27 - 04 - 2024

أهم تحديات حكومة «حمدوك» وهل يستطيع إدارة الفترة الانتقالية؟

أهم تحديات  حكومة «حمدوك» وهل يستطيع إدارة الفترة الانتقالية؟

المعارضة: رئيس الوزراء لن يقدر على إدارة البلاد في الفترة الانتقالية المحاطة بالدولة العميقة وقوات الدعم السريع
- د. محمد قسم الله: الانفجار الأمني أخطر ما يمكن أن تواجهه الحكومة
- هشام أبو ريدة: قوانين العزل السياسي لن تطبق لأن المتهمين أصبحوا في السلطة!
- محمد عديلة: إحلال السلام وإيقاف الحرب أهم التحديات 
الحالية

عندما جاءت حكومة "حمدوك" كانت محملة بآمال عريضة وطموحات واسعة، ولكن بعد ثلاثة أشهر من تأليفها، بدأ الشعب السوداني يتململ من الوضع، في ظل حالة من ركود الأوضاع.

رئيس وزراء السودان، الذي عمل من قبل مستشارا لدى "الأمم المتحدة"، قال إن أهم أولويات المرحلة الانتقالية هي إيقاف الحرب وبناء السلام، مبينا أن الظروف مناسبة لتحقيق السلام في السودان، ولكن هل يرى الشارع السودان ويلمس هذه التحركات، وكيف يفسر المحللون التحديات التي تواجه الحكومة.. «المشهد» يتابع عن قرب هذه التحديات ويرصدها في التحقيق التالي..

لا جديد غير استقطاب

يقول الدكتور محمد قسم الله محمد إبراهيم الأكاديمي والمحلل السياسيمن نافلة القول إنّ الحكومة الانتقالية لم تعد جديدة في واقع الأمر، فهاهو الشهر الثالث يطل على حكومة رئيس الوزراء عبدالله آدم حمدوك منذ استلامها لمهام الحكم في الخرطوم، ولا جديد في شأن المشكلات التي انهارت على إثرها حكومة الرئيس السابق عمر البشير، فلا تزال الأزمة الاقتصادية الخانقة تُحكم قبضتها على الشارع السوداني، ولا يزال المواطن السوداني يُكابد غلاء الأسعار وارتفاع الدولار، فالأزمة الاقتصادية في الحقيقة تزايدت بعد وصول حكومة حمدوك، حيث ارتفعت الأسعار بجنون، والتضخم الانفجاري جعل الجنيه السوداني يفقد قيمته يوماً بعد يوم في وجه العملات الأجنبية، في الوقت الذي يقترب فيه الدولار من حاجز الثمانين جنيه وبلغ الجنيه المصري حاجز الخمس جنيهات سودانية. 

وتابع: هنالك أزمات اجتماعية استولدتها بطبيعة الحال الأزمة الاقتصادية، أما أخطر ما يمكن أن تواجهه الحكومة الانتقالية في الخرطوم فهو محاذير الانفجار الأمني، وهنالك استقطاب حاد الآن في الخرطوم بين المجموعات السياسية والدينية، كما هو ملاحظ في قضية وزيرة الشباب في الحكومة الجديدة ولاء البوشي، والشيخ الداعية الإسلامي عبدالحي يوسف، الذي جعل الخلاف ينحرف لرفع لافتات سياسية ودينية بحدة لم تكن مألوفة، واستقطابات حادة كذلك بين المجموعات الإثنية، ومنها ما رأيناه في مساجلات عبدالواحد النور أحد قادة الحركات الدارفورية وارتفاع نبرة قضايا الهامش ومشاركتهم في الحكم.

كما أنّ الحكومة الحالية رفعت سقف التوقعات قبل مجيئها، حيث كان ينتظرها السودانيون مثل (سوبر مان) لانتشالهم من عنق الزجاجة التي أدخلتهم فيها عنتريات الحكومة السابقة، عبر السنوات إلى آفاق أرحب موعودة بالرفاه والوفرة، وهو ما لم يتحقق، وفي تقديري أنّ فجوة التوقعات هذه هي أكبر تحديات الحكومة الانتقالية الحالية.

