29 - 03 - 2024

إياكم تنتظروا إسعافا بمطار القاهرة الدولي!

إياكم تنتظروا إسعافا بمطار القاهرة الدولي!

إن لم تكن ضمن آلاف الركاب المارين يوميا بمطار القاهرة، وإن لم تكن من بين نحو خمسة وعشرين الف موظف يعملون به، فلن يعنيك هذا التحذير الذي يتعلق بحياتك او موتك لو تعرضت هناك لأزمة قلبية او نزيف او اختناق في التنفس!

حدث هذا شخصيا معي قبل اسبوع وانا في استراحة انتظار ركوب طائرة مصر للطيران إلى واشنطن:

نزيف دموي مفاجئ قبيل دخول الطائرة، خشيت أن يكون من المعدة او نتيجة لاضطراري قبلها بايام استخدام الدواء الوحيد البديل في الصيدليات المصرية (ماريفان) لاقراص مسيل الدم (كوميدين/وارفرين) الذي استخدمه لمنع التجلط حول صمام ميكانيكي للقلب عندي!

بمجرد إبلاغ موظفي الاستراحة أنني اريد طبيب طوارئ او إسعاف بسرعة، تجمعوا حولي بكل مشاعر الحب والود الدافئ والقلق على صحتي وطمأنتي، الذي نفتقده من الناس خارج مصر.

وجدت دفء المشاعر، لكنني افتقدت الإسعاف واستجابة فرق الطوارئ التي كنت أجدها في امريكا، باقل عدد من الناس واللهفة.

بعد ربع ساعة، جاءتنا "طبيبة الطوارئ بالمطار الضخم" ومعها مساعدتها، تسألني بكل هدوء عما بي، فقلت الاعراض والمخاوف، وانني يمكن أن أغيب عن الوعي في اي لحظة. فقدت زوجتي الأمل في إسعاف المطار وطبيبته بعد أن صارحتنا السيدة بأن كل ما لديها للإسعاف جهاز ضغط تحمله! قلت لها: معي واحد بحقيبتي الصغيرة. قالت: هو غالبا رقمي وما معي زئبقي ادق!

انصرفت زوجتي عنها، وانشغلت بايقاظ صديق لنا بعد أن تجاوزنا منتصف الليل، جراح قلب بمستشفى دار الفؤاد للاستشارة. بينما سألت انا الطبيبة هل لديك جهاز فحص درجة سيولة الدم؟ فعندي واحد بالمنزل؟

قالت: لا!  

هل عندك جهاز.. كذا. او كذا؟ الاجابة: عندي جهاز ضغط لكن ممكن اطلب لك الإسعاف لمستشفى، وممكن اعطيك حقنة فيتامين ك لتكثيف الدم! قلت: وهل تعرفين كم نسبة السيولة اصلا، كما أنني قلت لكي ان عندي صمام ميكانيكي وان كانت نسبة السيولة عادية فساصاب بجلطة بسبب حقنتك. عموما، قلت: بسرعة ارجوكي احضري الاسعاف هنا حالا.

كانت زوجتي قد انهت المكالمة الاستشارية، بألا آخذ حقنة ك التي تطوعت بها، وان تنقلني الإسعاف فورا لمستشفى دار الفؤاد بمدينة نصر الأقرب بدلا من اكتوبر حيث يعمل صديقنا.

ردت طبيبة المطار: نحن متعاقدين فقط مع مستشفى هليوبوليس لنقل الإسعاف و(أخرى لا اذكرها الان) وليس دار الفؤاد او غيره!

بعد شد وجذب، حن قلبها للموقف، وسمحت بالمستشفى الذي أردناه، بعد أن تم وضعي على كرسي متحرك فقط لنقلي للاسعاف الذي تصورت أن فريقه سيدخل علينا باجهزته الصالة ويهرول بي!

لكن لا أريد أن أطيل عليكم: "دخول المطار مش زي الخروج منه!"

