26 - 04 - 2024

وجهة نظري| خطيئة أحمد الطنطاوى

وجهة نظري| خطيئة أحمد الطنطاوى

ما أن أعلن البرلمانى أحمد الطنطاوى عن مبادرته حتى فتحت النيران عليه من كل حدب وصوب.. ربما لم تكن تلك الحملة التى استهدفته مفاجأة جاءت على غير مايتوقع. بل الأرجح أنه كان يعرف جيدا أن ما يطرحه لن يحرك فقط المياه الراكدة على سطح الوطن، بل سيحرك كل من سعى وحافظ وتعمد الحفاظ على تلك المياه عطنة.. ساكنة حد الموت.. ثابتة حتى الجمود.

ومن المؤكد أن إقدامه على طرح تلك المبادرة، جاء بعد تفكير كبير وروية لإدراكه أن ماتطرق إليه فيها من نقاط شائكة، وربما محظورة، يمكن أن تفتح عليه باب نيران الغضب على مصراعيه وبما لا يحمد عقباه.

ربما توقع ذلك كله، لكنه بدا ثابتا، كما ظهر بالفيديو الذى طرح من خلاله مبادرته الإصلاحية!

لماذا إختار أن يطرح مبادرته على صفحته ولم يقدمها فى البرلمان! سؤال لايبدو متسقا مع الحال الذى نعلمه جميعا والذى وصل فيه برلماننا الموقر إلى ماهو عليه!

ويكفى أن نوابنا الكرام شحذوا كل طاقتهم، وسنوا جميع أسلحتهم للهجوم على زميلهم، رغم أنه لم يطرح مبادرته عليهم مبتعدا عن قاعة البرلمان، ربما لأنه يعلم ما يمكن أن يتعرض له، بفرض أن سمح له أصلا بإستكمال عرضه لتلك المبادرة.

لم يطالب طنطاوى بالجديد.. فكل ماحملته ورقته الإصلاحية من أفكار ورؤى واقتراحات، سبق وأن طالب بها الكثيرون وإن كان مصير بعضهم لايخفى على أحد!

شجاعة منه، أم خطوة تبدو جريئة، لكنها لم تظهر إلا باتفاق مسبق وضوء أخضر كما إتهمه البعض.

ربما دارت كل تلك الإتهامات فى عقله وإن لم تنل من ثباته بينما يطرح رؤاه الإصلاحية.. والتى دعا فيها لتشكيل 12 لجنة تختص كل منها بقضية وتعمل على دراستها ومناقشتها ووضع الحلول لها منها لجنة الإصلاح الدستورى والموازنة العامة والبطالة والفقر.

مبادرته أو ورقته الإصلاحية، أو تلك المسودة التى عرضها والتى لم يتوقف كثيرا أمام مسماها، لم تظهر فجأة لكنه سعى أكثر من مرة للحديث عنها وفى أكثر من مناسبة، وإن لم تجد آذانا صاغية.. لجأ هذه المرة للفيديو فأحدث الدوى الأكثر صخبا.. أما عن إختيار ذلك التوقيت بالذات الذى عرض فيه تلك المبادرة فاختاره بدقة، بعدما دعا الرئيس السيسى نواب البرلمان للقيام بدورهم قائلا "عليكم مسؤولية كل أمر محل شكوى لازم تتصدوا له وتعملوا لجان وتقارير وتعلنوها للناس"

وجد الطنطاوى الفرصة لطرح مبادرته التى أحدثت دويا صاخبا.. ليس بالطبع لحديثه عن التعليم والبطالة والصحة وغيرها من القضايا الهامة والخطيرة، لكن الأخطر هو ما تطرق له من حديث عن التعديلات الدستورية الأخيرة، مطالبا بإلغائها لمخالفتها للدستور ووضع تشريع يجرم إنتهاك الدستور. وأيضا مطالبته بإلغاء حالة الطوارئ والإفراج عن المعتقلين السياسين ورفع القيود عن الحريات وإعادة هيكلة الموازنة العامة وإعادة هيكلة القضاء ومراجعة الإتفاقات الدولية.

دخل الطنطاوى للمنطقة المحرمة، فانقض البرلمانيون بكل أسلحتهم الكلامية الفتاكة. اتهموه بأنه مخرب ويسعى لتشويه سمعة مصر وأن مبادرته مشبوهة وحملة مكشوفة يتستر وراءها من يسعون لهدم الدولة ومنهم جماعة الإخوان، وطالبوا بمعاقبته وتحويله للجنة القيم.. وعلى الفور استجاب الدكتور على عبد العال ووافق على الطلب الذى تقدم به 95 نائبا وقام بإحالته  لهيئة مكتب البرلمان لإتخاذ اللازم.

رد رئيس البرلمان السريع يتنافى مع تصريحاته وردود فعله الأولى على تلك المبادرة عندما قال "إيه هى المبادرة معنديش مبادرات واللى يعلن يعلن زى ماهو عايز ف الجرايد أنا لا ألتفت لهذا الكلام!"

لكنه عاد وشن هجومه على الطنطاوي، مؤكدا أن التعديلات الدستورية نبعت من قاعة البرلمان ومن يتناول الوطن والقيادة السياسية والجيش والشرطة بالسلب لامكان له فى مصر.

ومن خارج البرلمان انطلقت قذائف أخرى، اتهمته بأنه أداة فى يد السلطة وإلا فلماذا لم يتم إعتقاله بعد مبادرته الجريئة.. بينما طالب تحالف الأحزاب بمعاقبته على مبادرته المشبوهة.

خطيئة البرلمانى المعارض لا تغتفر.. فقط لأنه آمن بدوره وطالب بالديمقراطية والتغيير وتداول السلطة!! ففتحت النيران عليه بلا رحمة ويعلم الله وحده كيف تكون عقباها!

ورغم غموض مصير الطنطاوى ومبادرته، إلا أنه نجح فى فتح ثغرة أخرى فى جدار الصمت، وأمام نيران الإتهامات التى انطلقت من داخل البرلمان وخارجه، خرجت أصوات أخرى داعمة له ومؤيدة لمبادرته، فإلى جانب هاشتاج انطلق لدعمه أصدرت الحركة المدنية بيانا مرحبا بالمبادرة داعيا لتطويرها وطرحها للمناقشة من خلال حوار مجتمعى.

ما مصير الطنطاوى وإلام تنتهى مبادرته! هل تنجح فى تحريك المياه الراكدة! هل  تفتح الباب لاقتحام المحرم من القضايا وطرح المسكوت عنه من الآراء! أم أنها تمر مثل زوبعة فى فنجان، بعدما أحدثت دويا مطلوبا! فقط الأيام من تحمل لنا الإجابة! ولن يطول الإنتظار.
----------------------------
بقلم: هالة فؤاد

مقالات اخرى للكاتب

وجهة نظري | إنسانية اللا عرب





اعلان