لعنة التفاصيل

ومع تعقيدات الوضع الاقتصاد والاجتماعي والسياسي في الساحة السودانية، لا تزال الحكومة بكافة مكوناتها تستغرقها التفاصيل غير المُنتِجة، فرغم مرور الشهور لا يزال وزراء الحكومة ينفقون أوقاتهم في التغييرات الهيكلية الوظيفية، وتبديلات المناصب، هذا مكان هذا، وهذا مكان ذاك، وليست هذه القضية المحورية، القضية المحورية في كيفية التفكير خارج الصندوق، الشعب السوداني ينتظر من حكومة حمدوك تفكيرا خارج الصندوق، يقفز به من أزماته الآنية، صحيح لن يحدث هذا التغيير بين ليلة وضحاها، ولكن ليس ثمة ما يشير لبوادر حدوث هذه الانطلاقة المأمولة، وهو كذلك تحدٍ في وجه الحكومة بكاملها في تدوير محركات البلاد المتعطلة.

ويرى "قسم الله" أن رئيس الوزراء يدير أزمات البلاد بشيء من (رزق اليوم بيوم)، وليس وفق تخطيط بعيد الأمد، ولا يزال حتى اليوم أسير القرارات الإدارية، ولم يصدر قرارات جوهرية، مثل ما يتعلق بالاقتصاد الكلي، الذي يمكن الاستفادة فيه من بعض الميزات النسبية للاقتصاد السوداني، عبر تشغيلها بأنظمة البوت مثلاً (البناء والتشغيل ونقل الملكية)، أو أن يستفيد من علاقاته مع المنظمات الدولية الأممية في توفير قروض عاجلة لضخ بعض الدماء في الجسد المتكلِّسْ. 

فالأزمة الاقتصادية الحالية كفيلة بإسقاط الحكومة الانتقالية إن لم تسع حكومة حمدوك مجتمعة لابتدار حلول إسعافية عاجلة، والأوضاع الأمنية كذلك هي بارود تحت الرماد ينذر بشر مستطير.

ولا ننسى الخلايا النائمة ومكونات النظام السابق التي اختفت في ظروف مريبة علاوةً على المكونات العسكرية التي لا تخلو من الموالين للنظام السابق بطبيعة الحال

كذلك: الخلافات التي بدأت تطفو على السطح بين قوى الحرية والتغيير اقحمت نفسها، وهي خلافات داخلية يمكن أن تنخر كالسوس في جسد الكيان الذي يُفترض فيه أن يحمل أعباء الفترة القادمة ويحمي مكتسبات الثورة، لا أن يقع باكرا في براثن الخلافات، التي يمكن أن تعصف به وبحكومته وبالفترة الانتقالية برمتها.

هنالك مخاطر وربما أطماع الجنرال حميدتي وقواته ذات البنية الخاصة، والطابع القبلي، وهي قوة ضاربة، ويمكن أن تستولي على الحكم والتغيير الذي تم ضد نظام البشير ماكان له أن ينجح لولا انحياز حميدتي للاستيلاء على السلطة وليس ثمة مايمنعه من تكرار المغامرة ولكن للإنفراد بكل الكيكة هذه المرة.

الصف الأول

في حين يعتبر هشام أبو ريدة عضو التجمع الاتحادي المعارض أن الثورة السودانية المجيدة عندما انطلقت كانت بغرض التخلص من النظام الديكتاتوري، الذي جثم على صدر الشعب لعقود، وعندما قدم الشباب أرواحهم الذكية الطاهرة كان ذلك من أجل الانعتاق الكامل من النظام الشمولي، الذي حرم الشباب من أبسط مقومات الحياة، ويقول: بالفعل نجحوا في زلزلة عرش الطاغوت، مما دفع بالنظام المتأسلم إلى التخلص منه، والإبقاء على كل مفاصل الدولة، وبالفعل نجحوا في ذلك عندما استجابت لهم قوى الهبوط الناعم في عمل تسوية سياسية، تُبقي على هياكل دولة المتأسلمين، والإفلات من المحاسبة، وبكل أسف هذه القوى هي من كانت تهرول للجلوس مع النظام والتعايش معه، وبين ليلة وضحاها تحولوا من الصف الأخير في المعارضة إلى قيادتها مما تسبب في ميلاد اتفاق سياسي ووثيقة دستورية مشوهة، لا تشبه هذه الثورة التي تابعها كل العالم بإعجاب، لما قدمته من دروس في مجابهة السلاح بالسلمية والتي ركعت البشير واجبرت نظامه البغيض على التخلص منه.

