10 - 05 - 2025

مؤشرات| بأي ذنب قتلت؟!

مؤشرات| بأي ذنب قتلت؟!

"يأخدوا الـ100 ألف ويرجعوا أمي وأبويا" تلك الكلمات جاءت على لسان العروس نعمة طارق شوقي، التي لقي 17 من أهلها مصرعهم في الحادث الإرهابي أمام معهد الأورام، وذلك في ردها على أسئلة الصحفيين، وفي روايتها على موقع التواصل الإجتماعي "فيس بوك" حول الحادث وتصريحات المسؤولين.

كلمات "نعمة" تحمل الكثير من الدلالات حول الكارثة التي ارتكبها إرهابيون مارقون في جريمة ضد الإنسانية، ويستحقون عليها أغلظ الأحكام، والقصاص الفوري، لأنهم قتلوا أنفسا لا تعرف بأي ذنب قتلت، ونحسبهم عند الله شهداء.

ولكن هناك قضية أهم لا يمكن التغاضي عنها، وتتعلق بحالة يبدو أن عنوانها العريض "فراغ أمني" بل ربما إهمال، خصوصا أن السؤال الذي يطرح نفسه كيف لهؤلاء المجرمين أن تواتيهم الجرأة ليسيروا في شوارع العاصمة بسيارة مسروقة ومُبلغ عنها من شهور طويلة، بل وكيف جمعوا هذا الكم من المتفجرات، ومن أين حصلوا عليه، وكيف لهم أن يسيروا بهذا الأمان في مناطق من أهم نقاط القاهرة.

الحادث جلل وضخم، وراح ضحيته 22 مواطنا من الأبرياء، وأصيب ما يزيد عن 40 أخرين، ساقهم قدرهم أن يكونوا في موقع الحادث لحظة وقوعه، بل هناك متضررون أخرون من نزلاء معهد الأورام.

ولا يمكن أن يمر الحادث هكذا دون محاسبة، خصوصا فيما يتعلق ما يمكن أن وصفه على أقل تقدير، "إهمال في المتابعة"، في ظل المعلومات المؤكدة أن الإرهابيين غيروا كثيرا من توجهاتهم وخططهم، في نقل أعمالهم الخسيسة من سيناء والمناطق الحدودية إلى المناطق والمدن الأكثر ازدحاماً، بهدف إثارة الفوضي والذعر بين الناس، بل ربما لإثبات الوجود، والقول بأنهم أقوى من الدولة.

وهنا يأتي الخطر الذي يجب أن نقف عنده، والرد عليه بالفعل وليس بمجرد القول، وأعرف جيدا أننا كشعب ودولة نحارب عدواً كالشبح، لا يظهر إلا في الظلام مثل الخفافيش، ولكن أن يكون هناك إهمال، أو يأتي من يقول من هؤلاء الإرهابيين "نحن هنا وأقوى منكم"، فالأمر يحتاج لمحاسبة ومراجعة لكل الخطط الأمنية، التي لا شك أن بها أخطاء، وشروخ، كانت سببا أن يتسرب منها هؤلاء، وينفذون منها إلى حياتنا، ويقتلون، ويعيثون فساداً وإفسادا في الأرض.

في حادث مثل هذا، تقال حكومات، أو يستقيل وزراء ومسؤولون، وقد يقول قائل ماذا ينفع أن يقال أو يستقيل وزير في مثل هذا الأمر؟!، والرد أن القضية ليست في الإقالة أو الإستقالة، بل في التأكيد بأن هناك خطأ وإهمال وقع، وأن هناك اعترافا بهذا الخطأ، فهذا يخفف من آلام الناس، ثم يعطي رسالة لكل مهمل أن هناك محاسبة عن الخطأ الذي ينتهي إلى كارثة.

الحساب مطلوب ومهم جدا في كارثة "معهد الأورام"، وحتما هناك نقاش ومراجعة، وأعلم جيدا أن هناك تعنيف شديد جرى في الإجتماعات المغلقة، ولكن يبقى أن تخرجوا على الناس لتقولوا فلان أخطأ وهذا عقابه.

صحيح أن هناك جهد مبذول في مكافحة الإرهاب وضد مرتكبي العمليات الإرهابية، وفي المتابعة والملاحقة التي تجري عقب كل حادث، وأخرها جريمة "معهد الأورام"، والتي انتهت بتحديد شخصية الإرهابي مرتكب الحادث، لكن يبقى ما ينتظر الناس لمنع تكرار تلك الجرائم، خصوصا أن الصلاحيات متاحة وفي أعلى مراحلها ودون معوقات، وهناك اجماع من كل الشعب على اتخاذ كل ما هو متاح للقضاء على هذه الخلايا التي تأكل الوطن.

ومن النقاط المهمة، تلك التي قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسي، عندما انحاز إلى الحقيقة بعد ساعات طويلة من التخبط في إذاعة المعلومات، وإصدار البيانات والتصريحات حول طبيعة حادث معهد الأورام، رغم أن الأمر كان واضحا منذ البداية وتشكيك الناس في كل الراويات الرسمية ليلة الحادث وصباح اليوم التالي ساعات ممتدة فيما بعد الظهر، إلى أن أعلن الرئيس تغريدته، التي وضعت الأمور في نصابها.

ويبقى أن نرى بوضوح وبشفافية، توضيحا ومحاسبة لكل من أهمل وقصر في حق هذا الشعب وهذا الوطن، ولماذا ظل هذا التخبط في تسريب المعلومات المغلوطة عن الحادث وحوله، فالمحاسبة والشفافية مطلوبة وبجدية، فهناك أبرياء ذهبوا ضحية تقصير هذا وإهمال ذاك
--------------------
بقلم: محمود الحضري
من المشهد الأسبوعي .. غدا مع الباعة

مقالات اخرى للكاتب

مؤشرات | ثقوب مميتة من حادث غاز الواحات والبنزين المغشوش