمرقندي في تنبيه الغافلين وهو كتاب محشو بالموضوعات و غيره  بلا إسناد لها وكلهم ذكروها بصيغة التمريض .

ومن جهة أخرى ، (والكلام للشيخ)، فمعناها باطل أيضاً، من عدة وجوه، أبرزها هيبة أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه إذ كان يهابه حتى الشيطان فضلاً عن الإنسان، كما رُوي في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (مكثت سنة أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن آية، فما أستطيع أن أسأله هيبة له). والأخبار الثابتة في هيبة عمر رضي الله عنه كثيرة جداً، فرفع زوجة عمر رضي الله عنه صوتها عليه حتى يسمع من بالخارج، ينافي تماماً هيبة عمر رضي الله عنه ولا حول ولا قوة إلا بالله ...(انتهى كلام الشيخ)

وانتهزت فترة صمت سادت بعد حوقلة الشيخ لكي أعقب عليه قائلا:  صحيح أن القصة رُويت بصيغة "التمريض"؛ ولكن فهمها وتفنيدها بهذا الأسلوب سقيم ومريض كذلك... 

إِذْ لا منافاة بين أن ترفع زوجة عمر صوتها عليه وهو يتحمل ذلك وبين هيبته المعروفة، فلكل حال مقام كما أن لكل مقال مقاماً... وبغض النظر عن ثبوت إسناد هذه القصة من عدمه فهي ثابتة عندي بالعقل وبالبداهة بدلالة المشاهدة  كظاهرة مجتمعية وعائلية وكطبيعة من طبائع العمران البشري تعم كل زمان ومكان وعلى اختلاف الديانات والثقافات.. فالقصة لها نظائر كثيرة وهي إن دلت على شيء فإنما تدل على إنسانية عمر ونبله، وهي إن لم تصح نقلاً فإنها صحيحة بلا غضاضة عقلاً لدى كل ذي عقل قويم وفهم سليم ... فكم من قائدعظيم له مهابة بين الأتباع والأقران كان بدوره "يهاب" أو بالأحرى "يحترم" زوجته ويلاطفها بتحمل تصرفاتها الطائشة حيناً وحتى العنيدة أحياناً والتي قد يراها بعض "صغار النفوس" أو "سقيمي الفهم" أو "عديمي العقل" إساءة أو إهانة لا تُغتفر... 

فالخليفة عمر كان قبل كل شيء إنساناً نبيلاً ورجلاً تام الرجولة يحترم غيره، ذكرًا أم أنثى، كما يحترم نفسه و يصدق عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم "خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا"... فما زاده الإسلام إلا نبلاً في التعامل وسموًا في الأخلاق ومن أدنى  مقتضيات ذاك النبل السلوكي وهذا السمو الخلقي: احترام المرأة وعدم كبت حريتها في التعبير عن رأيها ووجهة نظرها في مختلف شؤون الحياة وقد كان ذلك معروفاً عن عمر ولذا اعترضت عليه عجوز على مرأى ومسمع من الناس حين أراد أن يحدد صداق المرأة فقالت محتجةً وبصوتٍ عالٍ "وكيف تفعل ذلك يا عمر وقد قال الله تعالى وإن أعطيتم إحداهن قنطارًا؟!" فما وسع عمر "المهيب" عند ما سمع ذلك منها إلا أن يتراجع عن قراره الإداري معترفاً :"أصابت امرأة وأخطأ رجل"... 

هذا ولَم يكن عمر بدعاً في ذلك وإنما كان من جهة متبعاً لأسوة الرسول الحسنة في حسن التعامل مع المرأة والرفق بها، ومن جهة أخرى كان هو محافظاً على أفضل التقاليد الاجتماعية والإنسانية المعروفة في الحضارة العربية العريقة وقد أطلق القرآن الكريم على تلك التقاليد النبيلة مصطلح "المعروف" والذي ورد غير مرة في إطار التعليمات الخاصة بأدب المعاشرة بين الزوجين حيث قال تعالى:"وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا".
------------------
بقلم: أبو صالح أنيس لقمان* 

* مستشار تربوي ورئيس إدارة البحوث بمؤسسة سدرة- أبو ظبي

مقالات اخرى للكاتب

الرجل المحترِم نفسَه يحترم المرأة