20 - 04 - 2024

وقِّعْ يا كلب وقِّعوا يا...

وقِّعْ يا كلب وقِّعوا يا...

 لم تعد القضية الفلسطينية تحتمل التنظير والمداهنة والمزايدات والدبلوماسية من قبل العرب والفلسطينيين والعالم، ولم يعد الفلسطينيون قادرين على الصبر والقبض على الجمر والعض على الجراح، فالقضية في العناية المركزة منذ سنوات، وما يجعلها حية سقوط شهداء بين كل تدمير بيت وآخر، وبين كل نفيٍ لرجل أو لطفل وآخرين، وما يجعلها على قيد الحياة هؤلاء اللاجئين الذين يعيشون منذ سبعين عاماً حياة مزرية بيئياً واقتصادياً وسياسياً واجتماعياً.

رغم ذلك لا يزال الخجل يغيب عن وجوه تدّعي أن القضية الفلسطينية هي قضية العرب المصيرية! ولا تزال جامعة الدول العربية تزج بالبند ذاته الذي يؤكد على حقوق الشعب الفلسطيني وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية! بلا خجل تقسّم الجامعة مدينة القدس، وتمنح نصفها للصهاينة الإرهابيين، وتتوسط بين الصهاينة والفلسطينيين عند كل أزمة أو مذبحة؛ وعند كل شروع في إبادة أهل قطاع غزة بذريعة الإرهاب وضمان أمن الدولة الإرهابية

كيف يمكن للقضية الفلسطينية أن تكون قضية العرب المصيرية وهم يمارسون عليها الضغط في الجهر والخفاء (وقِّع يا ابن الكلب، وقِّع يا ابن العاهرة..)، هذا ما صرخ الرئيس المخلوع حسني مبارك وفق ما ذكره شيمون بيريز في لقاء تلفزيوني وهو يتحدث عن اتفاقية القاهرة وحين رفض ياسر عرفات التوقيع على الخرائط المزورة

كيف يمكن أن تكون قضية مصيرية وقد صمتت الجامعة والعرب عن إبادة المقاومة الفلسطينية في العام 1970 على أيدي الجيش الأردني، وظلت تراقب إلى أن تدَخّل الرئيس جمال عبد الناصر في اللحظة الأخيرة لإنقاذ ياسر عرفات، ياسر عرفات ورفاقه فقط

كيف لها أن تصبح قضية العرب المصيرية وقد كمموا أفواههم في العام 1982 وهم يرون بيروت محاصَرة من قِبل الجيش الإسرائيلي الذي قصفها بوحشية لم يشهد التاريخ مثلها، وتدَخّل العرب قبل صعود الروح إلى بارئها؛ وأنقذوا ياسر عرفات مع ثُلة من المقاتلين لتبدأ رحلة التنازلات، وتُتوج باتفاقيات أوسلو المشينة المهينة المذلة

كيف صارت قضية العرب المصيرية وقد صمتت الجامعة العربية لأيامٍ بينما اللاجئون الفلسطينيون يتعرضون للمذابح والإبادة في مخيمات صبرا وشاتيلا، وقبلها صمتوا وغضوا الطّرف عن مذابح تل الزعتر، كما أعموا عيونهم عن حصار المخيمات في لبنان مدة ستة أشهر حتى أكل الفلسطينيون القطط وأوراق الأشجار وشربوا المياه الملوثة

كيف يمكن للقضية أن تكون قضية العرب الأولى وقد تركوا اللاجئين لمصائرهم الدموية؛ فذبّحوا على يد داعش وأخواتها الذين يدّعون الإسلام، وقبْلها تُركوا على الحدود الليبية المصرية لشهور حين طردهم العقيد المسحول القذافي نكاية بياسر عرفات

كيف يمكن أن تكون فلسطين قضية العرب المركزية ويُمنع الفلسطيني من دخول معظم العواصم العربية، ويتعرض للاستجواب فقط لأنه فلسطيني

وحتى نكون ناقدين موضوعيين، نقول إن القضية الفلسطينية لم تكن أيضاً القضية المركزية والمصيرية للتنظيمات الفلسطينية في السابق، تلك التي لم تتعامل مع الفلسطينيين كشعب يجب تنميته نضالياً واجتماعياً واقتصادياً وإنسانياً، وأفشتْ بينه التحزّبات والضغائن والجهل والكراهية، فقتَل بعضه بعضاً للوثة العظمة في نفوس القيادات؛ أو لمؤامرات قادوها بأنفسهم

كيف يمكن أن تكون القضية مركزية والفساد والمحسوبيات تنخر مؤسسات السلطة الوطنية في رام الله وقطاع غزة؟

كيف يمكن أن تكون مركزية ومصيرية والمجتمع الفلسطيني لا يعرف الديمقراطية، بل صادرتها السلطة حين فازت حركة حماس في الانتخابات التشريعية في العام 2006 وحصلت على 76 مقعداً يؤهلها لتشكيل الحكومة

كيف يمكن أن تكون فلسطين قضية مركزية للفلسطينيين بينما الانقسام قائم منذ سنوات بين الضفة والقطاع؟

نقدُنا الذاتي سيقود البعض للقول بأن الفلسطينيين أنفسهم لا يعتبرون قضيتهم مركزية فلماذا يعتبرها العرب كذلك؟! ونقول إن القضية الفلسطينية قضية عربية في الأساس، والخلل الموجود في المجتمع الفلسطيني يعود للخلل القائم في السياسات العربية وتراجعاتها وترك الفلسطينيين لمصيرهم

كنا نتمنى أن يظهر زعيم عربي واحد ويقول لياسر عرفات (لا تُوقِّع؛ ونحن وراؤك)، لا أن يظهر زعيم أكبر دولة عربية صارخاً: (وقِّع يا كلب)

 أخشى أن يداهمنا يوم -ويبدو أنه أقرب من حبل الوريد- حين يأتينا السيد كوشنر ويقول للعرب: (وقِّعوا يا .....)، عندها ستخرج القضية الفلسطينية من العناية المركزة إما إلى المقبرة وإما إلى الشوارع والقصور لتقطع أيادي الموقِّعين، وتحرق قصور الخونة من الطرفين.. العربي والفلسطيني.
-------------------
بقلم: أنور الخطيب
شاعر وروائي فلسطيني

مقالات اخرى للكاتب

شارون بعد أم هارون!؟





اعلان