29 - 03 - 2024

عندما تــُـقاوم الشعوب هيبة تجار الدين

عندما تــُـقاوم الشعوب هيبة تجار الدين

انتفض الشعب الإيرانى ضد أعضاء الكهنوت الدينى، المتحكمين فى مقدرات ومصير الشعب.. والمتهمين بتبديد موارد الدولة، مرة بالتسليح النووى (وغير النووى) ومرة بالإنفاق على التنظيمات الإرهابية، التى  تعمل على زعزعة الاستقرار الوطنى، وتكاد تكون (دولة داخل الدولة) مثل تمويل وتسليح الحزب سارق اسم الله فى لبنان، وتمويل وتسليح الحوثيين، لهدم استقرار الشعب اليمنى..والعمل على تخلفه وعودته للعصر الحجرى، بحجة مقاومة التدخل السعودى/الإماراتى فى شئون اليمن. 

 فهل ذريعة (مقاومة التدخل السعودى/ الإماراتى) من أجل الشعب اليمنى؟ أم لأغراض أخرى؟ إنّ العقل الحر (بعد رصده ودراسته لتطور الأحداث) يرى أنه لافرق بين الاحتلال السعودى/ الإماراتى لليمن.. وبين محاولات إيران السيطرة على مقدرات الشعب اليمنى.. وأنّ الصراع يدور بين السعودية والإمارات وإيران حول التحكم فى الممرات والموانى البحرية.. والسيطرة على طرق الملاحة..إلخ. أى أنّ الأطراف الثلاثة أعداء للشعب اليمنى. 

فلماذا يــُـبـدّد النظام الإيرانى أموال شعبه على هذه الأطماع الاستعمارية؟ وما الفرق بينه وبين السعودية والإمارات (العربية) فى تدمير اليمن؟ ولماذا لا يـدّخر ثروات إيران لصالح الشعب الإيرانى؟ 

هذه الأسئلة أوحى إلىّ بها الشعب الإيرانى الذى انطلق فى شوارع وميادين المدن الإيرانية (بالملايين) منتفضــًـا ومُـنـدّدا بحكم (الآيات) أى بحكم الكهنوت الدينى.. وعلى رأسهم (المرشد) العام (على خامئنى) والسبب ارتفاع أسعار البنزين.  فأمر بالتصدى للمتظاهرين، بنفس الأسلوب الذى يتبعه أى حاكم مستبد، ووصف المتظاهرين- بنفس كلمات أى دكتاتور- بأنهم عملاء ويعملون على تخريب مرافق الدولة.. وقلب نظام الحكم.. وقد ذكــّـرنى كلامه عن (قلب نظام الحكم) بما قاله نبيل الهلالى المحامى (نصير العمال) الذى ترافع عن المقبوض عليهم بعد انتفاضة شعبنا فى شهر طوبة/ يناير1977 حيث قال للقاضى: سيدى الرئيس، هوّ نظام الحكم (عربية بطاطا) يسهل (قلبها)؟! فضحك القاضى.. وضحك كل من فى القاعة.. وبعد أنْ قـدّم الهلالى الأدلة القاطعة على (تلفيقات) المباحث ضد العمال، أصدرالمستشار حكيم منيرصليب حكمه التاريخى ببراءة كل المتهمين..وكان عددهم 176 عاملا.  

***

إنّ الدرس الأول فى أحداث إيران الأخيرة هو أنّ أى نظام يحكم بالمرجعية الدينية، سواء سنية أو شيعية أو يهودية أو أرثوذكسية أو كاثوليكية أو بروتستانتية..إلخ، فإنّ الشعوب تنتفض فى حالة المساس بمستوى حياتها المعيشية. 

والدرس الثانى هو أنّ الشعوب (فى لحظة الخطر الذى يمس حياتها الشخصية) ينبعث من وجدانها سلاح مقاومة (تــُـجار الدين) ويرفضون أى تلويح (بعقاب الآخرة) ولا يتأثــّـرون ببعبع (نار جهنم) ولاتــُـخـدّرهم (قصور الجنة ونعيمها.. ولاحتى التمتع بحور العين) أى أنّ سلاح الشعوب فى مقاومة أنظمة الاستبداد يتخلص (فى لحظة واحدة.. وبدون سابق تمهيد) من كل أدوات وأساليب (التخدير) التى تعرّض لها طوال عشرات.. وربما مئات السنين.  

والدرس الثالث هو صحة النظرية الماركسية..وأنه بالرغم من الاختلاف أو الاتفاق مع تلك النظرية، فإنّ العامل الاقتصادى، سيظل هو المُـحرّك لانتفاضات وثورات الشعوب، طالما ظلّتْ العدالة الاجتماعية، بعيدة المنال.. ولاتعرف طريقها إلى قوى الشعب المُـنتجة، من فلاحين وعمال وموظقين وتجار شرفاء.. إلخ.  

