لم تكن المرة الاولى التى تنشر فيها الجرائد خبر مقتل فتيات بيد أحد أفراد العائلة الذكور لشكهم فى سلوكهن، وتسليم أنفسهم بفخر للسلطات، باعتبار أنهم غسلوا عار هؤلاء النسوة.. وفى الغالب الأعم تجد تعاطفا مع تلك الجرائم من الرأي العام، ومن القوانين ومن بعض القضاة.. لأنه "الشرف الرفيع الذى يسال على جوانبه الدم حتى يسلم من الأذى"، ولن نجد مرة واحدة - ربما خانتنى الذاكرة - أن هذا يطبق على من تسبب فى هذا الأذى، أي لا يقتل من أفسد تلك الفتاة أو حتى اغتصبها، فنجد من يبرر له الفعل بأن الضحية.. نالت ما تستحقه بملابسها المثيرة، وربما ضحكتها الرقيعة، مما أثار الذكورة فى الشباب، فلم يستطيعوا التحكم فى شهواتهم وارتكبوا الفعل الفاحش، هكذا بمنتهى البساطة ينحازون ويبررون وربما يعفون عنهم، لأنهم ببساطة ذكور، ولا دية للنساء فى كل الأحوال!
كل هذا صفع عقلي، عندما قرأت عن مقتل أختين على يد والدهن لشكه فى سلوكهن.. مجرد شك - أو هكذا قيل – في فلذتي كبده.. الذى رباهما صغارا حتى كبرتا، وأحبهما وهما لحمة حمراء.. هكذا بكل بساطة أنهى حياتهن دون العشرين.. بكل قسوة وخلو من رحمة، عصفا بمشاعر أبوة غريزية بالحب والحماية دون التأكد من شكوكه أو محاولة معرفة ماذا فعلتا بالضبط. أكانت علاقة حب أم علاقة جنسية تحت شعار الحب أو زواج عرفى أو متعة يضحك به الفتيان على الفتيات حتى يرضخن ويمارسن الجنس الذي يصبح هدفت وحيدا من العلاقة.. بالنسبة للشباب والرجال عامة!
لن أتكلم هنا عن أن الأب مثلا، شك أن بنتيه مارستا البغاء عن اختيار وفسق مقابل المال، ونحن نعرف أن حالات الفقر الدكر دفعت كثيرا من الآباء إلى حض فتياتهم على تلك الممارسة بأشكالها، سواء بتزويجهم قسرا وهن قُصَّر للإخوة العرب، المرة تلو الأخرى، أو غضوا الطرف عن ظهور المال المفاجىء فى أيديهن لأنهن ببساطة ينفقن على العائلة بمن فيها الأب والأخوة الذكور.. في أخلاقيات لم نعرفها إلا أيام انفتاح السداح مداح، عندما قال أحد الحكام "اللى مش حايغتنى فى عهدى لن يغتنى" وبعدها سمعنا أن من يملك قرشا سيساوي قرشا، ومن يملك الملايين سيساويها بصرف النظر عن مصدرها، وهكذا انفجرت ماسورة الفساد فى حياتنا وهرع الكثيرون يشربون من مائها الآسن، فلم يعد الفساد يخزي، إنما يجلب الاحترام والهيبة وربما المناصب السياسية!. فلا يعيب السياسى إلا نقص ولائه للحاكم، مهما اقترف من جرائم في أوقات سابقة!
نعود لجرائم الشرف.. لن أدخل فى التفاصيل القانونية التى تتعامل بشفقة مع هؤلاء، فلا يعدمون.. والأمر غير مقصور على مصر بل أغلب البلاد الإسلامية.. إنما أنظر لأسباب قبول تلك الجرائم اجتماعيا، ربما اعتبره المجتمع رجلا من ظهر رجل، وربما بطل وقد نتذكر فيلم يوميات نائب في الأرياف، عندما حمل صلاح منصور ابنته مقتولة بمنتهى الفخر أمام مجتمع القرية، فى الوقت الذى كان فيه يغتصب الخادمة بدون وخزة ضمير، وبدل أن يعاقب أبلغت زوجته الغيورة أهل الخادمة ليقتلوها!
نعم ثقافة احتقار النساء وحقوقهن واعتبارهن مجرد جسد للمتعة، ما تزال سائدة حتى اليوم، خاصة فى المناطق التى ترتفع فيها نسبة الأمية والفقر ويتحكم فيها شيوخ التطرف، فقد تعطى على غير رضاها عبر زواج غير شرعي، أو تباع لعجوز مقابل المال أو تقتل إذا ما فرطت فى جسدها أثناء لحظة ضعف إنسانى مع من تحب، دون محاسبة حتى لشريكها فى الخطأ، بينما يحتفى الذكر بفتوحاته النسائية علنا، مع مومسات أو خادمات بعلم الأهل، بل إنهم فى وقت ما، كانوا يجيئون بخادمة نظيفة لتلبية طلبات الشاب خشية أمراض المحترفات.. حدث هذا بالفعل فى كثير من البيوتات التي كان يقال عنها محافظة إلى وقت قريب، قد لا يتعدى عشرين عاما فى القاهرة الطاهرة!
منتهى الانتهازية والازدواجية والتدنى الأخلاقى والكيل بعشرة مكاييل ضد النساء ومع الذكور.
بل أتصور أن جريمة تزويج المغتصب لضحيته كحل يمنع عقوبته، ويحمي عرض الفتاة التى أفسدها، مكافأة للمغتصب على جريمته، دون أي مراعاة لإحساس ومشاعر الضحية، فما زال جسد المرأة يعاقب وحده دون غيره من الأجساد، باعتباره رجسا من عمل الشيطان.. حتى قول إن اغلب أهل النار من النساء، تعدى على عدل الله، لم يجد أحد من الشجاعة ليمحصه، فلا أتصور أن الرسول الكريم قد قال هذا.. إنما هى العقلية الذكورية، التى تصدر لنا الأوهام والأكاذيب حتى يفلتوا من العقاب، بقبول مجتمعي وجهل عن قصد أطلقه علينا غلاة التطرف وجزء من السلفية المتنطعة دينيا.. ليعطوا كل ذكر الحق فى الانفلات الجنسى بتواطؤ المجتمع دون خشية عقوبة أو تجريس اجتماعى، قد يؤثر على حياته المهنية أو الاجتماعية أو مركزه فى طلب الزواج من أكبر العائلات المصرية!
لن ينصلح حالنا إلا بطرد كل شيوخ التطرف والوهابية والسلفية من حياتنا وإعطاء الفرصة كاملة للإسلام الحقيقى الذى لا يفرق بين عربى أو أعجمى إلا بالتقوى، ولا بين امرأة ورجل بالطبع والضرورة، ولكن بعدما نص الدستور على عدم شرعية تاسيس أحزاب على خلفية دينية تؤسس أحزاب وبعدما أعلنت الدولة أنها تحارب الإرهاب، لا تجفف منابعه بمنع شيوخ التطرف من الدعوة ومن الإعلام والزوايا والمساجد، فإنه أمر يتساوى عندى بمن يغتال بناته غدرا باسم جريمة الشرف وينتظر حكما مخففا وتصفيق حادا!
من ذلك الماء الآسن، جاءت تلك العقليات المريضة!
------------------
بقلم: وفاء الشيشيني