21 - 06 - 2025

للشهر الثالث وبالمخالفة للتوقعات| التضخم يعاود الارتفاع.. هل يدخل المصريون موجة معاناة جديدة؟

للشهر الثالث وبالمخالفة للتوقعات| التضخم يعاود الارتفاع.. هل يدخل المصريون موجة معاناة جديدة؟

د. باسم زيتوني: " قياس غالي" لا يعكس حقيقة التضخم على أرض الواقع 

عاودت معدلات التضخم ارتفاعها للشهر الثالث على التوالي خلال يناير الماضي، بعد أشهر من الانخفاض غالبية العام الماضي، في مؤشر على أن الأسعار لن تشهد انخفاضات كما يحلم المصريون.

وكانت عودة التضخم للارتفاع ولو بنسبة طفيفة أحد الأسباب التي دفعت البنك المركزي للإبقاء على معدلات الفائدة دون تغيير للمرة الثانية على التوالي خلال اجتماعه يوم الخميس 20 فبراير، وهو ما يعكس المخاوف من استمرار ارتفاع التضخم خلال الفترة المقبلة مع هشاشة الأوضاع الاقتصادية العالمية، بسبب تفشي فيروس كورونا.

أسباب الارتفاع 

وبحسب تقرير الجهاز المركزي المصري للتعبئة العامة والإحصاء، فإن التضخم السنوي لأسعار المستهلكين بالمدن ارتفع إلى 7.2% في يناير الماضي مقارنة بـ7.1% في ديسمبر 2019، كما أن معدل التضخم الأساسي السنوي ارتفع إلى 6.8% في ديسمبر 2019، مقابل 2.7% في نوفمبر الماضي، وإجمالًا على مدار الـ 3 أشهر السابقة،  قفز معدل التضخم السنوي بـ4.5%، على النقيض تمامًا من توقعات سابقة تنبأت بتباطؤ التضخم في 2020.

ويقيس مؤشر التضخم أسعار السلع والخدمات الاستهلاكية التي تشترى لأغراض الحياة اليومية، وذلك على أساس سنوي، أي بمقارنتها بالأسعار التي سجلتها خلال نفس الشهر من العام السابق..  ويعد قرار تعويم العملة المحلية نهاية 2016 أحد أهم الأسباب التي أدت لقفزات هائلة في أسعار السلع الضرورية والخدمات الأساسية، في ظل اعتماد مصر على استيراد احتياجاتها الأساسية من الخارج بالعملة الصعبة، إذ استوردت مصر خلال العام 2018 سلعاً أساسية بما قيمتها 227.7 مليار جنيه، حسب تقرير لوزارة المالية.

وارتفعت أسعار الوقود 4 مرات خلال السنوات الثلاث الماضية، بنسب راوحت بين 30 و47% في نوفمبر 2016، بالتزامن مع توقيع مصر اتفاق قرض صندوق النقد، ثم بنسبة وصلت إلى 55% في يونيو 2017، و67% في يونيو 2018، لتتراوح الزيادة الإجمالية بين 43% و77%، كما ارتفعت أسعار تذاكر المترو والمواصلات العامة، وفواتير الكهرباء والمياه، إلى جانب أسعار العديد من السلع الغذائية.

وبالرغم من وعود الحكومة أثناء توقيع اتفاقها مع صندوق النقد  الدولي بأن الفئات محدودة الدخل لن تتأثر بـبرنامج الاصلاح الاقتصادي، إلا أن الواقع جاء عكس ذلك، إذ شهدت مصر موجات غلاء طاحنة ومتتالية، وصلت معها معدلات التضخم إلى مستويات قياسية لم تصل إليها منذ الحرب العالمية الثانية، إذ وصلت إلى 33%، قبل أن تتراجع إلى أقل من 8% حالياً حسب بيانات رسمية، وهو ما يشكك فيه خبراء اقتصاديون يؤكدون أن معدلات التضخم أعلى بكثير، وخاصة مع استمرار موجات الغلاء.

التيسير النقدي

عودة التضخم للارتفاع ليس كبيرا،ً على الرغم من أنه يسير إلى الأعلى للشهر الثالث على التوالي، ويرجع الارتفاع إلى زيادة أسعار مجموعة الأغذية، مثل مجموعة اللحوم والدواجن بنسبة 5.3%، ومجموعة الخضروات بنسبة 5%، مع انخفاض طفيف في الفاكهة، ومجموعة المنتجات الغذائية الأخرى.

ولكن هذه الارتفاعات لا تشكل تحدياً كبيراً أمام البنك المركزي المصري، الذي يتوقع تباطؤ التضخم في 2020، ما يتيح الفرصة أمامه للاستمرار في سياسة التيسير النقدي التي بدأها العام الماضي، بخفض أسعار الفائدة بنحو 4.5%..

