20 - 04 - 2024

إعلام صامت و35 مليون صحفي

إعلام صامت و35 مليون صحفي

في عصر الـ 35 مليون صحفي مصري، تصبح أضرار السيطرة الحكومية الخانقة المباشرة وغير المباشرة على الإعلام الرسمي بشقيه الحكومي والخاص، أكبر بكثير من منافعها. هذه الحقيقة أكدها حادث الانفجار الذي وقع مساء الأحد الماضي في محيط معهد الأورام بالقاهرة، عندما سبقت مواقع التواصل الاجتماعي ومستخدموها كل وسائل الإعلام، ثم لحقت بها وسائل الإعلام الأجنبية، في حين غابت وسائل الإعلام المصرية عن المشهد انتظارا لوصول التعليمات والتوجيهات التي تحدد نوع ونطاق التغطية.

التغطية الإعلامية المصرية للحادث أكد المثل الشعبي أن "كل شيء يزيد عن حده ينقلب لضده". فالمسئولون عن "مصر الجديدة" أرادوا السيطرة على منظومة الإعلام في البلاد لضمان "حسن سير وسلوك" الإعلام في "هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها البلاد". وربما كان لهذه الفكرة في البداية بعض الوجاهة، لكن ما حدث أن هذه السيطرة زادت بشدة، حتى فقد الكثير من الإعلاميين ووسائل الإعلام المصرية القدرة على التحرك والتفاعل مع الأحداث، انتظارا للتعليمات التي قد تتأخر لسبب فلا يجد المواطن المصري بل والأجنبي إلا وسائل الإعلام الأجنبية المعادية منها والصديقة، ووسائل التواصل الاجتماعي غير المنضبطة ولا الخاضعة لأية معايير، لمتابعة ما يحدث في مصر.

ما حدث يحتم إعادة النظر في مفهوم السيطرة الحكومية على وسائل الإعلام الحكومية والخاصة في مصر، خاصة بعد أن تأكد للجميع أن تغييب هذه الوسائل عن تغطية الأحداث الكبرى يترك الساحة مفتوحة تماما أمام وسائل الإعلام الأجنبية ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي للسيطرة على المشهد و"ركوب الحدث" وتوجيهه في اتجاهات قد لا تخدم بالضرورة الدولة المصرية.

إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء تقول إن مصر فيها نحو 35 مليون مستخدم لموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" وهو ما يعني أن مصر فيها 35 مليون إعلامي محتمل، قادرين على تصوير ما يحدث على الأرض وبثه مباشرة، مع إضافة اللمسة الخاصة لكل مستخدم وفق أجندته أو أفكاره أو حتى فهمه للأمور

وما حدث مع انفجار محيط معهد الأورام، يؤكد هذه الحقيقة، حيث كانت وسائل التواصل الاجتماعي هي الأسبق في التغطية والبث، وفي نفس الوقت هي الأسبق في نشر الأخبار غير الحقيقية والمعلومات غير الدقيقة والتفسيرات المضرة، ولكن الناس استقبلت، وتقبلت كل هذه الأخبار والمعلومات والتفسيرات في ظل غياب أي تغطية إعلامية رسمية منضبطة للحادث على مدى ساعات طويلة.

حقائق الواقع تؤكد أن السيطرة على مؤسسات الإعلام، بهدف حماية الدولة والمجتمع من "الفوضى الخلاقة" كما يروج البعض، ستؤدي حتما إلى تجريد المجتمع من حائط صد لا غنى عنه في مواجهة وسائل إعلام خارجة عن أي سيطرة ومتحررة من أي ضوابط وطنية أو قانونية أو حتى اجتماعية مما يفتح الباب واسعا أمام فوضى مدمرة.

المأساة أن غياب الإعلام المصري عن المشهد في تغطية حادث محيط معهد الأورام وغيره من الحوادث المماثلة لم يكن نتيجة نقص في إمكانياته ولا لضعف في قدرات الإعلاميين والصحفيين المصريين، وإنما نتيجة آليات إدارة المنظومة الإعلامية التي حرمت هؤلاء الإعلاميين من القدرة على التحرك والتفاعل مع الأحداث.

إعادة النظر في آليات إدارة المنظومة الإعلامية بات أمرا ملحا في ضوء التجارب الأخيرة حتى يمكن للإعلام المصري إعادة تصدر المشهد وقيادة الرأي العام وتوجيهه بما يتفق مع استراتيجيات الدولة ومصالحها العليا.
--------------------
بقلم: أشرف البربري

مقالات اخرى للكاتب

إعلام صامت و35 مليون صحفي





اعلان