26 - 04 - 2024

لمن تُمنح "الجـوائز في هذا الزمان؟

لمن تُمنح

كثيرة جداً تلك الجوائز التي تمنح للأدباء والكُتّاب والشعراء في مختلف الدول وعلى مستوى أنحاء العالم، منها جوائز عالمية، وجوائز محلية. كذلك توجد جوائز تسيطر على مقدراتها عصابات (العلمانيين والحداثيين) بوزارات الثقافة والإعلام في بعض البلدان العربية، وهناك جوائز وراءها أصابع صهيونية، تُخصَّص للكيد من الإسلام مثل (جائزة الجونكور Le Prix Goncourt) الفرنسية، التي مُنِحتْ قبل عدة سنوات للروائي المغربي "الطاهر بن جلون" عن روايته المُغرِضة "ليلة القدر" التي تجاوز فيها حدود الأدب مع الإسلام ورموزه، وغيرها كجائزة "نُوبل". 

المهم، أنه تكثر التساؤلات دائماً بعد إعلان نتائج هذه الجوائز: لماذا تُمنَح لفلان، وهو لا يستحقها؟ وكيف يُحرَم منها فلان، وهو الأجدر بها؟ مَنْ هؤلاء المُحكّمون: غائبو الضمائر، وفاقدو الذوق، وأصحاب الضمائر المستترة، و... و...؟! 

ولعل هذه التساؤلات الغاضبة من الجماهير، تكشف عن مدى الخلل الذي يصاحب توزيع الجوائز في كل مناسبة، وعن حجم المجاملات والرشاوى والتزوير الذي عشَّش في لجان التحكيم، في زمن خربت فيه الذمم، وغابت فيه القيَم، وبِيعَتْ فيه المروءة، واستترتْ فيه الضمائر. 

فمن أين تستمد الجائزة قيمتها؟ هل تستمدها من مانحها؟ أمْ تستمدها من شروطها؟ أمْ تستمدها من طبيعتها؟ أمْ تستمدها من شمولها وامتدادها ؟ أمْ...؟ أم...؟! 

وهلْ يمكن أن تكون الجائزة –أيّ جائزة كانت– ذات شأن في وقت ثمَّ تفقد شأنها وقيمتها في وقت آخَر؟ وهلْ يمكن أن تكون الجائزة –أيّ جائزة– مثار فخر واعتزاز في عهد ثم تصبح مثار خزيٍ وانكسار في عهد آخر؟ 

إننا نلاحظ أنَّ بعض الجوائز تمنح وسط زفة إعلانية دعائية واسعة، ويتيه بها صاحبها اعتزازاً بقيمتها، ثم يأتي زمان آخر فإذا بحاملها يتوارى خجلاً من نفس الجائزة، وقد يضطر إلى الشرح والتفسير أو الاعتذار والتبرير. 

فما الذي حدث حتى تنقلب قيمة الجائزة من النقيض إلى النقيض؟ 

لقد رأينا هذا عياناً بياناً في (جائزة مبارك) التي كانت تتحكم فيها مجموعة من علمانيين، وبقايا ماركسيين، وغيرها من جوائز وزارة الثقافة التي يمنحوها لمن شاءوا، وقتما شاءوا!

ولا ننسى (جائزة صدَّام حسين) التي كان يسعى الأدباء في الوطن العربي للترشيح لها، وكانت الهيئات العلمية تتبارى في ترشيح من تراه لنيل هذه الجائزة من الأدباء، وكانت تمنح هذه الجائزة في صخبٍ إعلامي وضجيج إعلاني، ولمَّا رأت لجنة الجائزة أن تمنح الأديب "يوسف إدريس" نصف الجائزة، غضب وثار وأبرق للرئيس العراقي بأنه لا يليق به أن يحمل نصف جائزة، فما كان من صاحب الجائزة إلاَّ أن أمر أن تُصرف له كاملة، ضارباً بقرارات لجان الفحص والتقويم والمنح عرض الحائط... وقد كان! 

