28 - 03 - 2024

مأزق حمدوك الخاص والعام

مأزق حمدوك الخاص والعام

غالبية المؤشرات المحيطة بالدكتور عبد الله حمدوك تومئ على أنه ليس خياراً سيئاً. التحدي الأكبر أمام الرجل يتجسد في قدرته على إثبات أنه خيار جيد إن لم يكن ممتازاً. هو يأتي مسبوقاً برياح من الإطراء المشبّعة بسحائب الخبرة ومكللاً بباقات من الإشادة المعززة بسندات التأهيل في مدارات خارجية. إذ يعود الخبير الإقتصادي إلى الوطن فإنه يهبط الخرطوم وسط  عاصفة من الرهانات بتحقيق مكاسب على الصعيد الوطني بإدارته في ضوء تجربته الإقليمية العريضة. تلك مؤشرات وضعته محط إختبارات وتحديات ذاتية خاصة وشعبية عامة.

رئيس الوزراء المكلف يلج بحراً متلاطم الأمواج في ظروف مناخية ليست مواتية لإبحار سلس. في الوقت نفسه يضج الرصيف بحشود من الواقفين والمتسكعين عليه تطلعاً، ترقباً أوتربصاً. أعباء ثقال ملقاة على كاهل الرجل. هو يواجه إمتحانات قاسية متعددة المصادر والمناهج يطالبه شعب متعدد المنابت، الرؤى والأهواء بنجاح باهر في زمن ضيق متراكب. لا أحد من بين كل المحتشدين له الصبر لمنح الرجل فرصة من مثقال ذرة لتبرير التلكؤ أو التعثر في تقديم إجابات حاسمة ونهائية على الأسئلة الوطنية العالقة.

ما من أحد مهموم بفرص التجانس بين أعضاء فريق حمدوك المطالب ببلوغ القمة. في مباراة شرسة ضد الزمن. قدرات أعضاء الفريق تصبح بالضرورة ضمن مسؤولية الرجل رغم مصادرة حقه  المشروع في الإختيار الحر المتاح أمامه أو المفروض قسراً. كل طيف اليمين لن يقنع بحنكة كارل شميت "السياسة فن التمييز بين العدو والصديق". كما لن ينتفع حمدوك أمام اليسار بحكمة لينين "السياسة فن الممكن". كلاهما يتناسيان عمداً مع سبق الإصرار ان إدارة حمدوك الهجين تصارع دولة أخطبوطية غير مرئية على أرضية رثّة متهالكة.

من يذكًر هؤلاء وأؤلئك أنها ليست حكومة طليعة ثورية، كما هي ليست مجموعة متسقة القناعات والقدرات على مغالبة الضغوط أو المصادمة. بل فلاحها الآني يتحقق في مدى قدرتها في النجاح من أجل إستكشاف مفاصل قواها ومهابط ضعفها داخل بناها الذاتية بغية العمل بروح الفريق الموحّد.

غدا يتناسى كل المتصارعين على مقاعد السلطة التنفيذية أننا نرث دولة استباحت المؤسسات العامة حد تحويل عديد منها ملكية خاصة. هي دولة بددت إمكانات الإلتزام الوظيفي كما جففت ضمير النزاهة المهنية داخل دولاب الخدمة المدنية. غالبية الشعب ظل أسيراً لماكينة إعلامية كل غاياتها تسويق كارريزما القائد الزائفة بديلاً لتكريس المؤسسية على كل المستويات.

سؤال الساعة أمام حكومة الثورة الأول يتمثل في من أين يبدأ العمل؟

ربما يتشكل التحدي الجوهري للعهد الجديد في إنجاز مزدوج على مساري التحرير والتعمير. تحرير الدولة من ربقة السلطة الثيوقراطية الأوليغارشية مؤججة النعرات الضيقة، تحرير الوطن من النزاعات المسلحة، تحرير السياسة العامة من منهج إعتماد الآليات الأمنية في المعالجات السياسية والإقتصادية. هناك حاجة ملحّة لتحرير الشأن الثقافي من الهيمنة السياسية. ليس المهم في هذه المرحلة الإنشغال بمسألة فصل الدين عن الدولة بل الأهم التركيز على قضية المزاوجة بين الدولة والعلم بغية إستهلال مشواراللحاق بعصر الإقتصاد الرقمي.

إذا تجمّل الحراك الجماهيري الواعي صانع الثورة بالأناة، فإن جمهور الشعب المتعطش لرؤية أحلام التغيير واقعاً لا يملك طويلاً من حبال الصبر. ثمة عناصر متربصة تسعى حتماً للإستثمار في الهامش بين القدرة على الإنجاز وبطء التنفيذ. على حكومة حمدوك الوعي المبكر بأنها ستواجه موجة من الحملات المطلبية العاجلة. من غير إحداث تقدم على الجبهة الإقتصادية لا جدوى للحديث عن التحرير. المشهد السوداني يعج بالمظاهر السالبة بدءً من اهتراء البنى التحتية مروراً باستفحال بؤر البؤس وإنتشار جيوب الأمراض انتهاءً بتكدس البطالة.

على منظمات العمل المدني بما في ذلك النقابات المهنية التحلي بوعي يكبح تطلعاتها لجهة تحسين الوضع المعيشي على نحو يخفف الوطأة على الإدارة الحكومية ذات الأرضية الهشة. من المفترض أن لدى طاقم حمدوك الحد الأدنى من إرادة إحداث تغيير جذري في حياة العباد. لكن القدرات الموروثة من العسكر ورجال الأعمال في عهد الإنقاذ لا يعين على تثوير حياة الناس في حيز زماني مثقل بالأعباء الحياتية اليومية. من المهم في بدايات هذه المرحلة الإنتقالية إعادة بناء وترميم الطبقة الوسطى من منطلق قناعة بأهمية دورها في قيادة التغيير المرتقب على نحو آمن سلس. صحيح للشعب عامة بما في ذلك الفقراء حقوق على الدولة في الطعام، العلاج، السكن، التعليم، والأمن، لكن الطبقة الوسطى القائدة وحدها تملك إقناع الشعب بجدولة التطلعات. 

لحمدوك وحكومته بما تطرح وتؤدي القدرة على استقطاب محاور الطبقة الوسطى.
---------------------
بقلم: عمـر العمـر

مقالات اخرى للكاتب

حرب الفجار النتنة





اعلان