الفوارق الفنية بين منتخبنا الأول لكرة القدم وشقيقه الأولمبي أفاض بها خبراء التحليل والكتاب الصحفيين.. إلا أن الفارق النوعي الأهم ـ من وجهة نظري ـ هو الروح القتالية التي يتسلح بها أبناء شوقي غريب مدرب المنتخب الأولمبي إلى جانب المرونة في أداء واجبات اللاعبين. الروح القتالية لا تحضر إلا مع حضور الود والحب والتآالف الذي يجمع المدرب واللاعبين. أما المرونة فكانت في مستوى أعلى كثيرا من مرونة الأداء للمنتخب الأول.. لاعبو الأولمبي لم يتقيدوا بمراكزهم وتبادلوا الأدوار خصوصا في الجانب الهجومي ونجحوا في الوصول لمرمى المنافس مرارا وتكرارا ووضع الدفاع الكاميروني تحت الضغط المستمر.. ومع المرونة حضرت رشاقة الأداء الجماعي فكان التحول السريع والمباغت من الدفاع للهجوم، ومع الرشاقة حضر الإبداع الفردي من أغلب اللاعبين فصالوا وجالوا وفازوا بجدارة.
أما منتخبنا الأول فقد افتقد الحب والود بسبب المدخل العصبي لحسام البدري في أول مهمة وطنية له عندما اعتذرت إدارة نادي بيراميدز عن إرسال لاعبيها الدوليين لمعسكر المنتخب الودي ـ لا يقدم ولا يؤخر كثيرا ـ استنادا إلى لوائح دولية قاطعة لا تسمح باستدعاء الدوليين إلا قبل 72 ساعة من المباريات الرسمية، ورغم ذلك تملك الغضب حسام البدري باعتباره مدرب المنتخب الذي لا يصح أن ترد له كلمة، فعاقب لاعبي بيراميدز، الذين لا يملكون قرارهم فيما يختص باللحاق بمعسكر المنتخب، واستبعدهم من المعسكر السابق على مباراة كينيا الرسمية بعشرة أيام من أجل تأديبهم، كما أعلن بالنص متناسيا أن التسامح والعفو عند المقدرة مدخلان ضروريان لروح الجماعة وتماسكها، ونتج عن سياسة التأديب التي ابتدعها حسام البدري افتقاد الروح القتالية في الملعب.. أما المرونة التكتيكية للمنتخب فقد تعطلت أيضا بسبب البداية العصبية للبدري مع المنتخب والتي شدت أعصاب الجميع ـ اللاعبين قبل المتابعين والمراقبين ـ ومع شدة الأعصاب تعطلت المرونة بسبب الأحمال العصبية الزائدة التي شهدها معسكر المنتخب خوفا من التأديب الذي يشهره حسام البدري في وجه من لا ناقة لهم ولا جمل في الأمور الإدارية .
منتخبنا الأول ، وعلى مستوى المرونة في التكتيك، بدا وكأنه "بقالة" تعمل لحساب وزارة التموين يقف أمامها طابور طويل من محدودي الدخل الذين لا يملكون من الترفيه إلا ما تقدمه كرة القدم إليهم، ينتظرون استلام حصتهم من "المواد الكروية" المدعومة من الحكومة.. فكيف أدي المنتخب بخطوطه الثلاث مهمة الفوز على كينيا ومواصلة توزيع الأفراح على الجماهير ؟
خط الدفاع انشغل أكثر بحصته من الزيت ففقد ثباته واهتز وارتبك وسقط في خطأ ساذج نتج عنه هدف التعادل لكينيا.. خط الوسط كان زي السكر ، مجهول المصدر، تم ضبطه أكثر من مرة بواسطة "مباحث الكرة" لتسببه في حدوث غيبوبة سكر للفريق نتج عنها حالة توهان وضياع لخط الوسط.. خط الهجوم ظل يعيد ويكرر مقطع الإعلان الشهير للنجم حماده هلال: أنا أمي جت صحتني الصبح وانا نايم على السرير قالتلي تشرب أيه ؟ قولتلها أشرب شاي !!
لكن شاي التموين "لعبت" فيه على ما يبدو المصالح والبيزنس وبدلا من أن يعدل مزاج المهاجمين تسبب في عكننة الطابور الطويل من المواطنين أمام " بقالة" اتحاد الجبلاية.. فقد المنتخب الوطني الأول االحب والود الذي يجمع اللاعبين والمدرب والاداريين ، وخيم الشد العصبي عليهم جميعا فافتقدوا مرونة التكتيك ورشاقة الأداء وحققوا تعادلا أشبه بالخسارة مع كينيا الضعيفة .. عموما مشوار التصفيات مايزال طويلا ويمكن تعويض ما فات خصوصا وأن البدري يملك من التاريخ الكروي ما يجعلنا نتفاءل بما هو قادم، وإن كانت هذه الرؤية خابت في جزر القمر اليوم، لكن عليه أولا أن يتحرر من الشدة العصبية التي يحملها على كتفيه ويقيم علاقات حب وود مع جميع لاعبي مصر وأن يكون مثل الأب الذي يرسي قواعد التسامح والرحمة بين أفراد الأسرة وليس التأديب .. فالتأديب والإصلاح ـ كما يدعي ـ مكانهما سجون مصر وليس المنتخب الأول ، والمشرحة مش ناقصة موتى يا عم حسام!
------------------------
بقلم: أحمد عادل هاشم