إنّ نظام الآيات، أوالمرجعيات الدينية.. وهوالنظام الذى ابتلى به الشعب الإيرانى عندما حطتْ الطائرة التى تحمل الخمينى، أرض إيران بمساعدة فرنسا وأمريكا، لتحقيق عدة أهداف: 1- تبديد موارد الشعب الإيرانى فى حروب (مصطنعة) بتدبير المخابرات الأمركية (الحرب الإيرانية العراقية التى استمرّتْ 8 سنين نموذجـًـا)  

2- تأجيج الصراع السنى الشيعى، بخلق نزاعات بين النظاميْن السعودى والإيرانى، سواء فى مواسم الحج، أوفى نزاعات الحدود بين إيران وبعض الدول الخليجية التابعة للسعودية 

3- زعزعة استقرار الأوطان بواسطة الميلشيات العميلة التابعة لإيران.. وعلى سبيل المثال ففى الحرب بين حزب (نصرالله) سارق اسم الله وإسرائيل سنة 2006، لعب (نصر الله) دور الطفل المُـشاغب على طريقة (جر الشكل) وكان ثمن حماقته- كما ذكر الخبراء الاقتصاديون- أنّ خسائر لبنان تجاوزتْ 12 مليار دولار.. كما أنّ البنية التحتية اللبنانية لشبكات الماء والكهرباء والجسور والمرافق والمطارات انهارتْ جميعها، غير الضحايا فى الأرواح والجرحى وآلاف البيوت المُـدمـّـرة.. ونزوح ما يقرب من مليون لبنانى عن أراضيهم ((ناديه عيلبونى فى كتاب حزب الله الوجه الآخر- تحريرالشاعرالفلسطينى د.أحمد أبومطر- المكتبة الأردنية- عام 2008- ص 56) وذكر حازم صاغيه أنه مع توالى التصفيات للشيوعيين والبعثيين اندلعتْ حرب المخيمات حيث شكــّـلتْ حركة أمل ذراع دمشق فى الإمساك بها حياةً وقرارًا. وكانت (حركة أمل) لاتزال الطرف الوحيد الذى يُـشارك حزب الله سيطرته على الضاحية.. وأنّ (حزب الله) كان يُساعد الطوائف التى تــُـنادى بتهجير المسيحيين من أراضيهم.. وشكــّـلتْ حرب المخيمات فرصة أمام (حزب الله) لتصفية حسابه مع (أمل) والاستئثار بالضاحية من غير أنْ يستفيد الفلسطينيون من هذا الصراع.. وأنّ (حزب الله) عمل على استيراد كل ما هو إيرانى لنفى وتدمير كل خصوصية لبنانية (المصدر السابق – من ص42 -44)  وبعد المذبحة الإسرائيلية ضد الشعب اللبنانى قال (نصرالله) أنه لو كان يعلم أنّ رد الفعل الإسرائيلى سيكون بهذا الحجم، ما كان قد أعلن تحديه لإسرائيل.    

ولأنّ حزب الله دموى فإنّ قادته لم يتورّعوا عن تنفيذ عمليات تصفية جسدية دموية لرموز بارزة فى المرجعيات الدينية الشيعية، مثل الانقلاب الدموى الذى قاده حزب الله ضد الشيخ صبحى الطفيلى لمجرد أنه طالب باستقلال الشيعة فى لبنان عن إيران.. ورفض ولاية الفقيه داعيًـا إلى تبنى خيار ولاية الأمة على نفسها)) (د.سمير غطاس– المصدرالسابق ص 117) ولأنّ حزب الله تصوّر أنه بالفعل (دولة مستقلة) فى حرب مع الشعب اللبنانى، لذلك نصبَ شبكة اتصالات لاسلكية وكاميرات تجسس على المطار وأنحاء مختلفة من ضواحى بيروت..وذكر د.عبد الخالق حسين أنّ ((احتلال حزب الله لبيروت هو محاولة انقلابية مسلحة ضد الحكومة الشرعية المنتخبة.. والسيطرة على مؤسسات الدولة ومكاتبها وتنزيل صور قادتها ورفع صور بشارالأسد والخمينى وخامئنى ونصرالله.. وهذا العمل نسخة  طبق الأصل لما قامتْ به منظمة حماس بانقلاب مسلح فى قطاع غزة ضد إدارة الرئيس المنتخب محمود عباس ومنظمة فتح.. وقتل عدد من رجالها وإهانة ياسرعرفات ومحمود عباس بسحق صورهما بالأحذية وأمام كاميرات التليفزيون دون أدنى خجل.. وأنّ خطف الجندى الإسرائيلى (شاليط) عام 2006 كــّـلف الشعب الفلسطينى أكثر من ألف قتيل.. وأنّ تنظيم حماس (الذى خطف الجندى الإسرائيلى) هناك أنباء تــُـفيد أنّ إسرائيل ساعدتْ على تأسيسه وبدعم من حكومات عربية فى أواخرعام 1987 لمنافسة منظمة فتح وإضعافها.. وأخيرًا تـمّ شراؤها من قبل إيران وسوريا لخدمة أغراض الدولتيْن على حساب مصالح الشعبيْن اللبنانى والفلسطينى)) (المصدرالسابق– ص 248)     

فلماذا يــُـبـدّد النظام الدينى الإيرانى موارد شعبه على التنظيمات الإرهابية؟ وما الفرق بينه وبين النظام الدينى السعودى الذى يقوم بنفس الدور؟
------------------------
بقلم: طلعت رضوان

 

مقالات اخرى للكاتب

أين الدول العربية من التنافس الأمريكى الروسى؟





اعلان