19 - 04 - 2024

عاصفة بوح| طهارة

عاصفة بوح| طهارة

هى الكلمة الشعبية التى تطلق على عملية الختان المجرمة.. ربما تعكس الكلمة المفهوم الشعبى لتلك الممارسة المبتذلة.. هى عملية تطهير للجسد الانثوى من الرغبة او على أضعف الايمان التقليل منها.

فى المفهوم الذكورى المتسلط والشاعر بالضعف من حاجته المؤلمة للأنثى، فيخشى الرفض او تقييم الداء والذى يتصور فيه الرجل الشرقي شرفه وقيمته ومركزه بين الناس.. أى أن فحولته هى التى تحدد هويته وليس شيئا آخر، ربما يأتى فى يقينه قبل المال الذى يقيم مركزه ايضا فى المجتمع بصفة عامة وفى وضعه بين النساء أو الإناث كما يراهم هو.. أنثى يعنى الجسد.. بينما إمرأة تعنى إنسانة كاملة الأهلية تكافيء الرجل.. هي ميزان الحياة.. وتعنى حياة كاملة خارج اطار العلاقة الخاصة وغرف النوم التى قد تتحكم فى مصير أمم، وليس مجتمعا بعينه عندما تتمكن الأنثى وتسيطر من خلاله كدور وحيد لها فى الحياة، وتظل أسيرة لخيال رجل يرفض أن تخرج عن طوعه وتنافسه فى مجاله.. لذلك ينزل بسيفه على أجساد النساء تقطيعا وعلى الارواح تعصبا وتسلطا ونفيا للحقوق الإنسانية.

كل ماسبق خطر على بالى عندما تصفحت خبر موت فتاة صغيرة فى الحادية عشر من عمرها على إثر عملية ختان مجرمة، أخفق فيها الطبيب الذي تصور أنه عندما يبالغ فى عملية القطع متصورا أنه يعطى فرصة أكبر للفضيلة أن تسود، ويزيل أي فرصة للجسد أن يطالب برغباته ومتعته خارج إطار الزواج وربما ضمنه أيضا.. مع أن العلم أثبت أن الرغبة تأتى من العقل وأن الختان لا يزيل االرغبة، إنما يعجز الجسد عن الارتواء فقط، فيظل فى حالة توتر واكتئاب تلقى بظلالها على العلاقة الزوجية فتفشل دون أن يفطن أحد للسبب الحقيقي لتلك الخلافات الخفية. 

 حتى الآن يعانى الكثيرون من سطوة العادات والتقاليد، حتى لو أنكرنا ذلك ترفعا، ثم عانينا  من تبعاتها، لذلك تعجبت من شكوى أحد الزملاء من برودة زوجته، وأرجع ذلك إلى عملية الختان، ومع ذلك كاد يضعف أمام زوجته وهى تطالبه بأن يوافق على إجراء نفس العملية لابنته الصغيرة وتعجبت لتردده وهو من عانى من تبعات العملية، ولكنه ضغط الموروث الشعبى والاسستلام لمعتقدات مجتمع وقع تحت مطرقة سنديان الجهل وتحكم الشيوخ، والسلفيين منهم بصفة خاصة، بحيث تكون المرأة ملك يمين الرجل إذا شاء أخذها عنوة أو أهملها احتقارا وضعفا، فى كلتا الحالتين ليس لها رأى فى هذا، هى مفعول به أو ملك يمين وجارية منزوعة الرأي والرغبة وتقييما لفحولة لا لمشاعر، يريدها جمادا يتحرك ويتلون وفقا لرغبة السيد المهيمن!

