20 - 04 - 2024

الجميع كان يترقب اتفاقا نهائيا.. حصة مصر المائية عرضة للتآكل بسبب سد النهضة

الجميع كان يترقب اتفاقا نهائيا.. حصة مصر المائية عرضة للتآكل بسبب سد النهضة

- وزير سابق: أزمات محتملة من تغير موازين قوى التفاوض
- علام: بعض التنازلات تعني عدم تحقيق الأمن المائي لمصر
- أبو زيد: سد الكونغو صعب التنفيذ ومكلف للغاية

"يجرى إحراز تقدم، لكن الاتفاقية النهائية لا تزال قيد الإعداد".. هذا هو ملخص الموقف بشأن مفاوضات سد النهضة طويلة الأمد، التي يتوقع البعض أن تخرج إلى النور أخيراً نهاية فبراير الجاري.

هناك رهان - تبدده تصريحات إثيوبية متضاربة – على الانتهاء من الاتفاقية النهائية لسد النهضة بحلول نهاية الشهر الجاري، حيث كتب وزير المياه الإثيوبي "سيلشي بيكلي" في تغريدة على حسابه الرسمي في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" بعد الاجتماع الأخير: "تم إحراز تقدم في القضايا الفنية والمواد القانونية خلال اجتماع واشنطن، لكن الاتفاقية لا تزال بحاجة إلى مزيد من العمل قبل نهاية فبراير".

ويترقب الجميع أن يسدل الستار على الأزمة العالقة منذ سنوات في غضون أيام قليلة، لكن المخاوف تتركز في الجدول الزمني لملء خزان سد النهضة وآلية التشغيل، حيث تتخوف مصر من الآثار السلبية المحتملة على الحصة السنوية من مياه نهر النيل والبالغة 55 مليار متر مكعب.

الاجتماع الأخير

وكانت واشنطن شاهدة على الاجتماع الأخير بشأن سد النهضة، والذي عقد يومي 12 و13 فبراير الجاري على مستوى وزراء مصر والسودان وإثيوبيا مع وفود من الدول الثلاث، كما شارك وزير الخزانة الأمريكي والبنك الدولي باعتبارهما مراقبين.

وقال وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوشين إن الولايات المتحدة قد وافقت بدعم فني من البنك الدولي على تسهيل إعداد الاتفاقية النهائية كي يُنظر فيها من جانب الوزراء ورؤساء الدول تمهيداً لإبرامها بحلول نهاية الشهر.

ووفقاً للبيان الصادر عن وزارة الخزانة الأمريكية، فإن الوزراء أكدوا مجدداً على أهمية التعاون عبر الحدود في تنمية النيل الأزرق؛ لتحسين حياة شعوب مصر وإثيوبيا والسودان كما أكدوا على التزامهم المشترك بإبرام اتفاق.

ويجدر الإشارة إلى أن اجتماع واشنطن الذي عقد في الشهر الماضي شهد توصل الدول الثلاث إلى تعريفات محددة لبعض المصطلحات المصيرية في الاتفاق المرتقب، مثل الجفاف والجفاف الممتد كما كان هناك توافق على أن يتم تنفيذ السد على مراحل وبطريقة تكيفية وتعاونية تأخذ في الاعتبار الظروف الهيدروليوجية للنيل الأزرق والتأثير المحتمل لعملية الملء.

وبحسب تصريحات صادرة مؤخراً عن وزير الخارجية سامح شكري، فإنه يتوقع صياغة اتفاق عادل حول سد النهضة يراعي مصالح مصر ويحمي حقوقها المائية، مشيراً إلى أنه من شأن هذا الاتفاق أن يبعث برسالة طمأنة للشعب المصري وأن يراعي مصالح إثيوبيا والسودان.

وقال وزير الخارجية: "لدينا كل الثقة في أن علاقات الولايات المتحدة بالدول الثلاث والروابط الاستراتيجية ستجعل الناتج النهائي من الجانب الأمريكي متوازناً وعادلاً وموضوعياً".

ميزان القوى

لا تزال هناك مخاوف من اللحظات الأخيرة بشأن سد النهضة، حيث إن التعنت الإثيوبي يؤدي بشكل واضح إلى تعطيل المفاوضات، لكن ماذا عن ميزان القوى؟

من جانبه، يقول وزير الموارد المائية والري الأسبق الدكتور محمد نصر علام إنه تم في الاجتماع الأخير استئناف مفاوضات واشنطن الوزارية حول تفاصيل البنود الفنية التى تم الوفاق عليها مبدئياً ومكث على صياغتها الفنيون من الدول الثلاث وكذلك التفاوض حول البنود المتبقية التي لم يتم الاتفاق عليها بعد.

وأضاف خلال تغريدة على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" أن مسار وطبيعة التفاوض بصفة عامة تعكس ميزان القوى للدول المتفاوضة والذي كان مائلًا بقوة للصالح الإثيوبي في عام 2011، لكنه تغير الآن ليميل بدرجة مؤثرة لصالح مصر، وبالتالي يزداد توقع حدوث أزمات نتيجة لهذا التغير في موازين القوى. 

