الذعر من "الفيروس" يربك حسابات الاقتصاد المصري
- أداء سلبي لسوق المال واضطراب بأسعار الصرف.. أول المؤشرات
- د.رشاد عبده: يُمكن لمصر الاستفادة من الأزمة.. بهذه الطريقة
- علي الإدريسي: الاقتصاد المصري ليس بمعزل عن تداعيات كورونا
- وائل النحاس: الاستثمار غير المباشر "الأكثر تضررًا"
حالة ذعر تشهدها الأسواق العالمية والعربية مع تداعيات انتشار فيروس كورونا المتحوّر (كوفيد-19) ومخاوف من كبوة جديدة للاقتصاد العالمي قد لا يتعافى من نتائجها سريعًا، ومع الإعلان عن تسجيل حالات إصابة بالفيروس في مصر؛ بدأ القلق يتزايد في القطاعات الاقتصادية المختلفة، ترجمه انخفاض مؤشر البورصة، وعودة الدولار للارتفاع.
فعلى صعيد سوق المال، خسّرت مؤشرات البورصة في الأسبوع الأخير من فبراير 29 مليار جنيه من رأس المال السوقي، و22 مليار جنيه في الأسبوع الأول من شهر مارس. فيما تخارج مستثمرون أجانب من أدوات دين حكومية، مطلع الشهر، بقيمة 4 مليارات جنيه، وتواصلت عمليات التخارج بعد ذلك.
كما شهدت سوق الصرف حالة من عدم الاستقرار بداية من الأسبوع الماضي، بعد أن ارتفع سعر صرف الدولار الأميركي على نحو طفيف ليسجل نحو 15.6 جنيهًا، مقابل نحو 15.49 جنيهًا في بداية تعاملات الأسبوع السابق عليه؛ لتعكس تلك الخسائر -المُرشحة للزيادة مع اتساع حالة الذعر من فيروس كورونا- التأثر المباشر للاقتصاد المصري بانتشار الفيروس عالميًا.. فهل تبطئ تلك التداعيات خطى خطة الإصلاح الاقتصادي في مصر؟
وفي السياق، يتوقّع خبراء اقتصاد مصريون -في تصريحات متفرقة لـ "المشهد"- تأثر الاقتصاد المصري بأزمة فيروس كورونا، موضحين أن ذلك سيظهر في زيادة كلفة الاستيراد، مع اللجوء إلى فتح أسواق بديلة للصين، وقد تتوقف بعض المصانع التي تعتمد في تشغيلها على خامات ومستلزمات مستوردة من الصين، لاسيما شركات صناعة الأدوية التي تستورد نحو 40% من مستلزمات إنتاجها من الصين وحدها، إلى جانب تراجع حركة السفن في قناة السويس نتيجة تراجع حركة التجارة العالمية، وكذلك انخفاض معدلات تدفق السياحة، محذّرين في الوقت ذاته من أن الوضع قد يزداد سواءً حال استمر انتشار الفيروس، وصارت الأمور خارج السيطرة.
نُذر أزمة متصاعدة
"من المؤكد أن تتأثر مصر بتداعيات انتشار فيروس كورونا"، هكذا علّق الدكتور رشاد عبدهالخبير الاقتصادي، رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية، في تصريحات خاصة لـ"المشهد"، على تبعات أزمة فيروس كورونا على الاقتصاد المحلي والعالمي، مبيّنًا أن 75% من احتياجات مصر مركزة في الصين، وتستورد سلعًا منها بقيمة ـ12 مليار دولار، من بينها مستلزمات إنتاج وسلع كهربائية وإلكترونية وما إلى ذلك.
وأشار إلى أنه "لايزال لدى مصر مخزون من هذه السلع، ولكن في حال طالت هذه الأزمة سنتأثر بها كثيرًا؛ ومن المتوقّع أن تتأثر الشركات وترتفع الأسعار، كذلك ستتضرر السياحة نتيجة مخاوف المسافرين من انتشار العدوى، إضافة إلى تأثر قناة السويس جراء تراجع الحركة التجارية". كما توقّع أيضًا تواصل مسلسل تراجعات البورصة المصرية في ظل حالة الرعب السائدة، ومع تراجع مؤشر البورصات العالمية.
