19 - 04 - 2024

ترامب وآخر فضائحه

ترامب وآخر فضائحه

أعتقد أنه لاخلاف بين معظم الباحثين المُـتخصصين فى شئون السياسة الدولية أنّ السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، قائمة على استغلال الشعوب التى شاء حظها التعس، أنْ تكون محكومة بأنظمة غيروطنية.. وتابعة للإدارة الأمريكية. ولكن تلك الحقيقة لا تنفى أنّ منظومة الحكم الأمريكى (على مستوى السياسة الداخلية) ولعلّ آخر الأمثلة على ذلك هو ما صرّحتْ به رئيسة مجلس النواب الأمريكى (نانسى بيلوسى) المنتمية لحزب الديمقراطيين، حيث أعلنت رسميا أنها ستبدأ التحقيقات فى آخرجريمة ارتكبها الرئيس الأمريكى ترامب، تمهيدا لعزله عن رئاسة الدولة الأمريكية. 

تفاصيل جريمة ترامب:  

ترامب استعان بدولة أجنبية لتغيير مسارالإنتخابات الرئاسية القادمة لصالحه، حيث تشير كل التوقعات إلى فوزمنافسه (جون بايدن) فى إنتخابات نوفمبر2020 ونتيجة التحرك الإيجابى الذى تقوم به رئيسة مجلس النواب، فإنّ ترامب أصابته حالة من الرعب والذعر.. ولذلك سارع بالاتصال برئيس دولة أوكرانيا وطلب منه ضرورة فتح تحقيق مع (هنتر) ابن جون بايدن (منافس ترامب) حيث أنّ ابن بايدن اشترك فى تعاملات تجارية مع شركة أوكرانية.. وأضاف ترامب فى المحادثة التليفونية انه لابد من إثبات (تهمة الفساد) على ابن جون بايدن وشريكه الأوكرانى (بالرغم من أنه سبق التحقيق فى هذا الموضوع بمعرفة أجهزة الرقابة الأوكرانية، ولم تثبت التهمة على أحد) ولما قال الرئيس الأوكرانى ذلك لترامب، فإنّ الأخير هـدّده بقطع (المعونة) التى تقدربمبلغ 400 مليون دولار (بالرغم من أنّ الكونجرس الأمريكى سبق ووافق عليها)  

كيف تـمّ كشف المكالمة التليفونية؟

ينص القانون الأمريكى على أنّ كل مكالمات الرئيس يجب تسجيلها وتفريغها ليستمع إليها فريق من الأمن القومى.. وعليهم- بعد تفريغ نص المكالمات- إرسالها للبحث والتحليل من المتخصصين فى المقر الرئيسى للأمن القومى. 

أحد موظفى الأمن القومى الذى سمع المكالمة، كتب مذكرة لرئيسه طلب فيها إجراء تحقيق بمعرفة الكونجرس.. ولكن رئيس الأمن القومى، رأى أنّ التحقيق سيجلب العارعلى النظام الأمريكى من جهة.. وأراد حماية رئيسه من جهة أخرى، ولذلك رفض تحويل المذكرة إلى الكونجرس.. ونظرًا لقوة الحراك الاجتماعى داخل المجتمع الأمريكى، تسرّب الخبر إلى أجهزة الإعلام، ومن بينها صحيفة نيويورك تايمزالتى نشرت الخبرهى وصحف أخرى.. وتواصل المسلسل بالدور الذى قام به أعضاء الحزب الجمهورى (حزب ترامب) بهدف التشويش على السيدة نانسى بيلوسي (رئيسة مجلس النواب).. والتقليل من شأن المكالمة التليفونية.. كما تورط ترامب عندما صرّح لبعض أجهزة الإعلام بأنّ كل ما قيل عن المكالمة التليفونية كذب فى كذب. 

أعتقد أنّ ما فعله موظف الأمن القومي، وما فعلته الصحافة الأمريكية، وما فعلته رئيسة مجلس النواب، يـُـعطى رسائل غاية فى الأهمية تستدعى التوقف أمامها منها: 

أولا: أنّ المجتمع الأمريكى ليس كتلة واحدة.. وإنما هو متعـدّد الاتجاهات. 

ثانيـًـا: أنّ السياسة الخارجية القائمة على نهب موارد الشعوب، بالتواطؤ مع أنظمة الحكم، تختلف عن السياسة الداخلية، القائمة على أنّ مصلحة الوطن فوق أى اعتبارات شخصية، بما فيها شخص رئيس الدولة. 

ثالثــًـا: وجود قانون يسمح بتسجيل مكالمات رئيس الدولة.. وتفريغها وتحليلها لتكون تحت تصرف جهاز الأمن القومى. 

رابعـّـا: الموقف النبيل الذى اتخذه موظف الأمن القومى، الذى كتب مذكرة لتحويل الأمر لمجلس النواب، باعتباره المُـعبرعن الشعب الأمريكى. 

خامسـًـا: دورالصحافة التى تلــّـقتْ تسريب الخبرولم تهمله.. وإنما تعاملتْ معه بكل جدية.. وبسبب ذلك وصل الخبر إلى رئيسة مجلس النواب. 