وأوضح أنه من أجل التوصل إلى اتفاق نهائي ستكون هناك تنازلات متبادلة، ولكن أصبح الأن من الصعب أن تقبل مصر بتنازلات تنال من أمنها المائي واستقرارها الاجتماعي والسياسي،الأمر الذي يزيد من صعوبة المفاوضات. 

ويعتقد "علام" أن"بعض التنازلات قد تؤدي إلى عدم تحقيق الأمن المائي لمصر بشكل معقول بما يسبب نقص المياه عن الحصة السنوية المعتادة فى بعض الفترات، واحتمال نقص كبير في كهرباء السد العالي قد يصل أحياناً إلى توقف كامل لمحطة السد، وما لذلك من تداعيات داخلية عنيفة".

كيف نتعامل؟

وأكد الدكتور علام أنه حتى مع صمود المفاوض المصري والحد من التنازلات المصرية، فإنه يجب علينا إدراك أننا مع بداية تخزين وتشغيل سد النهضة سنبدأ عصرا من الندرة المائية.

وتابع: "ومع الزيادة السكانية المطردة يجب تغيير استراتيجيتنا في استغلال واستثمار مياهنا وخلق مصادر جديدة للدخل القومي تغطى مصاريف غذائنا مثل الصناعة والتكنولوجيا الحديثة". 

وأشار وزير الري الأسبق إلى أنه يجب على مصر القيام بخطوات ضرورية بل حتمية للأسف رغم قسوتها منها الحد بشكل مؤثر من زراعات الأرز وقصب السكر وتطوير الري لترشيد مياهه في الدلتا والوادي وتطوير بنية الري التحتية.

ويأتي ذلك في إطار هدف تقليل الفواقد المهدرة والحفاظ على مخزون المياه الجوفية الواقع على حواف الدلتا والوادي لأغراض الشرب والصناعة بدلاً من الزراعات العشوائية والاستيلاء على أراضي الدولة من قبل مافيا الأراضي، وفقاً لما قاله علام.

محطات لا تنسى

عشرون عاماً تقريباً منذ أن أعلنت إثيوبيا اعتزامها إنشاء سد النهضة، لكن هناك محطات لا تنسى في غضون تلك الفترة محفورة في الذاكرة ومليئة بالمفاوضات والمناقشات والمحاولات.

في عام 2001 أفصحت أديس أبابا عن نيتها بناء السد الإثيوبي، أعقب ذلك صمت دام حوالي تسع سنوات قبل أن توقع ست دول من حوض النيل اتفاقية عنتيبي، وهي الاتفاقية التي رفضتها مصر والسودان.

ووفقاً لاتفاقية عنتيبي، تنتهي الحصص التاريخية لكل من مصر والسودان المنصوص عليها في الاتفاقيات التاريخية المبرمة في عامي 1929 و1959.

وشهد أواخر عام 2010 خطوتين متتاليتين من جانب الحكومة الإثيوبية، أحداهما في شهر أغسطس وهي الانتهاء من عملية مسح موقع السد، أما الأخرى في شهر نوفمبر وتمثلت في الانتهاء من تصميم السد وإعلان خطة التنفيذ.

وفي العام التالي، وتحديداً في شهر أبريل، خرجت الحكومة الإثيوبية للعلن بمشروع إنشاء السد من أجل توليد الطاقة الكهرومائية، أما في سبتمبر 2011 فتم الاتفاق على تشكيل لجنة دولية لدراسة آثار بناء سد النهضة.

لكن في مايو 2012 بدأت اللجنة دراسة مدى تأثير السد على دولتي المصب، ثم مايو التالي، أصدر الخبراء الدوليون تقريرهم والذي أوصى بضرورة إجراء دراسات لتقييم الآثار المحتملة للسد لكن المفاوضات توقفت لنحو عامين.

وفي يونيو 2014، اتفقت الدول الثلاث على استئناف المفاوضات مجدداً، ليعقد الاجتماع الأول للجنة الثلاثية التي تضم مصر والسودان وإثيوبيا في سبتمبر من العام ذاته لمناقشة الشروط والقواعد والتفاصيل المتعلقة بالسد.

وفي الشهر التالي، أي أكتوبر 2014، اتفقت الدول على اختيار مكتبين استشاريين أحدهما هولندي والآخر فرنسي لإجراء الدراسات المطلوبة.

وفي مارس 2015، شهدت العاصمة السودانية الخرطوم، توقيع وثيقة "إعلان مبادئ سد النهضة"، والتي تضمنت 10 مبادئ أساسية، بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره السوداني عمر البشير ورئيس وزراء إثيوبيا هايلى ديسالين.

لكن في سبتمبر التالي، انسحب المكتبان الاستشاريان، قبل أن يوقع وزراء الخارجية في الدول الثلاث على "وثيقة الخرطوم" في نهاية العام، والتي نصت على تكليف مكتبين فرنسيين لإجراء الدراسات الفنية كما شهدت التأكيد على اتفاق إعلان المبادئ.