وربط الخبير الاقتصادي ارتفاع سعر صرف الدولار الذي شهدته السوق مؤخرًا بانتشار الفيروس، لافتًا في السياق ذاته، إلى أن المستثمرين عادة ما يلجأون في وقت الأزمات إلى ما يسمى بـ"الملاذات الآمنة" وفي مقدمتها الذهب والعملة، وبلا جدال فإن هذا الارتفاع نتيجة لما يحدث.
واستبعد الدكتور رشاد عبده، في معرض تصريحاته لـ "المشهد"، تضرر خطة الإصلاح الاقتصادي التي تتبناها الدولة المصرية، مشددًا على ضرورة العمل على استفادة مصر من هذه الأزمة عبر حل جزء من مشكلة نقص مستلزمات الإنتاج ببدائل عن الصيني، وأن تكون مركزًا بديلًا لتوريد السلع الوسيطة ولمنتجات أساسية على مستوى العالم في صناعة الكمبيوتر والهواتف المحمولة والسيارات بدلًا عن الصين، فإذا استطاعت مصر أن تقنع العالم بأن تكون مركز توريد بديلًا عن الصين ستجذب استثمارات كثيرة وتستطيع الاستفادة من الأزمة.
زلزال كورونا
"الاقتصاد المصري جزء من الاقتصاد العالمي، ومن ثم فهو ليس بمعزل عن تداعيات كورونا التي أثرت بالسلب في المشهد الاقتصادي الدولي والإقليمي، وظهر ذلك على مؤشرات البورصة خلال الأيام الأخيرة، وحجم الخسائر التي مُني بها رأس المال السوقي"، طبقًا للخبير الاقتصادي الدكتور علي عبدالرؤوف الإدريسي.
وأشار الإدريسي، في تصريحات خاصة لـ"المشهد"، إلى أن "هناك آثارًا واردة ومتوقعة كتراجع حركة التجارة والسياحة والاستثمار على مستوى العالم، وتباطؤ معدلات نمو الاقتصاد العالمي، إلى جانب وجود ضغط على الدولار والذهب خلال هذه الفترة؛ بسبب مخاوف المستثمرين الذين يعتبرونهما –أي الذهب والدولار- ملاذًا آمنًا لحفظ القيمة، وهو ما يؤثر على مصر بطبيعة الحال.
ويضاف إلى ذلك أن مصر خرجت من العام 2019 بعبء اقتصادي ضخم، وعلى رغم التباطؤ العالمي حققت مصر معدل نمو 5.6%، ويتوقّع أن يستمر هذا التباطؤ وحركة الركود في الاقتصاد العالمي خلال الفترة المقبلة.
ونبّه الإدريسي، بأن "مصر ستتأثر بشكل أو بآخر،بخاصة مع إعلان الاشتباه بحالات إصابة.. هناك 14% من الواردات تأتي من الصين، ومن المؤكد أن هذه الواردات ستتأثر، ومع فتح أسواق أخرى بديلة سوف تزداد تكلفة الاستيراد، كما أن حركة السفن في قناة السويس والسياحة سوف تتأثران بهذا الوضع، إذ تستقبل مصر 800 ألف سائح صيني سنويًا وهذا العدد بالتأكيد سوف يتراجع".
وأضاف بأنه "إلى جانب الأسواق العالمية، فهناك سبع أسواق عربية هي:(قطر، والسعودية، ودبي، وأبوظبي، والبحرين، ومسقط، ومصر" تكبدت خسائر منذ مطلع العام 2020 أكثر من 264 مليار دولار؛ نتيجة حالة الذعر التي سببها انتشار الفيروس.
