28 - 03 - 2024

ترنيمة عشق| السقوط في مستنقع أوهام المتطاولين

ترنيمة عشق| السقوط في مستنقع أوهام المتطاولين

بين الفَينة وأختها؛ ترتفع عقيرة البعض مردِّدة قيلتهم السوء: "الدين لا يصلح لكل زمانٍ ومكان"! وأن الله يكلف الناس ما لا يطيقون! وأن الشريعة غير قابلة للتطبيق! حتى المعجزات القرآنية وضعوها تحت عنوان: "هزيمة المسلمين روحيًّا وعقائديًّا"؛ ويقصدون أن المسلم يعيش هزيمة حضارية؛ لذا تراه يبحث عما يرفع خسيسته؛ فينسِب للقرآن ما ليس فيه! 

يطعنون في معجزة "الإسراء والمعراج" وجعلوها محض خيال بأحداثها كاملة! وعلينا أن نصدق أصحاب البوذية والزرادشتية المجوسية أنهم أيضًا قد عُرج بهم للسّموات العلى كما جاء في تراثهم؛ بينما يتحتم على المسلمين وحدهم الطعن في مصداقية ثوابتهم ومقدساتهم! يزيد المتطاولون وينكرون "ليلة القدر"؛ ويرفضون "أمين الوحي جبريل"؛ بذريعة عدم قدرة العقل على استيعابه! كل ذلك ليضربوا في صميم الإسلام؛ سيّما فريضة الصلاة؛ ومعجزة التنزيل القرآني.

يزعمون أن "المسجد الحرام" ليس بالذي يذهب إليه الحجيج كل عام! و"المسجد الأقصى" ليس بالذي نعرفه ونضحي لأجله! بذات الوقت؛ نجدهم يؤكدون على صدق الروايات التي تشير لكون النبي وُلِد في الثاني عشر مِن ربيع الأول، كي يثبتوا أنهم موضوعيون؛ أي كما يكذّبون بعض الأخبار فهم كذلك يؤيدون ما صح منها، مع أننا كلنا ندرك ان تاريخ ميلاد النبي تحديدًا مُختلفٌ عليه، وحتى لو اتفقت الروايات كلها فلن تُقدم أوتُؤخر شيئًا في أمر العقيدة، بينما ما ينكرونه من الفروض يهدم العقيدة ذاتها.

هؤلاء مغرمون ومولعون بالبحث في بطون الكتب الشاذة؛ وعقول غير الثقاة من الكتّاب ذوي الأفكار المنحرفة والأهواء والأحقاد والكراهية؛ عن رواياتٍ وأحداثٍ لا يصدقها عقل، يستمرؤون الجرأة على الثوابت والمقدسات؛ لجذب قاعدة عريضة من المشاهدين؛ خاصةً من متواضعي الثقافة وأصحاب الحظ القليل من التعليم، ساعدهم في ذلك طفرة تكنولوجية هائلة؛ أتاحت لكل من امتلك: كرسيًّا ومنضدة وجهازًا يتعامل بالانترنت ولو في ركن من مطبخ بيته (كذلك يفعل بعض الناشطين والناشطات الفيسبوكّيات) أن يُدَشّن لنفسه قناةً إعلامية؛ فما بالنا بمن استطاع الولوج لبرنامج أو قناة فضائية حقيقية تُموّل بالملايين مِن جهات خارجية أو داخلية مشبوهة؟!

ساعد كذاك انتشار الجهل والأمية بنسبة كبيرة بعالمنا العربي والإسلامي، وإهانة رموز الدين والتقليل مِن قَدرهم وشأنهم؛ والحملة الهوجاء على "أزهرنا الشريف وشيخه وجهود علمائه الأجلاء"؛ وحالة السّعار والهيجان التي تصيب البعض حال سماعه مَن ينقد أو يرفض فكرًا ما؛ أو كتابًا ما؛ فيبدأ اتهامه بمعاداة الرأي الآخر، وأنه ظلامي، جامد، متحجر، رجعي؛ ومتخلف.

 لكن حين تُذاع عشرات البرامج؛ وتُنشر مئات الكتب والمقالات تسبّ الذات الإلهية؛ أو تعتدي على المقدسات؛ أو تسيئ للقرآن الكريم؛ أو تهدم سُنة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- أو تُحقّر لغتنا الشريفة.. فلا نجد من يتهمهم بشئ، بل يُصَفق لهم باعتبارهم جنود "تنقية التراث من التزييف"؛ ومجددي "الخطاب الديني"؛ ومصطلحات أخرى يستترون خلفها لتمزيق عباءة الدين.