افشال الانتقالية

وأضاف: نحن في الجبهة الوطنية العريضة رفضنا التفاوض مع المجلس العسكري، واستنكرنا ذلك على بقية القوى السياسية لقناعتنا التامة بان هذا الاتفاق سوف يقود الى إفلات رموز النظام من الحساب، وفتح الباب الخلفي للنظام ليعود من خلاله مرة أخرى بعد انتهاء الفترة الانتقالية.

 واليوم طلع علينا "غندور" في الميديا داعياً إلى حوار شامل لكل القوى السياسية وكأنما هذه الثورة اندلعت في دولة مجاورة ولم يكونوا هم أساس كل هذه البلايا والخطايا التي لحقت بهذا الوطن المكلوم، ولذلك نحن نرى بأن رئيس الوزراء لن يقدر على إدارة البلاد في هذه الفترة الانتقالية،المحاطة بالدولة العميقة وقوات الدعم السريع، ومن الصعوبة بمكان أن يتم التوصل إلى سلام في ظل وجود الدعم السريع، وهي قوات لها تاريخ سيئ في دارفور وفي بعض المناطق في السودان، وكذلك من الصعب معالجة الأزمة الاقتصادية وكل مفاصل الدولة بيد الدولة العميقة، وهم يعملون على افشال الفترة الانتقالية بخلق أزمات مفتعلة، مثل تخزين الدقيق وصب المواد البترولية في النيل، وغيرها من العبث بمعاش الناس، ونحن نرى بأن الحل الأوحد هو استمرار الثورة لتصحيح مسارها، والقبض على الذين قاموا بقتل وترويع الشعب السوداني منذ 89 وإلى يومنا هذا، وهنالك بلاغ جنائي تم تقديمه من استاذنا الجليل علي محمود حسنين - عليه رحمة الله - ومعه بعض الزملاء، وذلك لمحاسبة الذين قوضوا النظام الدستوري وانقلبوا على الشرعية، وإضافة إلى ذلك أعددنا قوانين لمحاسبة الفساد الإعلامي والمالي والسياسي (العزل السياسي )، وهذه القوانين لن تطبق في ظل هذه الحكومة الانتقالية، لأن المتهمين أصبحوا الآن في السلطة جنبا الى جنب مع المدنيين، مما يهدم فكرة وشعارات الثورة وهي تسليم السلطة كاملة إلى المدنيين.

سلام الداخل والخارج

من جهته، قال محمد عديلة عضو حزب الأمة السوداني: إن الانطلاقة لديها بعض الواجبات التي تقتضي ضرورة الشروع في التغيير المناسب لمتطلبات الثورة والحراك الشعبي، وحكومة عبدالله حمدوك أمامها مجموعة من التحديات الصعبة التي تستوجب المواجهة، وتمثل معيارًا كبيرًا لنجاح هذه الحكومة التي أتت بلا شك في مرحلة صعبة من تاريخ السودان.

وذلك بالإضافة للمحاور الاقتصادية، فعلى حكومة حمدوك التعامل مع ملف الاقتصاد، وتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، خصوصا مع الارتفاع الشديد للأسعار التي بلغت نحو 3 أضعاف ما كانت عليه بعد عزل عمر البشير، خاصة أن العوامل الاقتصادية كانت الدافع الرئيسي وراء الاحتجاجات التي خرجت ضد الرئيس السوداني السابق.

وأضاف عديلة: الرافعة الثالثة لإتمام مقاصد الثورة هي السلام وهي الأهم، فالشروع نحو إحلال السلام وإيقاف الحرب أهم التحديات التي تواجه الحكومة في الفترة الحالية، ولفت إلى أهمية ملف التعامل مع الفصائل المسلحة في السودان، حيث عليها قيادة حوار مع مختلف الفصائل لكي يتم تجاوز مرحلة الجماعات المسلحة في السودان، معتبرا أن ذلك سيكون عملا صعبا، لكنه ليس مستحيلا أمام السودان الجديد.

ثم يأتي بعد ذلك استعادة العلاقات العربية والدولية التي كانت مشوهة وهو ما بدأ به بالفعل، والتعاون مع باقي المؤسسات السودانية، العمل على تحقيق سياسة خارجية أكثر انسجاما مع المحيط العربي، والابتعاد عن بعض القوى والمحاور التي كان يسير في فلكها الرئيس المعزول والتي جلبت للسودان كثيرا من الإشكاليات داخليا وخارجيا.
----------------------
تحقيق- آمال رتيب
من المشهد الأسبوعي








اعلان