26 - 04 - 2024

استشراف مستقبل الأزمة السورية

استشراف مستقبل الأزمة السورية

لا يخفى على أحد بأن المشهد السورى شديد التعقيد، والأكثر فداحة ما يعيشه السوريون من أوضاع إنسانية مزرية، فهناك قرابة 11 مليون مواطن بحاجة لمساعدات ماسة وآنية لا يصل منها إلا ما يقرب من 15 %، بالإضافة إلى أوضاع الكثير من اللاجئين الماسأوية فى المخيمات، وما لم يكن هناك اتفاق حقيقى وجدى بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا على حل الأزمة السورية سياسياً فستبقى ممتدة لفترة زمنية ليست بالقصيرة.

يسيطر النظام السورى وحلفاؤه على قرابة 62 % من الجغرافيا السورية، ومنذ بداية انتفاضة الشعب فى 2011 لم يبد الرئيس بشار الأسد توجهاً حقيقياً لنزع فتيل الأزمة المتفجرة، وأدى كل ذلك إلى مزيد من اتجاه الأمور نحو التعقيد، مما أدى إلى ظهور التنظيمات المسلحة، اتجه البعض منها نحو التطرف والإرهاب وعلى رأسها "داعش" والقاعدة، وتشير التقديرات لوجود ما يقرب من  15 ألفاً من الإرهابيين، فارين فى أنحاء البلاد، وما زالت تلك المجموعات تملك موارد مالية كبيرة متبقية تخول لها تمويل عملياتها على الصعيدين المحلى والدولى.

ومحور المشكلة السورية تكمن فى أن النظام السورى ما يزال غير مقتنع بأن التسوية السياسية ضرورية، وبالتالى فإن اللجنة الدستورية التى أعلن عن تشكيلها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، سبتمبر الماضى للعمل على مسودة دستور جديد للبلاد، وتتألف من 150 عضواً، 50 منهم يختارهم النظام السوري، و50 تختارهم المعارضة، و50 يختارهم المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا جير بيدرسون من ممثلين للمجتمع المدني، يبدو بأنها لن تفضى إلى حل فعلى خاصة فى ظل انتخابات متوقعة عام 2021 يؤكد البعض بأنها لن تكون نزيهة.

وبالنظر قليلاً إلى الوراء فإن برنامج الأجندة الوطنية لمستقبل سوريا، التابع لمنظمة لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا “إسكوا”، أوصى بثلاثة حلول للمستقبل الدستوري في سوريا؛ فإما تعديل دستور 2012، أو الاتفاق على دستور حكم مؤقت جديد، أو العودة للعمل بدستور 1950.

 ولسوريا تاريخ يعود إلى القرن التاسع عشر فى المسألة الدستورية، فالعثمانيون هم أول من أدخلوا الدستور إلى ولاية سوريا – ضمن السلطنة العثمانية -، أي إلى بلاد الشام بالمعنى الجغرافي الحالي، وكان هذا عام 1876، وأطلقوا عليه حينها اسم "القانون الأساسي للدولة العثمانية"، والذى تعطل العمل به عام 1888 م.

ومع حركة التاريخ شهدت سوريا العديد من الدساتير، منها "دستور الملك فيصل" الصادر رسمياً في 13 يوليو 1920 وطبق لمدة خمسة عشر يوماً فقط،  نظراً لاحتلال فرنسا، وبعد الاستقلال تم إعادة العمل بدستور عام  1928 بعد إلغاء المادة 116 المتضمنة صلاحيات سلطة الانتداب، لكن الرئيس الأول للجمهورية السورية الوليدة شكري القوتلي تمكن من إقناع البرلمان برغبته فى تعديل الدستور، وفي 18 أبريل 1948 أصبح من الجائز تجديد انتخاب الرئيس مرة واحدة دون الانتظار خمس سنوات – بعد تعديله - ، ليكون هذا التعديل فاتحة التعديلات الدستورية وفق الرغبات الرئاسية، كذلك فتح الباب أمام سلسلة من الانقلابات العسكرية.