هل خرجت عن الإطار التى تدور حوله عملية الختان كونها شرعية او مجرمة؟ لا أظن.. لأنها توليفة واحدة تؤدى لنفس النتيجة، جهل يؤدى إلى عدوان على الأضعف اجتماعيا ونفيا لحقوقه الإنسانية عن طريق عملية ختان تضمن له فضيلة نسائه، أو هكذا أتصور وتضمن له الكبرياء والشرف خاصة فى الأحياء الشعبية، الذى مازالت حتى اليوم تمارس جريمة الختان مع جريمة فض بكارة الفتاة على الملأ، ليخرج المنديل الأحمر المخضب بدماء الضحية ليرفع رأس أب ظل مفزوعا ومرعوبا من سقوط ابنته فى امتحان شرفه وفضيلتها!  

 هكذا تفكر شريحة كبيرة من المجتمعات المجهلة دينا وعلما.. فالبلدان العربية ومصر ليست استثناء ليست العواصم التى تفتخر بتحضرها وفنونها وآدابها ومراكز أبحاثها.. إنما هي النجوع والقرى والصحارى والتى مازالت ترتكب فيها حوادث الشرف، حيث تقتل فيها الضحية لمجرد الشك والظن فى سلوكها، فهو لن ينتظر ليتأكد.

أما الرجل فيتفاخر بفسوقه قبل الزواج والزنا بعد الزواج، ولن تجد أحدا يدينه على الإطلاق، إلا من باب ذر الرماد في الأعين، وقطعا لن يتعرض للقتل، فهى ليست جريمة شرف، إنما ممارسة زهو وتفاخر ذكوري!

والشيء بالشيء يذكر، مناقشة منذ ثلاثين عاما دارت بينى وبين أحد المثقفين حول قبول المجتمع لنزوات الرجل وعدم تسامحه مع ضعف يحدث فى علاقة حب حقيقية، وكانت الإجابة  واقعية لحد الألم. قال لأن آثار العلاقة تقع على الفتاة وحدها من ضياع الشرف الذى هو مثل عود الكبريت وأنها تحمل ثمرة الخطيئة وحدها، أما الرجل فلا.. تبدل الوضع الآن بعد موانع الحمل وعمليات الترقيع وتحاليل إثبات البنوة، فلا آثار لنتائج تهتكها.. إذنتساوت الرؤوس!! 

يا سادة.. لن أكرر أن الشرف ليس موجودا بين سيقان النساء، إنما موجود فى العقل والقلب وقبلها الضمير والاخلاق والمعنى الحقيقى للتدين والخوف من غضبه سبحانه والرغبة فى إرضائه. 

ليس المجتمع المنافق وليس المنطق الذكورى المهيمن.. عديم الأخلاق.. الطهارة أو الختان جريمة ضد الإنسانية وضد حقوق الانسان والحقوق التي منحها الله سبحانه لمخلوقاته.. حق المحافظة على الجسد من الانتهاك والتشويه، وعلى النفس الطبيعية السوية بأن تتمتع بجسدها فى إطار الزوجية ولا تصبح أدنى من الدواب التى لا يتم تعشيرها إلا برضاها، بينما ترغم الفتيات حتى اليوم على الزواج قهرا وهو ما تمنعه الأديان، ومع ذلك يمارس و يتاجر به دون ان يطرف للمجتمع جفن!

لن تختفى تلك الجريمة من مجتمعنا إلا عندما تتغير مناهج التعليم والثقافة المكتوبة والمروية من النظرة المتدنية المريضة للمرأة كإنسان متكامل له مثل الذى عليه بالمعروف.. له جسد وعقل وقلب وإمكانيات وطموحات وقدرة على الإنجاز والتحقق، وبعد كل ذلك قلب وجسد أنثوى يرغب ويرتوي، ولا يجد فى ذلك أى تهديد لمكانة الرجل فى المجتمع و بين أقرانه. 

يرحم الله ويعوض شهيدات الختان بجنة عرضها السموات والأرض. 
------------------
بقلم: وفاء الشيشيني

   

مقالات اخرى للكاتب

عاصفة بوح | حسابات دقيقة وحسابات قبيحة





اعلان