وحول مدى تأثر خطة الإصلاح الاقتصادية التي تسلكها مصر بتداعيات كورونا، شدد الإدريسي، في معرض تصريحاته لـ "المشهد"، على أنه "في ظل وجود استقرار سياسي وأمني، ومع المضي في خطوات ثابتة في خطة الإصلاح الاقتصادي؛ يُتوقّع أن يكون التأثر ليس بالكبير، بخاصة أن الاقتصاد المصري يتمتع بقوة تجعله قادرًا على امتصاص مثل هذه الصدمات"؛ مدللًا على ذلك بأن العام 2019 شهد حربًا تجارية بين الولايات المتحدة والصين تسببت في تباطؤ الاقتصاد العالمي إلا أن مصر نجحت في تحقيق معدل نمو 5.6% وكان واحدًا من أعلى معدلات النمو الاقتصادي في المنطقة.
الطيران والسياحة
أما الخبير الاقتصادي وائل النحاس، فقال في حديثه مع المشهد: "بداية من المؤكد أن يتأثر الاقتصاد المصري بالسلب من حيث السياحة وتوابعها (شركات الطيران، والفنادق، وشركات السياحة)"، منبهًا بأن قطاع النقل الجوي سيكون هو أكثر القطاعات تضررًا، كذلك الاستثمارات غير المباشرة، إذ يعتقد النحاس بأنه قد طالها جزء كبير من الضرر؛ لأنهمع ظهور المراكز المكشوفة في الخارج سيؤدي ذلك إلى سحب جزء كبير من الاستثمارات من داخل مصر سواء على المستوى العربي أو المستوى الأجنبي.
وأضاف: "لا أعتقد أن يتأثر الاستثمار المباشر بشكل قوي؛ كل التأثير السلبي سيكون بالاستثمار غير المباشر متضمنًا البورصات، وسعر العملات الأجنبية، والسندات الدولارية، فكلها مهددة"، مردفًا بأنه "إذا استمرت الأزمة أعتقد أن تمثل خطرًا كبيرًا جدًا على الدولة المصرية، فارتفاع سعر الدولار مرتبط بانخفاض الأسواق العالمية وتأثرها بانهيارات عنيفة أدى لوجود مراكز مكشوفة لدى المستثمرين؛ ما سيجعلهم يسحبون استثماراتهم لتغطية هذه المراكز المكشوفة".
وعن مدى تأثير هذه الأزمة في خطة الإصلاح الاقتصادي، بيّن خبير أسواق المال، في معرض تصريحاته لـ "المشهد"، أن التدفقات النقدية ستقل والالتزامات ستزيد؛ ولكي يتم سداد التزاماتنا المالية سيتم التوجه إلى الاقتراض ولن تكون هناك سوق اقتراض متاحة لأن السوق العالمية غير مستقرة والجميع يعاني من وجود مراكز مكشوفة، كذلك سحب الدولار، والتنازل عن الجنيه المصري مقابل الدولار من الممكن أن يزيد من الالتزامات كارتفاع عجز الموازنة مرة أخرى، وارتفاع أسعار الوقود والدين، ما يدخلنا في هذه الدائرة المفرغة".
أما عن التأثيرات المباشرة على المواطن، فاستبعد النحاس، أن يشعر المواطن بتلك الأزمة؛ نظرًا إلى وجود مخزون من السلع في كل القطاعات، وخاصة أن الفترة الماضية شهدت ركودًا في حركة البيع، متوقعًا أن يحدث العكس في ظل وجود مخزون متكدس بسبب الركود يغطي الفترة المقبلة، فضلًا عن أن الصين نفسها لديها مخزون هائل من السلع، وبمجرد فتح سوق التصدير مع الصين ستجد طوفانًا من السلع الصينية بأسعار منخفضة؛ لأنها بحاجة إلى تصدير هذا المخزون رغم الخسائر التي تتكبدها الصين في هذه الفترة وذلك من أجل كسب عملائها والحيلولة دون توجههم إلى أسواق بديلة على غرار تايوان وأندونسيا وماليزيا.
-----------------------------
كتب- أحمد كامل ومحمد خالد