بعد انقلاب حسنى الزعيم - أول انقلاب عسكري -  في 30 مارس 1949 الذي قام بتعطيل الدستور، كلف لجنة مؤلفة من سبعة أعضاء وضعت مشروع دستور يأخذ بالنظام البرلماني, وبعد الانقلاب العسكري الثاني بقيادة سامي الحناوي، ثم الثالث بقيادة أديب الشيشكلي، خرج الدستور الجديد بصيغته النهائية مؤلفاً من 166 مادة، ليتم إقراره في 5 سبتمبر 1950.

ومع توالى الأحداث ووصول حزب البعث "وجناحه العسكرى" إلى السلطة، تمكن الرئيس السورى الراحل حافظ الأسد من الوصول للحكم في 16 نوفمبر 1970 ، ثم قام بتعيين 173 عضواً لمجلس شعب كلفوا بوضع الدستور الدائم للبلاد، وصدر الدستور الجديد في 13 مارس 1973،  وظل معمولاً به حتى مطلع عام 2011. 

ومع حركة الشارع, تجددت المطالبة المجتمعية بإلغاء المادة الثامنة، وإلغاء حالة الطوارئ، وإلغاء القوانين الاستثنائية، ثم تطورت إلى المطالبة بتعليق العمل بدستور 1973، وتشكيل حكومة خبراء تشرف على انتخاب هيئة تأسيسية تمثيلية حقيقة تناط بها صياغة دستور جديد للبلاد.

وفى استجابة منه لحركة الشارع أصدر الرئيس السورى بشار الأسد في 15 أكتوبر2011 المرسوم الجمهوري رقم 33، القاضي بتأليف لجنة إعادة كتابة الدستور، برئاسة المحامي مظهر العنبري المساهم الرئيس في وضع دستور 1973، وتشكلت اللجنة من 29 عضواً، وفي 27فبراير2012 صدر المرسوم 94 القاضي باعتماد الدستور الجديد، والذي يعرف بدستور 2012، وعلى الرغم من ذلك وصف البعض الدستور بأنه تنقيح للدستور السابق.

وفى إطلالة على الدساتير السابقة – حتى دستور 1973 – تجده يحتوى العديد من المواد الضامنة لحرية الرأى والعقيدة وحرية الصحافة، وإن اختلفت الصياغات وأشكال الحكم من دستور لآخر، لكن كل تلك الدساتير تؤشر بما لا يدع مجالاً للشك لاضطراب عميق فى شكل النظام السياسى وعدم الاستقرار، بما يستتبعه من آثار سلبية – إن لم تكن مدمرة – على المكونات الاجتماعية للدولة.

وبالتالى ففى ظل الأوضاع الحالية، والدراسات الاستشرافية لمستقبل المنطقة العربية المتشائمة، لا تبدو سوريا مرشحة للاتجاه إلى استقرار "دائم" للمجتمع ونظام الحكم، فالمطالب الرئيسية التى رفعها المحتجون فى 2011 ما تزال كما هى لم تتحقق، وفى ظل أولويات الإدارة الأمريكية الحالية وربما القادمة بمحاربة الإرهاب ودحر خطر مقاتلى داعش وتعدد الفاعلين على الجغرافيا السورية، تبدو الأزمة السورية مرشحة إلى أن تمتد لفترة من الزمن بين مراوحة العمل العسكرى وهدن هشة لإطلاق النار، لكن من الضرورى التأكيد فى هذا الصدد على وجود وسيلة فاعلة وناجعة للدعم الانسانى للمتضررين داخل وخارج سوريا، بما لا يعنى الاعتراف بشرعية النظام السورى، أو محاولة إفلاته من العقاب على ما اقترفه من جرائم حرب.

الا إذا حدث تغيير عميق في بنية النظام، وفى هذا حديث آخر.
---------------------
بقلم: أحمد بهجت صابر
[email protected]



مقالات اخرى للكاتب






اعلان