"عاوزين فلوسك يا مواطن"، هذا ملخص وخلاصة كفاح حكومتنا منذ ثمان سنوات.. ينزل الكرباج على وزارة المالية، فتجلدنا وتحلبنا، تُقاسمنا مرتباتنا ومدخراتنا وممتلكاتنا بالذوق وبالترهيب.. افتح الدفاتر القديمة يا كوهين، وغض البصر، بل واسندنا يا مجلس النواب!! وانعق يا إعلام السلطة بحقوق الدولة، وكأن الدولة والمواطن ضدان!! وكأن الدولة تعمل لصالحها وليس لتعويض تضحياتنا وصبرنا!!

يفرد كوهين المالية خريطة الجباية، صفحة الساحل الشمالي، يرى أغلب القرى بِكرا بتول، يهجم كوهين بخطابات التقدير الجزافي للضرائب العقارية، بلا تمييز بين التعاونيات والسياحية، ادفع وبعدين اطعن، ونبقي نخصم الفرق من القادم!! 

الصفعة المفاجئة، مع عشوائية التقديرات تثير السخط، وتفتح دهاليز التهرب الضريبي بالقانون وبالرشاوي!! لكن تتسابق مئات الملايين- برضانا طالما عادلة - إلى خزائن وزارة المالية، وفي أقل من شهرين، لبتر التهديد بالغرامات والحجوزات.. لكن النجاح يضاعف تألق كوهين!!! فيبتدع ضرائب الرمال والشواطئ!! هنا يشتعل الغضب لأن رياح الجباية إذا بدأت لا تهدأ، رغم انها الرياح التي أزالت ممالك وسلاطين زمان.. يتراجع كوهين لأن الغضب يفرض التهدئة متربصا بفرصه جديدة!!

تلوح بشائر الضبعة، ومدينة العلمين، ويتباهى الطريق بالمطار والمشروعات وقرى الأحلام، يتلألأ الساحل الشمالي كمنجم ذهب مفتوح.. يقفز كوهين بفكرة إعادة تسعير أراض القرى السياحية تحت الانشاء!! فاتحا خزائنه الفارغة.. لكن تنتهي المنازعات بانسحاب اثنتين من أكبر شركات المقاولات، وإعادة مقدمات الحجز حرصا على مصداقيتهما، وتخوفا مما هو آت!

يفتش كوهين في القديم، يجد قرى أقامتها جمعيات فئوية لخدمة أعضائها منذ أكثر من 30 سنة!! فيشمر ويبدأ مخطط مصمصة عظام ملاكها بعدما نهش الغلاء لحمهم!! رافعا راية "خايفين عليكم من مخالفات البناء" وبالفعل بدأ جرد مخالفات القديم، وصولا إلى قرية الصحفيين!!

قرية الصحفيين (333 وحدة) لا علاقة لها بالترفيه ولا بالسياحة، إنما هي أقرب إلى مكان للهروب واستعادة السكينة، حيث لا يوجد بها خدمات ترفيهية أو حتى أساسية أكثر من شوًاية فراخ، وجمعية استهلاكية تفتح أشهر الصيف فقط.. كل وحدات القرية بنيت على طراز حسن فتحي، الهادف إلى حجب الحرارة، وكان المفترض البناء فوق مصاطب متدرجة العلو، لكن لم تلتزم شركة الانشاءات توفيرا للنفقات فأصبحت الوحدات متساوية الارتفاع، حاجبة للهواء وللبحر!! بالإضافة إلى أخطاء هندسية في التصميم، حتمت وجوب إصلاحها بتعديلات أقرتها الإدارة، مشترطة عدم الاخلال بالشكل العام، أو سلامة المبنى.. وتحملت كل وحدة تكاليف التعديل، وتم التنفيذ بتصريح من إدارة القرية منذ عشرين عاما.. وبالأمس هجم تسونامي الجباية راصدا التعديلات كمخالفات، وأصدر بالفعل أحكاما بالإزالة، أو السجن مع غرامات تفوق قدرة ملاك الوحدات، بل تعادل ثمن الوحدة الذي دفعوه في شبابهم، من حصيلة كفاحهم ومرتباتهم الهزيلة، لتسديد أقساط شراء مصيف على شاطئ الساحل، حين كان مجرد الوصول إليه نهارا، مخاطرة تمتد خمس ساعات وسط الصحراء وقطاع الطرق!! موظف جهاز حماية الأملاك يرصد المخالفات ليس لحماية البشر من أخطار، او لتعديها على حقوق الجار، فالمخالفات ماهي إلا منافذ لاستجلاب هواء البحر خارج البناء الأصم!! وتعديل نماذج معيوبه باعتراف إدارة القرية!! لكن موظف الجباية ينفذ تعليمات سحل من يملك متر أرض في الساحل اشتراه زمان، أيام ما كنا شعب له حق الراحة السنوية!! وأصبح على كل مالك وحدة، تكليف استشاري بتقديم تقرير للجهاز، وتكليف محام لمتابعة إلغاء الغرامة أو تخفيضها!! استنزاف ليس لضمان سلامة المواطنين لكن للجباية!! 

القانون يقول"البناء بدون ترخيص من الجهاز هو جنحة، وفقا لأحكام المادة 15 من قانون الإجراءات الجنائية، وتنقضي الدعوى الجنائية بمضي ثلاث سنوات من يوم وقوع الجريمة والانتهاء من البناء".. أي أن المخالفات القديمة سقطت بالتقادم، لأسباب أكيد تمت دراستها بعناية، وأهمها سلامة البشر، وحماية الأملاك العامة.

أما تصريحات مسئولي تحصيل الضرائب، فتؤكد أن الفساد هو في تطبيقهم للقانون المُصاغ لحماية الأرواح والأملاك وليس للجباية.. رئيس الضرائب العقارية الجديد "محيي الدين جهلان" أشاد أمس بجهود المصلحة في جلب حوالي 10 مليار، وحصر حوالي 32 مليون عقار.. وصرح أن زيادة الحصيلة على رأس أولوياته لأنها مصلحة إيرادية، ولا زلت أتمنى أن أسمع منه " طبيعة شغلنا أن 90% حسن تصرف و10% قانون" لأن القانون هو لحماية مصالح الشعب أولا وأخيرا، وليس لتسويد عيشتهم.
-------------------------
بقلم: منى ثابت