24 - 04 - 2024

عفواً.. القانون لا يمنح العطايا الإلهية

عفواً.. القانون لا يمنح العطايا الإلهية

فوجىء الجميع منذ اسبوع بصدور حكم قضائي عن الدائرة الأولى بالمحكمة الإدارية العليا، اعتبر الحكم القرارات التي تصدرها الكنيسة بحرمان بعض الأقباط من ممارسة الأسرار الكنسية، - التي تُعتبر فى العقيدة المسيحية منحاً الهية مثل التناول- هي قرارات تجتمع فيها أركان القرار الإداري، ومن ثم تختص محاكم مجلس الدولة بنظر الطعن عليه!! 

ومن المعلوم للقاصي والداني، أن المسيحيين يمارسون سر الاعتراف، ومن الجائز جدا ان يوقع الكاهن الذى يتلقى الاعتراف عقوبة روحية على الشخص من اجل إصلاحه، ورده إلى طريق الإيمان السليم، ولم نسمع نهائياً ان أحداً أقام دعوى قضائية ليتناول جسد المسيح ودمه، فهي نعمة مجانية لا تمنحها احكام قضائية، ولا تقرها مواد قانونية. كما أن قرارات الحرمان تتم عن طريق السلطة الكهنوتية، وتكون مصحوبة بتحديد فترة الحرمان، فلا توجد عقوبة ابدية، لذلك كان من المستغرب اصلاً قبول هذه الدعوى لاسقاط قرار روحي بالحرمان من تناول الاسرار المقدسة، لكن ما تم تداوله على لسان المستشار منصف نجيب سليمان محامي الكنيسة، وتداولته الصحف، خلال الاسبوع الماضي كان عكس ذلك، فالقضاء الإداري اعتبر أن بطريركية الأقباط الأرثوذكس شخصاً من أشخاص القانون العام، وكذلك ما يتفرع عنها من هيئات إدارية، وتقوم على رعاية المرافق الدينية التابعة لها، مستعينة في ذلك بقسط من اختصاصات السلطات العامة، وليس هناك ما يحول من حيث الأصل دون اعتبار قراراتها قرارات إدارية إذا ما استقامت لها مقومات وأركان القرار الإداري! وهو امر لافت جدا للانتباه، ويجافي المادة الثالثة من الدستور المصري والتي تقر بأحقية اصحاب العقائد الأخرى من غير المسلمين، فى إدارة امورهم الروحية، حيث تنص على" مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسى للتشريعات المنظِّمة لأحوالهم الشخصية، وشئونهم الدينية، واختيار قياداتهم الروحية."بكل ما يحمله النص من تفاصيل عقائدية دقيقة. 

وبناء عليه تقدمت الكنيسة الأرثوذكسية ممثلة فى قداسة البابا بصفته، بالطعن على الحكم، لكن المحكمة أيدت الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بوقف تنفيذ وإلغاء قرار بطريركية الأقباط الأرثوذكس بحرمان إحدى السيدات من ممارسة الأسرار الكنسية. ورغم الدفوع القانونية التي أبداها المستشار منصف نجيب سليمان، محامي الكنيسة، بعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة ولائياً بنظر الدعوى، وعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإداري، لأن الأمر يتعلق بتفاصيل وشعائر دينية في العقيدة المسيحية لطائفة الأقباط الأرثوذكس والتي لا تخضع لرقابة القضاء.إلا ان المحكمة رفضت الطعن. ليصبح الحكم سابقة للتدخل القضائى فى عمق الشئون الروحية، والعقائدية للمؤسسة الدينية المسيحية. 

وسابقة المنح قد تتحول فيما بعد لسابقة منع ايضاً، من يعلم الغيب؟ ومن اللافت فى حيثيات الحكم أنه استند الي الدستور فيما يتعلق بحق السيدة المحرومة فى ممارسة شعائرها الدينية باعتبارها حريات عامة! فيما تجاهل المادة الثالثة التي تسند تلك الأمور للقادة الروحيين الذين يختارهم ابناء طائفتهم، بل وطوع نص "حرية ممارسة الشعائر الدينية" لخدمة الحيثيات فيما خلق النص لمنع التربص بالكنائس والمعابد، او تقييد حرية روادها، وهو ما يعتبر ليا للحقائق واستخدام مواد لضرب مواد اخرى فى الدستور. 

ولا يمكن أن نتجاهل ما ورد فى حيثيات الحكم عن غياب اوراق تفيد بعقد مجلس تاديب وصدور قرار الحرمان بشكل رسمي، فالحكم تعامل مع واقعة الحرمان باعتبارها تأديبا إدرايا، ولم يلتفت للشق الروحي المرتبط بعقيدة وايمان أطراف الواقعة، وكانت هذه السيدة اتهمت بخيانة الأمانة وارتكاب مخالفات قانونية ومصرفية ضد سيدة أخرى! ومنحت الأخرى شهادة من القائد الروحي للمحرومة –آنذاك- تفيد بقرار حرمانها ، واستخدمت فى المحكمة لرد الامانة وصدر حكم ابتدائى من محكمة الجنح، ثم تم الطعن عليه وصدر حكم بالبراءة، تلك الامور التي ادت الي ارباك المشهد، ويبدو ان الامر كان مستمرا طيلة السنوات الماضية لكن التساؤل: اذا كانت الواقعة تعود لعام 2008، فكيف استمر التقاضى طيلة هذه السنوات رغم انه من المؤكد انتهاء مدة قرار الحرمان، ام ان الغرض من التقاضي غل يد السلطة الدينية المسيحية عن ممارسة مهامها؟ 

فلا توجد عقوبة كنسية تستمر لاكثر من عشر سنوات؟! خاصة عقوبة الحرمان من تناول الأسرار المقدسة، كما انها عقوبة يصعب تطبيقها فى كل كنائس مصر على ذات الشخصية، فما الغرض من التقاضي؟ فقرارات الحرمان لا يمكن ان تكون مطلقة مفتوحة المدة الزمنية. 

نحن نحترم احكام القضاء، لكن القانون يمنحنا الحق فى مناقشتها، والا لما كان هناك ما يسمى بفساد الاستدلال. وقطعا نحترم القانون ، لكن عفواً القانون لا يملك منح "جسد المسيح ودمه" وهو ما يطلق عليه سر التناول فى العقيدة المسيحية، والنصوص والقرارات لا يمكنها منح او منع العطايا الإلهية المجانية.
-------------------
بقلم: حنان فكرى
[email protected]

مقالات اخرى للكاتب

عفواً.. القانون لا يمنح العطايا الإلهية





اعلان