كنت عائدا في تاكسي إلى بيت أمي في المنيل، حيث أقيم، عندما حدث الانفجار على خط مستقيم معي تماما، وعلى مسافة أمتار.
هناك طريقان للعودة إلى البيت: إما الاستمرار على الكورنيش ثم الدخول يمينا إلى المنيل بجوار كوبري الملك الصالح، أو الدخول من كوبري صغير مقابل معهد الأورام، ومنه إلى شارع البحر الصغير. أمس، ولحكمة لا أعرفها، ما زلت حيا بفضلها، اخترت الطريق الثاني. كنت صامتا طوال الطريق تقريبا، ولم أتكلم مع السائق إلا لتوجيهه إلى طريق البحر الصغير. دخلنا يمينا، ثم يسارا، عندما كنت أبرر له اختياري، وهو الازدحام الخفيف على طريق الكورنيش.
في هذه اللحظة، وبعد ثوان من اجتياز المطب الصناعي الأول في شارع البحر الصغير، وهو مطب يجعل السيارة شبه متوقفة، سمعت صوت شرر على اليسار في اتجاه النيل الصغير، فنظرت. كان الشرر يشبه ذلك الذي ينطلق من الألعاب النارية قبل صعودها إلى السماء، فاعتقدت أنها ألعاب نارية. بدا لي أن هذا الشرر على ضفة النيل القريبة مني، ولكنني للحظة اندهشت لأنه لا يوجد في هذه الضفة سوى منشات قليلة، لا تقام فيها احتفالات.
في أجزاء من الثانية، تحول الشرر إلى انفجار ضخم هز كل شيء حولي، ووجدت نفسي والسائق وسط كتلة من الدخان والحطام المتطاير. عادة ما أتماسك في وقت الأزمة، ثم أنهار بعدها، وربما كان هذا ما أنقذني أنا والسائق، إن لم يكن من الانفجار، فمن الحطام المتطاير. سمعت صوت زجاج يتكسر ويتطاير، فأدركت أنه زجاج النوافذ، أو السيارات، أو خطام سيارتنا. توقف السائق للحظة مرددا: "إيه ده؟ إيه ده؟ إيه ده؟". اعتقدت أننا أصبنا، لكنني طلبت منه أن يواصل القيادة إلى أن نخرج من الدخان، ونصل إلى مكان بعيد عن الحطام. حميت رأسي بيدي، وأنحنيت لأتجنب ما قد يدخل من نافذة السيارة، وواصلت توجيه السائق، وتحفيزه على المواصلة. لم يكن هناك دم على الأجزاء الظاهرة من جسدي، فنظرت إلى السائق، ولم أر دما. قلت له: "انت سليم، لكن خلينا نقف لما نخرج من الدخان، ونتطمن على نفسنا أكتر". كان لا يزال داخل الصدمة، مثلي تماما. قال: إيه ده يا أستاذ؟ إيه ده؟"، وظللنا نردد معا عبارات الحمد والشكر لله، فيما كنت أنظر بين حين وآخر لجسدي وجسد السائق، لأتأكد أننا فعلا بخير، ثم ألتفت إلى الوراء، حيث يتصاعد اللهب في موضع لم يكن محددا لدي، لأتبين إذا ما كنا قد ابتعدنا بمسافة آمنة.
في عكس اتجاهنا، كان الناس يجرون نحو الانفجار، متسائلين عما حدث. انطباعي الأول أنه انفجار عبوة ناسفة، أو سيارة مفخخة. كان هذا انطباعي في لحظة الانفجار والدقائق التي تلته، وهو الانطباع الذي لم يتغير كثيرا، بعد أن وصلت سالما إلى البيت، وأصبحت متصلا بالإنترنت، لأكتب أنني نجوت.
على السرير، وجدتني منهارا تماما، غير مصدق أنني ما زلت حيا، وحاولت أن أتمالك أعصابي لأفحص بقية جسدي، إلى أن تأكدت أنني لم أصب في أي جزء.
لم تكن دقائق طويلة قد مرت ( ربما استغرق هذا كله ١٠ دقائق أو يزيد قليلا)، فكتبت على فيسبوك وتويتر أنني نجوت. وكان هذا بالنسبة لي هو الخبر. وعلى الموقعين، كانت الأسئلة تلاحقني عن التفاصيل والمعلومات.
أرجوكم، لا تسألوا ناجيا عن التفاصيل، حتى لو كان صحفيا.
-----------------------
بقلم: ياسر الزيات