سادسًـا: وهنا نصل إلى قمة تلك الدراما بطابعها السياسى، حيث أنّ رئيسة البرلمان تعاملتْ مع الموضوع.. وكأنّ ترامب (مجرد مواطن أمريكى) وليس بصفته رئيس الدولة.. ومن هنا بدأتْ اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة للتحقيق مع ترامب فيما ورد فى المكالمة التليفونية مع رئيس دولة أوكرانيا.. وكيف سمح الرئيس الأمريكى لنفسه أنْ يطلب من رئيس دولة أجنبية، التدخل فى مسارالإنتخابات القادمة فى نوفمبر2020، وذلك تمهيدًا لعزله.

سابعـًـا: أنّ ما حدث كان بفضل الديمقراطية التى تتمتــّـع بها بعض الشعوب، مثل الشعب الأمريكى.. وأنّ ما حدث مؤخرًا، لم يكن المرة الأولى حيث سبق لصحيفة (نيويورك تايمز) أنْ كشفتْ واقعة وزارة الخزانة الأمريكية التى رفضتْ تسليم الكونجرس (تصاريح ترامب الضريبية).. وذلك فى حلقة جديدة (من شد الحبل بين الرئيس الجمهورى.. وخصومه الديمقراطيين.. وأظهر تحقيق الصحيفة قسمًـا كبيرًا (من سهام الانتقادات) المُـوجـّـهة ضد ترامب بسبب موقفه المالى..وأنه (تهرّب من دفع الضرائب) بحجة أنّ شركاته لم تــُـحقق أى أرباح خلال 8 سنين.. وقالت الصحيفة إنها لاتعرف إذا كانت (مصلحة الضرائب قد صادقتْ على الاقرارات الضريبية التى قـدّمها ترامب أم لا..وطلبتْ من البيت الأبيض ضرورة نشر الموقف الضريبى للرئيس.. وقال الديمقراطيون فى الكونجرس أنهم يملكون الصلاحية الدستورية، للمطالبة بالوثائق للتأكد من إشراف وزارة الخزانة على أموال الرئيس.. وفى إطار هذه التحقيقات الصحفية.. حول تهرب الرئيس من دفع الضرائب المستحقة.. وكذا التدخل الروسى فى الانتخابات.. والتى ساعدتْ ترامب على الفوزبالرئاسة.. والشبهات حول (عرقلة عمل القضاء) يستعد الديمقراطيون لاتخاذ إجراءات عزل الرئيس.  

وقـدّم برلمانيون ديمقراطيون ومنظمات حقوقية يوم 9 مايو 2019 عرائض.. وقـّع عليها أكثر من 10 مليون مواطن، طالبوا فيها من الكونجرس العمل على اتخاذ إجراءات (عزل الرئيس) وعرضتْ منظمة (موف أون) ومنظمة (ويمنزمارش) أمام مبنى الكونجرس هذه العرائض ومعها لوحة مكتوب عليها (ترامب يجب أنْ ترحل) وقالت نانسى بيلوسى (رئيسة مجلس النواب الديمقراطية) أنّ أمريكا تمر بأزمة دستورية، بسبب رفض الرئيس التعاون مع المحققين فى الكونجرس.. ولا سيما بشأن التخل الروسى فى انتخابات الرئاسة.. وقالت فى تغريدة على تويتر أنّ ترامب والعاملين فى إدارته يتجاهلون القسم الذى أدوه.. وأنه لأمر مُـفزع ومُـروّع أنْ تكون إدارة البيت الأبيض (عقبة أمام انتخاباتنا القادمة..وحصول الشعب على الحقيقة..وبالتالى علينا العمل على عزل الرئيس)   

والدرس المستفاد هو أنّ الأنظمة النقيضة، أى الأنظمة التى لا (تؤمن) بالليبرالية ولا تعترف بها، فإنها تعتبر الملك أورئيس الدولة له (قداسة) مثل قداسة الأنبياء وبالتالى لايجوز الاقترب منه، أوالاعتراض على قراراته أوتصرفاته.. حتى ولو شملتْ التفريط فى حدود الوطن.. أوالتنازل للأجانب عن آلاف أوحتى ملايين الأفدنة أو ملايين الأمتار من أراضى الوطن.. ولعلّ السبب الذى رسّـخ مفهوم القداسة لشخص الملك أو الرئيس.. هو (إيمان) تلك الأنظمة بآفة آخرى من آفاتها.. وهى دمج شخصية الملك أو الرئيس فى (كينونة الوطن).. ومن هنا جاءتْ المقولات الاستبدادية من عينة: أنّ انتقاد الملك أو الرئيس، معناه (خيانة للوطن) وأنّ الهجوم على الملك أو على الرئيس، معناه (عدم الولاء للوطن) و(زلزلة القداسة الوطنية).. والسؤال الحاسم هو: هل يجرؤ رئيس البرلمان فى الأنظمة التابعة للإدارة الأمريكية أنْ يفعل ما فعلته السيدة نانسى بيلوسى؟ 
---------------------------
بقلم: طلعت رضوان


    

مقالات اخرى للكاتب

أين الدول العربية من التنافس الأمريكى الروسى؟





اعلان