10 - 05 - 2025

وجهة نظري| جنون ترامب

وجهة نظري| جنون ترامب

يبدو للجميع أنه مجنون أو على شفا شعرة من الجنون.. طلته.. نظراته المشتتة.. عيونه غير المستقرة، ضحكته البلهاء المستفزة، شعره الغريب في نفوره وعدم تهذيبه.. حركاته، لفتاته، سكناته، صمته، عصبيته وهو يضغط على حروف إسمه متعمدا الصعود بها والهبوط بشكل واضح كأنما يحاول أن يحفر بها طريقه للخلود.. كلها تشى بجنون العظمة وربما جنون مرضى مزمن عصى على الشفاء.

ذلك هو الانطباع السريع أو بالأدق الأسهل والأكثر راحة لمن يتابع الرئيس الامريكى دونالد ترامب منذ أن وطئت أقدامه البيت الأبيض، لكن المدقق في سياسة الرجل يدرك أنه بعيد كل البعد عن الجنون، ربما يحلو له أن يبدو على تلك الحالة الغريبة أو يتعمد ذلك كنوع من الترهيب والتخويف وبث الفزع فى نفوس الجميع، للردع فلا يأمن أحد شر قراراته المتهورة ولا سياساته الرعناء ولا تصريحاته المبالغ في شططها.

يفتح النيران على أكثر من جبهة غير عابيء بتعدد الخصوم وتزايد الأعداء، تتوالى استقالات رجال إدارته فلا يهتز له جفن.. يلغى الاتفاق النووي الإيراني رغم تحذيرات رجال المخابرات الأمريكية بأن خطوته تلك تشكل خطرا على الأمن القومى.. يصر على قراره ماضيا بالأزمة لحافة الهاوية، ثم يصمت بخبث أمام تصعيد إيرانى يشى بخصم عنيد .

يطلق تصريحاته العنصرية ضد المهاجرين ويتبنى بناء جدار فولاذى يعزل بلاده عن المكسيك، ويتخذ قرار بمنع دخول اللاجئين من سبع دول، ثم يندد بالجرائم التي يرتكبها الإرهابيون الذين فتحوا النيران على الأجانب ويصفهم بالمرضى النفسيين، مطالبا بفتح المزيد من المستشفيات العقلية والنفسية لعلاجهم.

تناقض  ترامب وجنون عظمته دفع بعض المتخصصين إلى تشخيص حالته على أنها بداية "الخرف" اعتمادا على تحليل لعدد من المقابلات والحوارات واللقاءات التي أجراها ترامب منذ تولى منصبه.

ومن المؤكد ان الرئيس الأمريكي لم يجهد نفسه كثيرا في الدفاع عن نفسه، أو محاولة تصحيح تلك الصورة المشوهة عنه، ويبدو أنه بفعل ذلك متعمدا لرغبة في تأكيد تلك الحالة ودعمها وتثبيتها، لا نفيها ومحوها والتنصل منها.

فلا يترك فرصة إلا وإنتهزها ليبدو على تلك الحالة من الجنون ليس فقط على الصعيد الداخلي ولا الخارجى، وإنما تجاوز كوكب الأرض كله ليصل للفضاء، فإقترح إنشاء وحدة أمريكية مسلحة في الفضاء وهوما اعتبره المدير السابق للمخابرات الأمريكية جون بريتان نوعا من الجنون، يشكل تهديدا وخطرا على الأمن القومى الأمريكي، بينما حذرت موسكو من ذلك الخطر الذى تسعى فيه واشنطن لعسكرة الفضاء.

لايعبأ ترامب بتصريحات وتحذيرات منتقديه، بل يمضى بكل ثقة فيما يراه ويعتقده ويؤمن به، ويصل لأقصى حالات جنونه المتعمد لتهديد الشعب الامريكى بكارثة عظمى إذا ما خسر انتخابات 2020 .

جنون ربما يبدو كذلك، لكنه في الحقيقة ليس سوى وجه صريح وسافر ومكشوف لسياسة واشنطن التي طالما حاول رؤساؤها طوال عقود تجميلها.

تاريخ أمريكا ملوث بالدماء منذ بدايتها وانتزاعها لأرض لم تكن لها، أبادت أصحابها الأصليين بعدما تعمدت تشويههم وتحقيرهم وإستباحة إبادتهم.

وبنفس اليد الملوثة بالدماء ساندت ربيبتها إسرائيل لتسير على نفس الدرب، تساندها في اغتصاب الأرض وتشريد أصحابها وإبادتهم.. تقف أمام أي قرار يدينها أو يحتج على عنصريتها ووحشيتها.. تتخذ كل ما يدعم وجودها، تضيف كل يوم جزءا من أرض لم تكن لها.

بنفس اليد الملوثة قتلت وشردت الملايين في العراق وأفغانستان وغيرهما.

بنفس اليد الملوثة تخرب وتدمر وتحرك سياسات العالم وفق إرادتها ومصالحها.. تحرك رؤساء وملوكا كأنهم عرائس ماريونيت، تدرك أنهم قبلوا أن يكونوا طوع يديها ويدركون أن بقاءهم مرهون بحركة أصابعها.. اختاروا بإرادتهم الخنوع، وإختارت بدهائها السطوة والتحكم والقوة. هكذا كانت دائما.. تغيرت الوجوه من سياسى ماكر محترف، لآخر دموى شرس، لثالث ارعن مجنون يبدو اقرب للبله، لكنها في الحقيقة وجه واحد لسياسة واحدة وهدف واحد.. تتغير التفاصيل كنوع من الجذب والإبهار وشد الإنتباه، تماما مثلما هم بارعون في افلامهم السينمائية.. لايختلف ساستهم عن مخرجى أفلامهم، لا يقلون عنهم براعة ولا احترافية ولا خبرة في اللعب على أوتار واعصاب ونفوس مشاهديهم، الفرق أن كارثية ما يقترفه ساستهم تفرض على العالم دمارا حقيقيا وتهديدا فعليا ومخاطر واقعية تعانى منها البشرية، للأسف تبدو أبدية لا نهاية لعرضها، عكس أفلامهم الدموية الخيالية. ترامب ليس مجنونا فقط، هو ممثل بارع في فيلم أمريكى واقعى ينتهى دوره بصعود آخر، بوجه جديد وآداء مختلف، ليظل العالم كاتما لأنفاسه.. وهو يتابع سياسات الرعب الأمريكية.
-------------------------
بقلم: هالة فؤاد

مقالات اخرى للكاتب

قانون الإيجار القديم .. لغم لا يحمد عقباه