ربما لم يكن الأمر مفاجئا للبعض ولا كارثيا أو حتى سلبيا من وجهة نظر هؤلاء الذين يهللون لكل قرار حكومي أو رسمي بغض النظر عن تبعاته وتأثيره، والذى في الغالب مايصب في غير صالح المواطن البسيط، بل على العكس يأتي دائما ليزيد من مشاكله وأزماته ويزيد هما آخرا فوق همومه الثقال.
هكذا جاء قرار البنك المركزي بخفض سعر الفائدة بنسبة 1.5% حيث إنخفض سعر الإيداع من 15.75% لتصبح 14.25% وإنخفض سعر الإقراض من 16.75% إلى 15.25%.
بالطبع لم تمض ساعات على صدور القرار، حتى سارع عدد من البنوك أبرزها القاهرة ومصر والأهلى للإعلان عن خفض معدلات الفائدة مع ترحيب واسع وإحتفاء بالقرار الذى إعتبروه إيجابيا ومتوقعا وصائبا، يهدف إلى تنشيط السوق بعد حالة من الركود ويعمل على تشجيع الإستثمار ويفتح الباب أمام مشروعات جديدة ويقدم فرص عمل للشباب ويقلل من حذر المستثمرين ويدفع المودعين للتحول من الإدخار للاستثمار.
الكلام المعسول الذى تعودنا سماعه من المسؤولين والذى شاركهم فيه عدد من رجال الاعمال، اتفقوا جميعا على مميزات قرار خفض سعر الفائدة وهللوا له وسارعوا في العزف على وتيرة واحدة تردد صدى الإشادة والمباركة وتعدد محاسن ومميزات ذلك القرار الحكيم من وجهة نظرهم.
وسط موجة التهليل تلك تتوه كالعادة أصوات المتضررين من القرار، فاصواتهم أضعف من أن تصل لآذان هؤلاء الذين يتخذون القرارات الحاسمة بغض الطرف عن الأضرار التي تلحق بالبسطاء الذين يدفعون دائما الثمن في عجز وصمت وألم.
لم يفكر هؤلاء في مصير صغار المودعين وماأكثرهم، ممن يضعون شقى أعمارهم ويدخرون من لحمهم وقوت يومهم خشية يوم غادر يداهمهم فيه المرض أو لاقدر الله الموت أو إنتظار لفرحة منتظرة مؤجلة يزفون فيها البنت ويزوجون فيها الولد.. عشرات الألوف القليلة لاتعنى رقما ضخما أمام الملايين والمليارات التي يمتلكها البعض.
خمسة أو عشرة أو حتى مائة ألف جنيه رقم بسيط خجول لايعنى شيئا سوى لأصحابه الذين يعيشون على الستر.. ينتظرون العائد الشهري لإستكمال بقية الشهر بعدما تعجز رواتبهم القليلة على سد إحتياجاتهم وطلبات أولادهم.
خفض سعر الفائدة بنسبة 1% ربما يراه البعض نسبة لاتذكر بينما هو رقم ضخم في عيون وجيوب أؤلئك الذين لايتوقفون عن التفكير في تدبير قوت يومهم.
يبرر المهللون للقرار أن خفض الفائدة لن يضر بالمودعين بعدما إنخفضت معدلات التضخم. تلك هي حجتهم ومبررهم لكن بعيدا عن حساباتهم وأرقامهم يبقى للواقع الكلمة الفصل.. وواقع الشعب المطحون بسطاؤه بل وحتى بعض من أغنيائه يكشف لكل ذي عينين إن أراد النظر بهما، أن لا أحد يستطيع التحمل وأن ضيق الحال بات عصيا على الكتمان وأن مظاهر الفقر بدت واضحة ولم تعد تجد معها محاولات التحايل والاستغناء وإلغاء بنود وإحتياجات - يوما بعد يوم- كانت لوقت قريب تعد أساسية لاغنى عنها.
هللوا كما شئتم لقراراتكم، لكن كفى لعبا بالعقول التي لم تعد مغيبة وباتت عصية على الإلهاء والتخدير، وسئمت كل مهرجانات التطبيل والتهليل والتمجيد .فالعبوا غيرها.
-----------------------
بقلم: هالة فؤاد