25 - 04 - 2024

سيناريوهات التدخل التركي في ليبيا

سيناريوهات التدخل التركي في ليبيا

حدث ما كان متوقعا وهو تفعيل ما تبقى من المجلس الرئاسي (3 من أصل 9) لمذكرات التفاهم مع الجانب التركي وطلبهم العون العسكري من أنقرة فعليا اليوم ورغم أن البرلمان التركي لن ينظر في إقرار هذه التفاهمات قبل يوم السبت 28 ديسمبر إلا أنه من الناحية الواقعية ثمة إمدادات عسكرية تركية تتدفق على مصراتة وطرابلس منذ أمد ليس بالقصير بل وهناك على الأرض الليبية ضباط وخبراء أتراك وهناك في عرض البحر سفن تركية محملة بعتاد وقوات تتحين الفرصة المناسبة لدخول ميناء الخمس أو مصراتة

وعلينا من اللحظة حساب كافة الاحتمالات وكلها واردة في ظل الأحداث المتحركة

السؤال البديهي هو حتما حول المدى الذي ستذهب إليه تركيا في تحقيق مستهدفاتها والتي تتلخص في:

١-  المشاركة في اقتسام ثروات غاز شرق المتوسط عبر بوابة الاتفاق مع الوفاق

٢-  الوصول الهادئ لإمدادات نفط من ليبيا بأسعار متدنية أو عبر الدفع بالأسلحة والمساعدات العسكرية

٣-  دعم تواجد الإخوان المسلمين الذين يسيرون اليوم حكومة فايز السراج في ليبيا وذلك ليس فقط تحت إلحاح قيادات الاخوان الهاربة من مصر وليبيا إلى تركيا ولكن أيضا كجزء من خطته لبعث الخلافة العثمانية وهو أمر يشكل هدفا استراتيجيا لأردوغان وحزبه.

لو تم التحرك التركي بهدف المشاركة في نفط شرق المتوسط فلن يكون هناك سوى تنامي الإمدادات العسكرية وتكثيف نوعياتها وتزويد طرابلس بخبراء عسكريين وهو أمر يكفي لإطالة أمد معركة "تحرير طرابلس" بالشكل الذي قد يفضي لمفاوضات تؤدي إلى صيغة وسطية تحفظ للإسلاميين مكانا في حكم ليبيا وتمنع فعليا توحيد الأراضي الليبية تحت حكم مركزي مستقر.

أما لو قررت أنقرة المضي قدما لتحقيق مجمل أهدافها فسيكون هناك تدخل عسكري مباشر على الأرض.

في تلك الحالة الأخيرة فإن ثمة "فرز" إضافي داخل صفوف فصائل الوفاق حيث أن الوجود العسكري الأجنبي المباشر يثير حساسية وطنية حتى لدى فصائل مناوئة للقيادة العامة للجيش الوطني الليبي وهو أمر سيؤدي لمزيد من العزلة التي يعاني منها "الإخوان" في ليبيا خاصة بعد فشل مطالباتها ومحاولاتها لإطلاق سراح الجهاديين المعتقلين في سجون بنغازي.

يبقى ان ندخل في حساباتنا ردود الأفعال الإقليمية والدولية تجاه التدخل التركي المباشر في ليبيا.

فيما يتعلق بروسيا فهي حتما ستمارس ضغطا شديدا على تركيا تماشيا مع سياستها العامة في المنطقة وفي الحالة السورية.

أما محور اليونان- قبرص- فرنسا- ايطاليا، فغالبا لن يكون لهم تحرك عسكري إلا في حالة قيام سفن تركية بالتنقيب عن الغاز تطبيقا للاتفاقات مع حكومة السراج، وبالنسبة لموقف تونس والجزائر وبحكم ظروف ومكونات الحكم بكل منهما فإن الصمت سيكون الخيار الأقرب للتحقق.

ومصر وحدها سيقع عليها عبء التدخل على الأرض بحكم التهديدات التي يشكلها الوضع في ليبيا على أمنها القومي وذلك أمر له حساباته العسكرية الدقيقة فدخول أي حرب قرار من السهل اتخاذه ولكن من الصعوبة بمكان التنبؤ بمسار الحرب أو التحكم في قرار إيقافها.

الأقرب للتوقع أن مصر قد تتدخل "بحريا" في حال وجود إبرار تركي على الأرض الليبية لإحباط عملية التدخل التركي المباشر وستكتفي بدعم الجيش الليبي طالما توقف الأتراك عند حد إمدادات السلاح.

ولا جدال أن قدرة الجيش الليبي على حسم معركة طرابلس في أمد قريب سيكون لها اليد الطولى في تحديد اتجاهات التدخل التركي وإن كانت هناك تخوفات حقيقية من أن يتحول الأمر مع فقدان المليشيات لمواقعها على محاور القتال إلى حرب شوارع على الطريقة السورية وهو ما سيحمل دمارا كبيرا لطرابلس.

هذا الخيار الأخير قد تدعمه تركيا وتستغني به عن إنزال قوات برية لها لعدة أسباب:

تقليل حدة انتقادات المعارضة التركية التي تناقش الفوارق بين النص التركي والنص العربي للاتفاقات الأمنية متساءلة عن طبيعة التدخل التركي العسكري وهل سيكون بقوات تركية أو بقوات أخرى تحظى بدعم تركي (شركات قتال مثلا).

وهناك أيضا السلوك التركي الجاري في سوريا ويعني ذلك تسهيل انتقال مقاتلين (داعش واشباهها) من سوريا أو من أفريقيا إلى ساحات القتال في ليبيا

ثم الخشية من أن يؤدي التواجد العسكري التركي المباشر لتصدع جبهة الفصائل التي تقاتل في صفوف الوفاق.

بالطبع ليس هنا مجال للاحتجاج بالشرعية الدولية والقانون الدولي كالقول بأن البرلمان الليبي لم يصادق على اتفاقات أردوغان - السراج أو الأخير لا تخوله صيغة الصخيرات توقيع مثل هذه الاتفاقات

القول الفصل اليوم لفرض الأمر الواقع وبالقوة المسلحة.
------------------------
بقلم: د. أحمد الصاوي

مقالات اخرى للكاتب

هل ينهي الشتاء الحرب في أوكرانيا؟





اعلان