29 - 03 - 2024

ماذا تعرف عن معركة "نصيبين"؟ .. الجيش المصري سحق الجيش العثماني في نصف ساعة!

ماذا تعرف عن معركة

في مثل هذا اليوم بالتقويم الهجري: 11 ربيع الآخر 1255هـ (الموافق  24 حُزيران (يونيو) 1839)، وقعت معركة نصيبين بين جيش مُحمَّد علي باشا والي مصر، والجيش العُثماني، والتي أفضت إلى انتصار إبراهيم باشا بن مُحمَّد علي انتصارًا حاسمًا على القُوَّات العُثمانيَّة.

تُعرف هذه المعركة أيضًا بمعركة نسيب أو نزيب، وكانت الغاية منها مُحاولة السُلطان محمود الثاني تحجيم نُفُوذ واليه على مصر وإرغامه أن يتنازل عن الشام والعودة إلى مصر، ثُم ملاحقته والقضاء عليه لعصيانه الباب العالي ومُحاربته إياه وكسر صورته أمام العالم. وفي تلك الفترة كانت قد مضت على ولاية مُحمَّد علي باشا للشَّام 8 سنوات (1831 - 1839م)، بعد أن أرغم السُلطان على الاعتراف به واليًا على القطر الشامي كما المصري والسوداني والحجازي، بِقُوَّة السلاح، على اعتبار أنَّ تلك البلاد من حقه وهي بدل أتعابه وخدماته الجليلة التي قدمها للدولة العُثمانيَّة في حرب اليونانيين والوهَّابيين خصوصًا، لا سيَّما وأنَّ السُلطان كان قد وعد بتولية مُحمَّد علي على الشام، لكنه تراجع عن وعده لما يُمثله ذلك من خطورة على قلب السلطنة من رجلٍ بطموح والي مصر، واكتفى بإقطاعه جزيرة إقريطش (كريت) إلى جانب مصر، فكان ذلك من الأسباب التي دفعت مُحمَّد علي إلى اجتياح الشَّام بِالقُوَّة وقهره الجيوش العُثمانيَّة بجيشٍ جمعه في مصر وكوَّنه من العرب المصريين والسودانيين، بالإضافة إلى الشركس والأرناؤوطيين (الألبان) والروم (اليونانيين) من أبناء إيالة مصر، ودرَّبه على أحدث أساليب وتكتيكات الحرب الأوروبية بواسطة ضبَّاطٍ فرنسيين ممن تخلَّفوا عن أخوانهم بُعيد الحملة الفرنسية على مصر، وفي مقدمتهم العقيد سيڤ الذي اعتنق الإسلام وتسمَّى بِسُليمان، فأصبح سُليمان باشا الفرنساوي.

استمرَّ السُلطان محمود الثاني يُمني النفس بإخضاع مُحمَّد علي باشا وإعادته للطاعة مُجددًا، واستعادة هيبة الدولة التي فقدتها أمام الغرب الأوروبي وأمام باقي ولاتها، فقضى السنوات الثمانية تلك يُعد العدَّة ويُصلح أحوال البلاد بهمَّةٍ عالية، رُغم الأمراض الشديدة التي كان يُعاني منها (عانى من الأرق الشديد ومن نوبات حُمَّى ومن البواسير) فأعدَّ جيشًا عرمرميًا درَّبه على أحدث أساليب الحرب والقتال والتكتيكات الأوروبية، وسمَّاه العساكر المنصورة المُحمَّديَّة، حتَّى أصبحت الظروف الدوليَّة والداخليَّة مُلائمة، إذ كانت أوروبا ترغب بتحجيم نفوذ مُحمَّد علي باشا خوفًا من أن يُقيم دولة إسلاميَّة فتيَّة وقويَّة على أنقاض الدولة العُثمانيَّة العجوز، وكان الشوام ثائرون على حُكم مُحمَّد علي وابنه إبراهيم، وامتشقوا السلاح ضده بسبب ما فرضه عليهم من الضرائب الباهظة لِتمويل المجهود الحربي، وبسبب الإجراءات التي لم يعتادوها، وفي مُقدمتها فرض الخراج على المُسلمين (إلى جانب الزكاة) مما أشعر هؤلاء أنهم يُعاملون مُعاملة أهل الكتاب، فنقموا على حاكمهم الجديد وناصروا الباب العالي والسلطان محمود، كما كان الأهالي في مصر يُعانون من الجوع بسبب ما فُرض عليهم من الضرائب ولتخصيص الجيش بحصة الأسد مما ينتجه وادي النيل من الحنطة والحبوب.