وفي مايو 2016، أعلنت إثيوبيا أنها أوشكت على إتمام 70 بالمائة من بناء السد، الذي كان يشهد تشييده في الوقت الذي تجرى فيه المفاوضات والدراسات بشأن تداعياته المحتملة، وبعد مرور عام تقريباً، تم الانتهاء من التقرير الفني المبدئي والذي لم يحظ بتوافق الدول الثلاث.

ومنذ عام 2017 عقد العديد من الاجتماعات بشأن سد النهضة، بعضها على صعيد الفنيين والآخر يصل إلى المستوى الوزاري قبل أن يشارك مؤخراً مراقبون دوليون في المفاوضات التي تشهد تعنتاً واضحاً على كافة الأصعدة.

واقترحت مصر في ديسمبر 2017 مشاركة البنك الدولي في أعمال اللجنة الفنية الثلاثية بعد رفض إثيوبيا والسودان للتقرير المبدئي، لكن هذا الطلب بشأن تحكيم البنك الدولي قوبل بالرفض من جانب إثيوبيا في بداية عام 2018.

وشهد عام 2018 عقد اجتماعات فنية وكذلك سداسية وأخرى تساعية، لكن في كلا الحالات يتم الخروج بنتيجة واحدة مفادها فشل جولة المفاوضات، لكن في شهر يونيو من هذا العام، تعهد رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بشكل شفهي في مؤتمر صحفي عقد بالقاهرة بأن بلاده لن تلحق الضرر بالشعب المصري.

وفي سبتمبر 2018 كانت النتيجة نفسها "عدم التوصل لنتائج وإرجاء المفاوضات"، هي مخرج اجتماع اللجان الفنية، لكن في فبراير 2019 أكد قادة الدول الثلاث على عدم الإضرار بمصالح الشعوب وهو الأساس الذي انطلقت منه المفاوضات مجدداً.

وقامت مصر بتسليم رؤيتها بشأن قواعد ملء وتشغيل سد النهضة إلى إثيوبيا في أغسطس 2019، ثم في الشهر التالي أعلنت وزارة الموارد المائية والري المصري تعثر المفاوضات.

وفي نوفمبر 2019، أعلنت الولايات المتحدة التدخل في الموقف ودعت الدول الثلاث إلى واشنطن في محاولة لكسر الجمود الذي أصاب المفاوضات بمشاركة وزير الخزانة الأمريكي ورئيس البنك الدولي.

وانطلقت الجولة الأولى من الاجتماعات مجدداً في منتصف نوفمبر 2019 وشهدت الاتفاق على آليات تشغيل وملء سد النهضة، ثم كانت الجولة الثانية في القاهرة خلال ديسمبر التالي قبل أن تعقد الجولة الثالث بنهاية الشهر لمناقشة نقاط الخلاف الأساسية وهو الاجتماع الذي عقد في الخرطوم.

وفي يناير الماضي، عقدت الجولة الرابعة من الاجتماعات في أديس أبابا لكنها انتهت دون اتفاق، ثم قامت واشنطن باستضافة وفود الدول ثلاث مرات؛ في منتصف الشهر الماضي وفي نهايته مرة أخرى وفي منتصف الشهر الجاري.

وشهدت هذه الاجتماعات الأخيرة التي عقدت في واشنطن، اتفاق مبدئي حول بعض النقاط العالقة، ليتوقف الأمر حالياً على إعداد الاتفاق النهائي وإرساله للدول المعنية تمهيداً للتوقيع.

سد الكونغو

في ضوء ما حدث مع إثيوبيا فيما يتعلق بسد النهضة، تنبع مخاوف من أن تقوم دولة الكونغو بتشييد سد آخر على النيل، وفي هذه الحالة فإن التساؤلات الأبرز في هذا السياق؛ ما تأثيره على الحياة في مصر بعد سد النهضة؟ وهل تخطيء مصر نفس الأخطاء وتسمح ببناء السد ثم تغرق في وحل التفاوض؟

جاءت الإجابات على كل هذه التساؤلات بشكل مختصر على لسان الدكتور محمود أبو زيد وزير الري الأسبق في تصريحات خاصة مع جريدة "المشهد" بقوله: "السد ممكن من الناحية الفنية لكن من الناحية العملية غير ممكن".

وأوضح وزير الري الأسبق أن بناء سد الكونغو مكلف للغاية من الناحية الاقتصادية كما أن تشييده بحاجه إلى اختراق دول عديدة وهذا الأمر بحاجة إلى إبرام اتفاقيات، أي أن الأمر ليس بهذه السهولة.

وأضاف أن هناك من يقومون بدراسة هذه المسألة وهناك اقتراحات عديدة في هذا الشأن، لكن من المؤكد أنه صعب التنفيذ ومكلف للغاية.
----------------------------
تقرير - سالي إسماعيل






اعلان