لقد كان ذلك قبل أن تقع الكارثة التي أفقدت الأمة العربية والإسلامية توازنها، وقد عاش "يوسف إدريس" الذي يحمل جائزة صدام كاملة حتى رأى هذه المحنة، واكتوى بنارها كما اكتوينا بها، حينذاك تضاءلت الجائزة في نفسه، فلمَّا مات لم يذكر تلامذته وأصدقاؤه ومريدوه عن الجائزة شيئاً، وكأنها عورة يجب أن تُستر! 

وقُبيْل (ثورات الربيع العربي) منح النظام الليبي البائد أعلى جائزة للأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة بمصر (جابر عصفور) وقيمتها (مليون يورو)! وقد تعرّض عصفور لإحراج شديد من منتقديه؛ الذين طالبوه بالتنازل عن تلك الجائزة بعد سقوط القذافي! لكنه أبى بشدّة، وراح يتحايل وراء الكلمات المطّاطة، ثمَّ قال: "تنازلتُ عن قيمتها الأدبية، أمَّا قيمتها المادية فلا يمكن التنازل عنها"! 

طبعاً؛ لا يتنازل عصفور وأمثاله عن تلك "الغنائم" التي حصلوا عليها على أنقاض أوطانهم، وكرّسوا لها حياتهم، وأراقوا ماء وجوههم، وباعوا في سبيلها الدّين والدنيا.. وقد حصلوا على تلك الجوائز – كما يقول العالِمون ببواطن الأمور- كنوع من التبادل، والرشاوى، والزواج العُرفي فيما بينهم؛ لتسويق!

وهل أحد ينسى الدور الذي لعبه "عصفور" في منح جوائز المجلس الأعلى للثقافة لنفرٍ من دعاة التمرُّد والخروج على القيم، والمناهضين للأخلاق، والكارهين للأديان؛ أمثال: (سيد القمني) صاحب كتاب "الحزب الهاشمي" المملوء بالسخرية من النبوة الخاتمة!

**   *

ترى؛ كيف تحوّل "المجلس الأعلى للثقافة" إلى حربةٍ تهاجم القيَم والمبادئ والثوابت؟ 

لذا؛ لا نعجب عندما يمنح المجلس جائزته العام الماضي؛ لرواية "رحلة الدم: القتلة الأوائل"؛ وقد أعلن "مؤلفها" عن كراهيته للإسلام صراحةً، وكشف عن خياله المريض.. فما كتبه في هذه "الرواية" لمْ يجرؤ على التلميح به غُلاة المستشرقين! وقد جاء في تقرير مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر: أنَّ "الكاتب" تبنى "عقيدة نزع القداسة"، والتي تتبناها التيارات المنحرفة.

ومن أجل خداع القارئ وتغريره؛ نوّهـ في البداية، بأنَّ "كل أحداث الرواية تستند على وقائع وردت في المراجع التاريخية.. لينجو من أيّ مساءلة تاريخية أو أخلاقية، وليوحي للقارئ أنه لمْ يأتِ بشيءٍ من عنده، مع أنه لا توجد رواية صحيحة موثّقة مما ذكره من أحداث ووقائع!!

 لقد بلغ هذا المؤلف من السفاهة مبلغاً خطيراً، في تشويههِ لصورة الصحابة، ولولا ذِكره لأسماء بعضهم لمَا تخيّل القارئ أن تكون شخصيات الرواية هي شخصيات لصحابة الرسول الأكرم، وإنما هي عصابة لا يشغلها سوى المال والنساء وسفك الدماء.

إنه يُصوّر الصحابة كأنهم ذئاب بشرية، وأنهم ماديُّون انتهازيون متآمرون، ليس عندهم رسالة سوى تلبية نداءات الرغبة في السلطة أو المال أو شهوة الجنس!

 لقد حشا كتابه الضخم –الذي يعتبره رواية- بمختلف ألوان الإساءة للصحابة الكرام، فهم متآمرون، قساة، غلاظ القلوب، لم يقدّموا منجزاً واحدا، ولم يلتزموا في حربهم التي شنوها ضد مصر بـ(أخلاقيات المحاربين) ولوْ لمرة واحدة، بلْ أشاعوا الرعب، وصنعوا التآمر، واحتقروا المصريين –هكذا يقول صاحب الحمّالات-!!