كان الجيشان مجهزين تجهيزًا ممتازًا وكانت قواهما متعادلة. كان عدد الجنود في كل جيش يقارب الأربعين ألف رجل مدعومين بالمدفعية والفرسان. يقول المستشرق والدبلوماسي الروسي قسطنطين بازيلي الذي عاصر هذه الحرب: «منذ أن طبق التكتيك الأوروبي في الشرق لم يلتق يومًا في ساحة الوغى أفضل من هذين الجيشين». تمتع الجيش العثماني بالأفضلية من حيث الاستعداد، حيث كان الجيش العثماني أفضل تزويدًا بالمؤن وكان قد استراح عدة أسابيع في معسكره، عكس جنود مُحمَّد علي الذين كانوا قد أنهكهم المسير لملاقاة الجيش العثماني تحت حرارة الشمس في بداية فصل الصيف، لكن على الرُغم من هذا، ارتكب القائد العُثماني حافظ عُثمان باشا بضعة أخطاء كلَّفته المعركة، فمالت الكفة لِصالح إبراهيم باشا الذي حوَّل هزيمته الأوليَّة إلى نصرٍ كبير، فأُفني الجيش العُثماني عن بُكرة أبيه، ووقع قادته في الأسر، ممَّا بدد آمال السُلطان محمود الثاني التي كان يعيش لأجلها حرفيًّا، إذ لم يبلغه خبر الهزيمة المُفجعة، فقد انهار السُلطان المُتعب تحت طائل الأمراض التي عانى منها بِمُجرَّد خروج جيشه من إستانبول وقضى بضع أيَّامٍ وهو يحتضر، وتُوفي بعد 6 أيَّامٍ من الهزيمة، التي تلقاها ابنه الفتى عبد المجيد، بِمُجرَّد دفنه أبيه. 

عند وصول جيش إبراهيم أرسل فرقًا استطلاعية لمعرفة تحصينات الأتراك وتفاصيل معسكرهم، فاتضح له ولرئيس أركانه سليمان باشا أن الموقع محصن جيدًا تحميه سبعة مدافع قوية، وبعد دراسة ميدانية لتضاريس الموقع قرر إبراهيم باشا الالتفاف على معسكر العثمانيين لحرمانهم من الإستفادة من تحصينات موقعهم، نصح القائد البروسي حافظ باشا بالانسحاب إلى أول معسكر محصن في البيرة بعد أن أدركوا خطة إبراهيم باشا فرفض الإنسحاب ثم نصحه بالإشتباك مع جيش إبراهيم باشا في طريق إلتفافه ولكن حافظ باشا خشي من عواقب قتال الجيش المصري خارج نزيب بعيداً عن حصونه التي أقامها فيها، ارتكب حافظ باشا خطأ آخر بعدم سيطرته على الطرق والجسر الذي إستخدمه جيش إبراهيم باشا للعبور والإلتفاف حول الجيش العثماني، وعندما أتم الجيش المصري الإلتفاف لاحظ إبراهيم باشا نقطة ضعف في الجناح الأيسر للجيش العثماني فأمر بقذفه بالمدافع، وكاد إبراهيم باشا أن يخسر المعركة عند بدايتها عندما نفذت ذخائر مدافعه وتأخر وصول ذخائر جديدة حينها قرر تنفيذ هجوم من الجناح الأيمن لجيشه مع مجموعة من الفرسان ما لبثوا أن تقهقروا بفعل قذائف المدفعية التركية. أوقف سليمان باشا الجنود الفارين بقذائف مدفعيته التي أرغمتهم على العودة إلى المعركة. أضاع حافظ باشا فرصة جديدة للنصر عندما لم يلاحق فلول المصريين المنسحبين مما أتاح لهم التماسك والعودة إلى المعركة. في نفس الوقت، وعند وصول الذخائر الجديدة أدت القذائف المدفعية المصرية إلى الفتك بفرسان الجيش العثماني وإنتشار الفوضى في صفوفه. 