أفكار وكتب ومصادر غير موَثقة؛ وروايات غير ثابتة؛ وتفسيرات لو عمل فيها أهل الفقه والشريعة والتاريخ "ِمبضع الجَرح والتعديل" فلن تقوم لهؤلاء وبرامجهم وكتاباتهم قائمة، فأحقادهم لم تعد دفينة؛ وكلما انطفأ وهج أحدهم الإعلامي عاد يعتليه لينحر جسد الإسلام والمسلمين؛ تمامًا كالممثل الذي ينزوي بعيدًا عن الشُّهرة؛ فما يلبث أن يعود ليحتل مكانًا تحت الأضواء حتى ولو بفضيحة؛ المهم البقاء طويلا على الشاشة! بل وأُتيح لأصحاب الديانات الأخرى مساحات إعلامية ليفتوا في عقيدتنا بغير علم، لكن القيامة يقيمونها ولا يقعدونها لو تحدثنا عن معتقداتهم بأي شكل من الأشكال.

شوهوا الصحابة والتابعين وأصحاب المذاهب، ثم تطاولوا على النّبي الهادي البشير، بعدها ظهر "القرآنيون" في الفضاءات الإعلامية؛ ممّن لا يرون غيره مصدرًا للتشريع، ومذ سنوات كتبتُ مقالاتٍ عدة، أُحذر فيها من هؤلاء؛ وأن حجتهم هذه سوف تنال القرآن ذاته فيما بعد؛ وقد حصل ما نَبهنا إليه سلفًا.. والأن يتطاولون على الآيات القرآنية؛ ويفسرونها حسب هواهم، فيبدو كتابنا المبين وكأنه يناقض بعضه بعضا، كما كذّبوا المعجزات القرأنية والنبوية؛ وادّعوا أنها مُختلقَة لأجل أن يتساوى الإسلام مع المسيحية واليهودية (يعني مفيش حد أحسن من حد)، مطيتهم في ذلك أن الخيال العربي جامح بطبيعته؛ وأنه يريد منافسة أساطير الرومان والفرس والهند، ووالله لو سمعتهم قريش لكفوها مؤنة اتهام رسولنا الصادق الأمين بأنه يقص عليهم أساطير الأولين!

هؤلاء لا يتوانون في تأويل الأيات حسب فهمهم المريض، يلبسون الحق بالباطل-وبعضهم يكتمون الحق وهم يعلمون- ويستضيفون في برامجهم مَن هم على شاكلتهم؛ ليعطوا للمشاهد إيحاءً بأنهم يعرضون الرأي والرأي الأخر، ودائما تسبق اسم الضيف كلمة "الباحث" فقط؛ فلا نعلم باحث في ماذا؟ ولا أين؟ ولا مع مَن؟ هو فقط باحث مع نفسه؛ وعلى هواه؛ وكأن البحث العلمي مُلقى على قارعة الطريق؛ ليست له أسس وقواعد بها نتقبّل نتائجه! لكن المشاهد الواعي سيدرك أن الضيف وصاحب البرنامج يشربون من معين واحد، معين الهدم والكراهية مهما كان البرنامج يحمل عنوانًا خادعًا.

مِن كرمِ الله علينا أن جعل باب الاجتهاد مفتوحًا؛ بل وجعله ضمن مصادرالتشريع، ولم يعط تلك المَزيّة للأديان الأخرى، ولكن للاجتهاد قواعد وأسس؛ فليس كل "مَن هبّ ودَب" يحق له رفع لواء الاجتهاد وحقيق علينا أن نأخذ منه.

عناوين وبرامج كُثر؛ وكتب ضالّة مُضلّة تحت عنوان: "قراءة عصرية وعلمية" و"الرأي والرأي الآخر".. وغيرها من عناوين طنانة؛ لا تبغي غير هدم الإسلام ودعوته وتفتيت عضد معتنقيه؛ إمّا عن قصد وكراهية، أوعن جهل لا يدري صاحبه أنه معول هدم، فديننا وعامة المسلمين يرفضون الغلو والتطرف والتشدد، لكنهم بذات الوقت يرفضون التطاول والتفريط والطعن في الدين والثوابت وجَعْل أحكام الدين من "الظنّيات"، فالمتطاولون ودّوا ألَّو جعل كل منا لنفْسه دينًا منفردًا خاضعًا لفكره وأهوائه واجتهاده؛ كي يتحول الدين لوجهة نظر وليست مُعتقَدا!

كلمة أخيرة أُنهي بها مقالي؛ لو أن الذي يجري عندنا جرى عند أتباع الأديان السماوية الأخرى؛ تراهم يقبلون؟ ألا نرى الصهيونية العالمية ودّت ألَّو خلعنا مسوح الإسلام عن كاهلنا لنعود شيعًا وقوميات وقبائل متناحرة؟! بينما تدعو لإقامة دولة يهودية في مقدساتنا السليبة وأراضينا العربية المحتلة، وتزرع في نفوس تلاميذهم أن التوراة تأمرهم بقتل العربي النّجس وسلب أرضه وبيته! أفيقوا من سباتكم يرحمنا ويرحمكم الله، عُضوا على دينكم ومقدساتكم بالنواجذ، والحذر كل الحذر من السقوط في مستنقع أوهام المتطاولين من الجهلاء والحاقدين والمأجورين.
---------------------------
بقلم: حورية عبيدة


مقالات اخرى للكاتب

ترنيمة عِشق | أصحاب الأرض والشّعب المرتَزق





اعلان