وبالنظر إلى أسباب ارتفاع معدل التضخم والانخفاض المتتالي لسعر صرف الدولار الذي يشهد هبوطاً مستمراً منذ فترة، فإنه لا يوجد ارتباط بين توقعات انخفاض الأسعار، وارتفاع أسعار بعض المواد الغذائية التي يتم انتاجها محليا، ذلك أن هذه المنتجات لا تدخل في تكاليف إنتاجها، مواد مستوردة سوى بنسبة ضئيلة تكاد تكون منعدمة التأثير، مثل أسعار المبيدات المستوردة والأعلاف". والملاحظ ان أسعار المواد الغذائية والسلع الأخرى التي يتم استيرادها لم تشهد انخفاضاً رغم انخفاض سعر الدولار، بل أحيانا ترتفع أسعارها استنادا إلى مبررات واهية، ذلك أن التجار والمستوردين وغيرهم في سلسلة التوريد، ليسوا على استعداد لقبول الانخفاض في أسعار صرف الدولار على تكلفة الانتاج وتسعير المنتج النهائي، مما يثير الإحباط والدهشة لدى المستهلكين.

سوق ليست مرنة

من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي د.باسم زيتوني، أن الأرقام الرسمية بخصوص التضخم بها خلل في بنية القياس نفسه، فهي لا تعكس حقيقة التضخم على أرض الواقع وما يعيشه المصريون، فالمؤشر الذي وضعه وزير المالية السابق بطرس غالي يحتوي على 35% للسكن و35% لسلع لا يستخدمها معظم المصريين كالكافيار وعظام الكلاب و30% فقط للحوم والأسماك والخضراوات والفاكهة.

يضيف:"  إذن ما نلمسه من غلاء في الأسعار يؤثر فقط في الـ30% من المؤشر، ويقابله إنخفاض في أسعار 35% وهي الفئة التي تخص السلع التي لا يستخدمها غالبية المصريين لعدم الإقبال عليها كما تشهد فئة الـ35% الأخرى الخاصة بالسكن ثباتًا لأن غالبية المصريين يمتلكون مسكنهم الخاص أو عبر الإيجار والذي لا يزيد بنسبة كبيرة فتكون المحصلة في النهاية هزلية". 

والمؤكد حسب زيتوني، أن التضخم ليس المؤثر الوحيد في سعر الفائدة، كما أنه ليس المؤثر الوحيد في حركة الأسواق، فالسوق المصري ليس مرناً، ويأخذ وقتًا طويلًا للإستجابة للتأثير، ويعود ذلك لعدم الثقة في المستقبل أو لعدم الشفافية من قبل النظام، لكن الأكيد أن هناك سوقين موازيين، السوق غير المنظم أو "اقتصاد الظل" وهو موجود بدرجات في كل العالم، مع توسعه قليلًا في كل من مصر والهند، والمعروف أن السوق غير المنظم يتجاوز السوق المنظم، إذ يعمل فيه الملايين دون أن نعرفهم لكن قراراتهم تؤثر فينا، ومثال على ذلك سوق اللحوم، التي ترتفع أسعارها وتنخفض دون سبب واضح مقنع. 

تقارير دولية

وترى مؤسسة الأبحاث البريطانية "كابيتال إيكونوميكس"، أن معدل التضخم السنوي في مصر، ما يزال بعيداً عن نقطة المنتصف لمستهدفات البنك المركزي لمعدل زيادة الأسعار ما بين 6 و12% بحلول الربع الرابع من 2020، وتتوقع أن يدفع ذلك للاعتقاد بأن المركزي سيستأنف دورة التيسير النقدي بخفض 0.5% لأسعار الفائدة الأساسية على العملة المصرية.

وأشارت إلى أن هناك سبباً آخر يقوي تلك الاحتمالات، وهو استقرار مكون الأسعار في مؤشر مديرى المشتريات ، بما يؤكد أن معدلات التضخم المتوقعة تتسق مع مستهدفات البنك المركزي.

وبحسب وكالة "بلومبرج" الاقتصادية، فإن ارتفاع التضخم في مصر خلال شهر يناير الماضي وللشهر الثالث على التوالي، يخالف التوقعات التي كانت ترجح تراجعه، وكان من شأنه أن يفتح الباب للمزيد من خفض أسعار الفائدة في اجتماع البنك المركزي الأخير.

وتضيف :"  أصبح من الصعب الآن على البنك المركزي المصري، أن يواصل التيسير النقدي بعدما امتنع عن رفع الفائدة، ومع ذلك فإن خفض الفائدة لا يزال ممكنا في ظل وجود التضخم دون المستوى المستهدف عند 9% (زائد أو ناقص 3%) في الربع الرابع من 2020.
--------------------
تقرير- عبدالرحمن العربي