عندئذ أمر إبراهيم باشا بهجوم وسط الجيش المصري وميسرته تحت غطاء نيران المدفعية المصرية ليسحق الجيش العثماني خلال نصف ساعة.. سيطر إبراهيم باشا على المعسكر ومدافعه وجزء من خزينة الجيش إضافة أسر من 10 إلى 15 ألف أسير. وصل عدد القتلى إلى حوالي سبعة آلاف قتيل. فتحت هذه المعركة أبواب الأناضول مجددًا أمام إبراهيم باشا للمرة الثانية خلال ثماني سنوات، ولكنه، بسبب ضغوط الدول الأوروبية، اكتفى بالسيطرة على بعض تخوم سورية الشمالية من نسيب إلى أورفة والبيرة وعنتاب وانتهاءً بمرعش بوابة الأناضول. 

وقد جاء في تقرير إبراهيم باشا قائد الجيش المصري عن المعركة ما يلي: «اقتفي فرساننا أثر الهاربين فأسروا أورطاً بأكملها، وسلم كثير من الضباط وسبعة باشوات. والمقدر أن حافظ باشا لا ينجو من أيدي الفرسان. والذين أخذناهم أسرى في ساحة القتال خمسة آلاف ومنهم سليمان باشا والي مرعش وجيشه بأكمله، فخيرناهم بين الرجوع إلى وطنهم وبين الانخراط في سلك جيشنا، فقبل خمسة الآف دخول جيشنا فسيرناهم في الحال إلى الاسكندرية، واتجه شطر من الجيش المخالف الفار إلى نهر الفرات. 

وقد فات حافظ باشا أن يمد القناطر علي مجرى ذلك النهر، فمات 12 الف غرقاً وهم يعبرونه سباحة. واعتصم قسم كبير من هذا الجيش في جبال عينتاب، فقتلهم البدو والكرد والتركمان.» ما بعد المعركة، أوروبا تنقذ العثمانيين وتحرم مصر من ثمرة انتصارها أبيد الجيش التركي وتمت غنيمة أسلحته شبه كاملة ووافق الاف الاسرى علي نقل ولائهم إلى الجيش المصري فتم تسييرهم إلى مصر، وهكذا صار الطريق مفتوحا امام إبراهيم باشا لدخول العاصمة العثمانية، وعلم الاسطول العثماني بهذا الامر فتوجه إلى الاسكندرية بمصر ليقوم قائد الاسطول بتسليم اسطوله كاملا إلى محمد علي ليكون تحت امرته .. ولكن الدول الأوروبية وعلي رأسها بريطانيا كانت تأبي أن تقوم امبراطورية قوية في الشرق بمصر تهدد طريق تجارة بريطانيا إلى مستعمراتها في الهند ، فتجمعت الاساطيل الأوروبية وتم ابرام معاهدة لندن 1840 والتي انتهت إلى نصوص مجحفة بمصر لتجريدها من مستعمراتها كلها وحرمانها من ثمرة انتصارها ، وبالفعل انتهي الامر إلى سحب القوات المصرية كاملة من الشام كله وفرض قيود علي الجيش المصري بأن لا يزيد حجمه عن 18 الف مقاتل بعد ان كان يتعدي 300 الف، ومراضاة محمد علي باشا بأن يكون حكمه لمصر والسودان فقط وراثيا لكن يظل تابعا للدولة العثمانية.
----------------------
نقلا عن موقع "ويكيبيديا"






اعلان