16 - 04 - 2024

مصر وقروضها الأجنبية

مصر وقروضها الأجنبية

الدين الأجنبي المستحق على مصر ينمو بسرعة تعادل تقريبا ثلاثة أمثال سرعة معدل النمو. هذا ليس جديدا في السنة المالية الاخيرة، وإنما هو حقيقة تتكرر منذ سنوات. ومن المفترض أن تستدين الدولة لغرض زيادة الإستثمار وليس لغرض تمويل الإنفاق على أغراض أخرى، هذا اذا اتبعنا قواعد الرشد الإقتصادي.

إن الإستدانة بمعدلات تفوق سرعة نمو الإقتصاد هي خطر عظيم يهدد الإستقرار الإقتصادي والاجتماعي، كما أنه يقلل جاذبية الإستثمار الأجنبي المباشر. البنوك المقرضة لا يهمها إلا ضمان العائد، لكن المستثمر الأجنبي يهتم بأكثر من ذلك، لأنه يشارك في بناء المشاريع ويحصل على جزء من أرباحها، فهي يجب أن تكون مربحة. البنوك المقرضة لا يعنيها ذلك. فإذا كنا حريصين على جذب الاستثمار الأجنبي المباشر الذي يتراجع، فعلينا ان نحسن سياسة الإستدانة

الصورة التي شهدتها سوق المال العالمية عند الطرح الأخير للسندات الدولارية، الذي أعلنته مصر بقيمة 2 مليار دولار ، مقسما إلى ثلاث شرائح، واحدة بمليار دولار لأجل 12 عاما، وثانية بقيمة 500 مليون دولار لأجل 4 سنوات، وثالثة بنفس القيمة لأجل 40 عاما، تقدم لنا الكثير من الدلالات حول نظرة البنوك المكتتبة إلى سندات الحكومة المصرية.

ملامح هذه الصورة تبدو كالتالي:

1- - البنوك الأجنبية أقبلت على الإكتتاب بكثافة (7 مرات القيمة المطلوبة) نظرا لارتفاع العائد على الاستثمار. معدل الربحية او العائد ارتفع إلى 8.15% للسندات لأجل 40 عاما، أي 326% خلال فترة الإستحقاق. و 7.05% للسندات لأجل 12 عاما، أي 84.6% خلال فترة الإستحقاق. و 4.55% على السندات لأجل 4 سنوات اي 18.2% خلال فترة الإستحقاق

2- - معدلات العائد على الإصدارات الثلاثة مرتفعة جدا بمقاييس السوق العالمية. وبالمقارنة مع العائد على سندات الخزانة الامريكية، فإن ربحية السندات الدولارية التي ستعود على البنوك المقرضة لمصر، تتراوح بين 3 إلى 4 أمثال الربحية في السوق. ولا يوجد في العالم كله دول باعت سندات مضمونة بعائد يزيد عن 8% الا ثلاث دول فقط هي مصر وغانا وإكوادور. بذلك تكون وزارة المالية قد اسهمت أيضا في وضع مؤشر لقياس العائد على السندات الحكومية بالعملات الأجنبية، هو أعلى المعدلات في العالم حتى الآن

3- التوسع في الدين الخارجي بمعدلات تفوق سرعة نمو الإقتصاد من شأنه ان يحمِّل القطاع المحلي عبئا ثقيلا لتوفير النقد الأجنبي، اللازم لسداد الفوائد والاقساط المستحقة من أصل الدين. واذا فشل الإقتراض الخارجي في زيادة طاقات الإنتاج بما يحد من الاستيراد ويزيد قيمة الصادرات، فإن النتيجة ستكون هي نزح الموارد المحلية إلى الخارج، لسداد الالتزامات المستحقة بالعملات الأجنبية، وهو ما يهدد الاستقرار النقدي أيضا. وتسدد مصر حاليا ما يزيد عن 13 مليار دولار سنويا للدائنين الاجانب، في صورة فوائد واقساط على الديون المستحقة. هذا المبلغ يعادل نصف حصيلة الصادرات السلعية تقريبا، وهو ما يعد استنزافا لموارد النقد الأجنبي التي يولدها الإقتصاد

4- يبدو لي من متابعة تطورات الدين الخارجي، وكذلك من رصد تقديرات صندوق النقد الدولي اننا دخلنا إلى مرحلة يكون فيها الدين الخارجي اكثر من 100 مليار دولار هو المعدل المعتاد. وقد بلغت قيمة الدين الخارجي في نهاية السنة المالية الأخيرة 108.7 مليار دولار. ومن المتوقع طبقا لتقديرات الصندوق أن تواصل الارتفاع فوق ال 100 مليار، على أساس النموذج المقدم من الحكومة المصرية

-5-  يجب أن أشير هنا الى خطورة ترحيل عبء الدين الخارجي إلى الاجيال المقبلة. هذا لا ينطوي على اي قدر من العدالة بين الأجيال. وتتضمن الاستراتيجية التي وضعتها وزارة المالية لإدارة الدين العام، إطالة عمر محفظة الدين الحكومي، وهو ما يعني تخفيض العبء على الحكومة الحالية، ونقل أعباء سداد الديون إلى حكومات مقبلة، لم تتخذ قرار الإقتراض ولا تعرف أين تم استخدام القروض. في نهاية الأمر فإن المواطن وليس الحكومة هو الذي يدفع مستحقات سداد الديون المحلية والأجنبية. وقد يجوز ذلك اذا استفاد الاقتصاد والمواطن من ثمار الديون، لكنه من غير المقبول ان يتحمل المواطن عبء السداد ومشقته، بينما يحرم من ثماره

في الختام أقول إن ترديد المسؤولين عن السياسة المالية لمقطوعة "الثقة العالمية" في مسألة الإقتراض الأجنبي، سمعناه كثيرا من قبل. ففي ثمانينات القرن الماضي تعرضت مصر لازمة مديونية طاحنة، نتجب عن تكالب على الإقتراض من الخارج، بحجة ان هذه القروض هي دليل ثقة في الإقتصاد. طبعا هذه أكذوبة كبيرة، لأن البنوك المقرضة كل ما يهمها هو العائد الأعلى، اما البنوك المحلية التي حصلت على هذه القروض فقد كانت توزعها محليا بالمجان تقريبا على المحاسيب، وهو ما تكشف فيما بعد بما عرف ب "فضيحة نواب القروض".
-------------------
بقلم: د. إبراهيم نوار 
* مفكر اقتصادي ومستشار الشؤون السياسية السابق بالأمم المتحدة 

مقالات اخرى للكاتب

مصر وقروضها الأجنبية





اعلان