إجراءات بيروقراطية للموافقة الأمنية والتوقيعات على إلغاء سفري وإنزال حقائبنا من الطائرة للمخازن، والسماح بخروجي وزوجتي من صالة السفر مرورا بصالة الجمارك، بعد نصف ساعة اخرى، لشخص يفترض انه ينزف ودون وضع اي أنابيب او توصيل اي اجهزة به، ان وُجدت! ووسط مرونة عقيد شرطة للتوقيع بسرعة، وتشدد امين شرطة عند الباب بعدم الخروج دون ارسال الورقة له رغم أن مرافقا من المطار يدفعني بالكرسي المتحرك، مر وقت اخر، حتى خرجنا من المبنى إلى الشارع حيث المستقبلين، لتظهر بعد خمس دقائق أخرى سيارة الاسعاف..وكادت زوجتي تطلب تاكسي اوبر عوضا عنها. لكن الاسعاف اوقفها أيضا أمناء شرطة بعد ان ركبتها للتأكد ان جواز سفري مختوم عليه إلغاء رحلتي مع أنني في الشارع مع غيري من غير المسافرين ولست داخل المطار!

فتح لي مساعد سائق الإسعاف الباب وامسك بيدي لاصعد وانام على سرير معدني تغطيه قطعة بلاستيك بحشوة رقيقة كأنه فراش "السرير الطبي" الملصق بجواره مقعد معدني جلست عليه زوجتي، واغلق الرجل علينا الباب في سيارة شحن فارغة، بدون اي جهاز لمتابعة حالتي او مساعد طبيب يجهزني لطوارئ المستشفى، بل اكتفى بمصاحبة السائق بجواره وكأنه "تبّاع" عربية نقل مواشي.. بفارق انه مزود بسارينة إسعاف!

الحمد لله، وصلنا المستشفى، وبعد تركيب الاجهزة البسيطة وفحص الدم، وكشف نائبين شابين للقلب والجراحة العامة، وبعد استشارة احدهما جراحنا للقلب الذي لم ينم: د. ماجد ذكري، تأكدوا ان سيولة الدم كانت مرتفعة لكن بشكل فوق المتوسط بسبب الجرعة المفترضة في نسبة الدواء، مع تضخم البواسير.. كلا المشكلتين معا أديا إلى النزيف والأزمة التي لو كانت لأسباب معوية او بنسبة سيولة أعلى لما أبقتني على الحياة، ليس فقط لأخرج ليلتها من طوارئ المستشفى، بل وحتى من باب مطار القاهرة بدون رعاية طبية وبدون إسعاف حقيقي!

انا بخير، وأخرج وأعيش حياتي في مصر، وإن كان بدل امريكا مع ابني وابنتي وحفيدي هناك في عطلات السنة الميلادية..

بل واسترددت حقائبي غير منقوصة بعد أيام.. وبعد أن دفعت زوجتي أكثر من خمسين جنيها "رسوم دخول صالة المطار" لأخذ الحقائب، وغرمتنا مصر للطيران ثلاثة آلاف جنيه لعدم ركوب الطائرة في الموعد، بغض النظر عن السبب! مع ان فاتورة اسعاف وتحاليل وطوارئ وكشف اطباء دار الفؤاد لم تتجاوز نصف غرامة مصر للطيران!

لكنني اكتب هنا عن قصتي ، مع أن هناك شروط دولية للاستعدادات والأجهزة الطبية لأي مطار ولو صغير به برج مراقبة في امريكا او العالم، لأدق جرس الإنذار.

إن تكلفة اجهزة الإسعاف والفحص ونقل الدم، ومرتب نواب الأطباء النابهين بغرفة طوارئ متواضعة بمستشفى دار الفؤاد بمدينة نصر، لا يمثل سوى ملاليم مقارنة بمظاهر الإنفاق والابهة والعمالة في مطار القاهرة الدولي.. ناهيكم عن كيف لا تدخل سيارة إسعاف إلى المطار بدلا من أن يملك سياراته وفرقه المدربة، لإنقاذ أرواح آلاف المارين به، وعشرات الآلاف العاملين به.

واجبنا أن ندق أجراس الانذار.. قبل ان تصبح شركتنا الوطنية "القابضة" للطيران، شركة قابضة للأرواح!
------------------------
بقلم: حافظ الميرازي

مقالات اخرى للكاتب

مقابلة ماكرون مع الجزيرة.. ما لها وما عليها؟





اعلان