 فمثلاً: يزعم أنَّ عثمان بن عفّان قد دُفن في مقابر اليهود، وليس في مقابر المسلمين! وأنَّ طلحة بن عُبيْد الله قد موّل قتلة عثمان، أمّا السيدة عائشة فيزعم أنها أول من حفّزت الناسَ لقتل عثمان! وقد نسيَ أنَّ السيدة عائشة وطلحة شاركا في معركة الجمل ثأراً لدم عثمان.. فكيف يُتصور أنهما يطالبان بثأر لمن شاركا في قتله؟! 

  ويزعم أنَّ عمرو بن العاص كان يسرق من خزائن مصر ويبني بأموالها قصوراً شخصية له، ويدّعي بأنَّ الخوارج -وليس الصحابة- هم الذين نصّبوا علياً بن أبي طالب خليفة للمسلمين بعد عثمان. ويزعم أنَّ عمّار بن ياسر وعثمان عيّرا بعضهما بأمهاتهم، بسبب أنَّ عثمان كان يأخذ من حليّ بيت المال ويعطيها لزوجته!

مازال القارئُ يتساءل: مَن هذا "الجاهل الدعيّ"؟! 

أقولُ: معذرةً، لنْ أخبركَ، ولنْ أُخبِر أحداً عنه؛ لأنه لا يستحق ذِكر اسمه! وإذا كان لابدَّ من معرفته؛ فابحث عمّن منحه "المجلس الأعلى للثقافة"، جائزة عام 2018م، عن رواية "رحلة الدم"؛ حتى يتبيَّنَ لك متى؟ وأين؟ وكيف؟ ولماذا؟ ولمن تُمنح الجوائز، في عصر "صناعة النجوم؟!

ليست هذه القصص إلاَّ نماذج معروفة من نماذج عديدة في عصرنا هذا الذي نفق فيه سوق الجوائز والأوسمة والنياشين في كل مكان، وهذا أمر يدعونا إلى التساؤل:

من أين تستمد الجائزة قيمتها؟

إنَّ بعض الجوائز كالذهب لا يفقد قيمته مهما تبدل الزمان وتغيرت العهود وتبدلت النظم. وبعض الجوائز كأوراق النقد التي ليس لها رصيد من الذهب ولا سند من الإنتاج. وكما تسرف الأنظمة الديكتاتورية والشمولية والدول المتخلفة في طبع هذا النوع من الأوراق المالية فإنها تسرف أيضا في رصد الجوائز التي لا تختلف عن النقد المتداول فيها. 

وكما ترتفع قيمة هذا النقد وتنخفض، ترتفع قيمة هذه الجائزة وتنخفض، وكما يتخلص الناسُ أحيانا مما في أيديهم من نقود هذا شأنها ويلجأون إلى عملة أخرى لها صفات الثبات والاستقرار فإن حاملي هذه الجوائز يتخلصون أحيانا مما في أيديهم، ولكنهم لا يستطيعون أن يستبدلوا بجوائزهم جوائز أخرى أقوى وأرسخ، لأنَّ سوق تبديل الجوائز وتغييرها لم تقم بعد، وما يدرينا فربما تقوم هذه السوق ذات يوم، وخصوصاً في هذه الأيام لأن الحاجة إليها أصبحت ماسة؟!

إن الذين حملوا جوائز الأنظمة الديكتاتورية والشمولية ونياشينها كثيرون في العالم العربي، وها نحن نرى هذه الأنظمة تتهاوى الواحد بعد الآخَر في مشاهد لم يكن يحلم بها أشد أعداء هذه الأنظمة ولا حتى أصحاب الخيالات السياسية المجنحة! 
-----------------------
بقلم:  محمد عبد الشافي القُوصِــي
من المشهد الأسبوعي

مقالات اخرى للكاتب

سلامٌ عليكَ أبـا الزهــــــــراء





اعلان