20 - 04 - 2024

على جدران زنزانة "حسام"

على جدران زنزانة

في متاهات الدروب الخانقة، والأفكار الحبيسة، والكلمات المحاصرة، وبين خطواتنا المترددة أو المرتعشة، وعيوننا التي تعجز أحيانا عن رؤية الطريق أو لملمة النور ، ووسط مرارة الهزيمة، تراه قادما من بعيد بابتسامة هادئة واثقة مطمئنة، يحاول أن يمنحنا بعضا من الصبر وكثيرا من الأمان..

بحسابات "الأمل" لن تجده رقما مهملا، بل قيمة ملهمة، مؤتمنة على الأفكار والأحلام، وبحسابات الوطن لن تراه إلا مسكونا بهموم الناس وبحلم الغد، يخطو ويتحرك ويدرس ويفكر ويثابر، فما ننتظره ونطمح إليه يستحق،في تقديره، كل هذا العناء..

عند "افتراق الطريق" يطالبنا بأن ننظر للأمام على "شمس أحلامنا" التي ينتظرها كما انتظرتها أجيال كثيرة "لتشق السحاب الغميق"، وربما ليست الصدفة وحدها التي تجعل هذه الأغنية هي المفضلة لنفسه، بل هي رسائل الإلهام والأمل ورفض الهزيمة تتجلى في كلمات وموسيقى تعزف لحن الحياة لهؤلاء الذين يحبون الحياة ويتمسكون بها في مواجهة أعداء الحياة!

الأكيد أنه ليس مجرد صديق أو ورفيق للدرب والرحلة، بل هو "المؤنس" لوحشة الطريق، وشعاع النور وسط العتمة الخانقة، وحامل لواء الإيمان بالغد القادم الذي هو أجمل كما يراه ..كنت أقرأ ما يكتب لينتعش بداخلي الأمل ويحلق عاليا، فلم يكن يكتب إلا روحه، ينسج الواقع بالحلم، ويمزج الألوان الداكنة بأخرى زاهية بهية حالمة تجبرك أن لا تلعن الظلام فقط بل أن تشعل شمعة للقادم الذي نقف في انتظاره..والذي كان يؤمن به بيقين لا يهتز ..

......

بروح المناضل والكاتب والصحفي الذي يحارب الظلم والظلام وينشر بثبات مذهل عطر الأمل، رأيته في قيوده وفي التحقيقات التي تتهمه بكل ما لا يمكن تصديقه، كان ثابتا وحرا رغم القيود، واثقا في نفسه وفي أفكاره، كان بصلابته يضع الذين قيدوا حريته في ورطة، فلا اهتز ولا خاف ولا تردد، تمسك بكل ما يؤمن به، وسخر بلغة بليغة من اتهامات وتقارير عبثية وضعها ضابط وهو يجلس في مكتبه المكيف لتضيع أعمار البشر وسط عتمة الزنازين..

أثق الآن أن جدران زنزانته تمتليء بكل معاني الأمل، وبكل شعارات الميادين التي حررها الناس لمدة ١٨ يوما، وبكل هموم البسطاء التي كان يحملها بداخله دون ملل، أثق أن جدران زنزانته الآن هي لوحة تعكس واقعا نحياه، تسخر وتغضب وتنتقد، أثق أن طاقة الحرية بداخله، وكتاباته المنثورة على الجدران الكئيبة هي خارطة الطريق لكل من ينتظر، فأمثاله هم من يطرحون خارطة الطريق حتى ولو كانت، للمفارقة، خارطة مرسومة على جدران الزنازين لتظل حبيسة مع أصحابها إلى حين!

الآن ترتسم أمامي صورة الزنزانة الكئيبة فتثير بداخلي الغضب، ولكنني، معكم، أتأمل وأتخيل المكتوب على جدران زنزانة "حسام مؤنس"، فيزيد إحساسي بالارتياح، رسائل تحمل إلينا البشارة، وتنبئنا ،رغم الألم، أن الفجر ينشر خيوط النور ويجبر الظلام على الرحيل، وأن الغد القادم ليس وهما بل حق وحقيقة، حقيقة ربما نتخيلها الآن وهي ترتسم على جدران الزنزانة ولكننا سنراها بالتأكيد قريبا وهي "تشق السحاب الغميق".. هذه رسالة حسام إلينا كما أراها وكما أصدقها ..

------------

بقلم: عمرو بدر

مقالات اخرى للكاتب

نقابة الصحفيين.. المبنى والمعنى





اعلان