26 - 04 - 2024

وجهة نظر منحازة.. الكاتب "مايكل بيكلي": هيمنة أمريكية بلا منازع حتى نهاية القرن!

وجهة نظر منحازة.. الكاتب

تمثل 5% فقط من سكان العالم؛ ومع ذلك تستحوذ على 25% من ثرواته وتنفق 40% من إجمالي الإنفاق الدفاعي.

هناك توقع بأن الهيمنة الأمريكية على العالم ستظل حتى نهاية القرن الحالي؛ لأنها تمتلك أفضل القدرات العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية، بل وتستحوذ على ربع ثروة العالم، وتنفق ثلث ما ينفقه على البحث والتطوير، وبها أفضل الجامعات وأربح الشركات، كما تعد البحرية والجوية الأمريكية أقوى من الدول العشر التالية لها مجتمعة، وأن الصين رغم كونه بلد ضخم إلا أنه غير كفء؛ وقواته فقيرة التدريب ويحتاج إنفاق كثير للحفاظ على نموه المبهر.

تُرى كل ما سبق توقعات لكاتب منحاز لبلده؟ أم أن الحقائق والأرقام التي أوردها تجعلها حقيقة لا مفر منها؟ وهل يعني ذلك أن الحقائق غير قابلة للتغيير أو المفاجآت؟ الإجابات يتضمنها الكتاب الذي نحن بصدده هو: "بلا منازع: لماذا ستبقى أمريكا القوى العظمى الوحيدة بالعالم"، والكاتب د. "مايكل بيكلي" أستاذ العلاقات الدولية والعلوم السياسية بالجامعات الأمريكية؛ وصاحب مؤلفات ومقالات وبحوث في أهم مراكز البحث والتفكير بواشنطن.

لا شك أن الكتاب مثير للجدل، خاصة وأن يدحض فكرة المنحازين لنظرية "تراجع القوة الأمريكية"، وذلك من واقع حقائق وإحصاءات علمية معلوماتية دقيقة وموثّقة، إذ يرى أن الولايات المتحدة تمتلك أعمدة القوة العالمية ممثلة في: القوة الاقتصادية والعسكرية والناعمة، مدللاً على ذلك بكون تعداد سكانها يمثل 5% فقط من سكان العالم؛ ومع ذلك تستحوذ على 25% من ثروة العالم؛و35% من عمليات التحديث والتطوير؛ كما تنفق 40% من إجمالي الإنفاق الدفاعي على الكرة الأرضية.

"عصر قطبية أحادية عميقة" مصطلح أطلقه المؤلف استناداً إلى بحوث ودراسات دولية موثقة؛ فإن أمريكا هي موطن 600 شركة من بين أكثر من 2000 شركة كبرى رابحة عالمياً، ويوجد بها 50 جامعة من بين أفضل 100 جامعة بالعالم، وهي البلد الوحيد الذي يستطيع خوض غمار حروب ضخمة بعيدة عن حدودها، وهي الوحيدة كذلك التي يمكنها توجيه ضربة عسكرية في أي مكان على سطح الكرة الأرضية خلال ساعة زمنية واحدة عبر قواعدها العسكرية البالغ عددها 587 المنتشرة في 42 بلداً على ظهر البسيطة؛ وإن كان مصطلح الأحادية القطبية لا يعني كل عناصر القوة وإنما يعني ببساطة  امتلاك ضعف ما تملكه أي قوة اخرى منافسة.

وإذا كان علماء الاجتماع يرون وجود دورة حياة للبلدان كما الإنسان تماماً؛ أي كما تقوى الدول لابد لها من انهيار وانحدار مثلما انهارات الإمبراطورية البريطانية والفرنسية والنمساوية والمجرية؛ فإن الكتاب الذي بين يدينا ينفي أن يكون مصير الإمبراطورية الأمريكية المحتوم هو ذاته مصير تلك الإمبراطوريات الفائتة، فقوانين التاريخ - من وجهة نظر ه- لا تنطبق على أمريكا؛ لأنها تتمتع بمزايا جغرافية وسكانية ومؤسسية تجعلها في وضع "جيوسياسي" بالغ الأهمية؛ مما يؤهلها للتفوق على خصومها المحتملين.

ويفند الكاتب بعض الهزائم التي تعرضت لها أمريكا؛ فيرى أن الفيتناميين هزموها بسبب قدرتهم على تحمل المعاناة وليس لكونهم الأقوى، تماماً كبريطانيا الأفضل كفاءة وتطويراً حال هزيمتها للصين الأكبر اقتصادياً وعسكرياً، أما روسيا فلا يراها مؤهلة لمنافسة بلاده لا من حيث الحجم ولا من حيث الكفاءة، وعلى هذا يصبح منهج قياس القوة بالنتائج يقود إلى استنتاجات خاطئة، فدولاً ضعيفة يمكن أن تهزم خصوماً أقوى منها عبر اتباع استرتيجيات ذكية؛ أو من خلال قدرتها على تحمل أثمان باهظة، والعدد الضخم من السكان لا يعني إفراز قوة عظمى بشكل تلقائي؛ لأن السكان وإن كانوا يساهمون في إنتاج المصادر والموارد إلا أنهم في عين الوقت يستهلكونها أيضاً؛ فلا يتبقى إلا قليل من المصادر التي يمكن أن تحقق نفوذ عالمي أو بناء قوة عسكرية.

ويلمح إلى دراسات عسكرية تشير إلى أنه كلما زاد نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي لدولة ما كلما كانت قوتها العسكرية أكثر كفاءة في ميادين القتال؛ وذلك لأن الاقتصاد المدني النشط يساعد الدولة على إنتاج أسلحة متطورة؛ وتوفير تدريب متقدم لقواتها العسكرية؛ وعلى إدارة نظم عسكرية معقدة.. وعلى هذا يكون الاهتمامبحساب صافي الثوة الاقتصادية والإمكانات العسكرية وليس بإجمالي قدراتها، ثم يعرج الكاتب ليدلل على صحة استدلاله بحرب اليابان ضد الصين، وألمانيا ضد روسيا، وأمريكا ضد الاتحاد السوفيتي الذي خرج من التصنيف العالمي بعد الحرب العالمية الأولى.

ومن هنا يمكننا النظر -على حد تعبير المؤلف- للفترة بين 1839 وحتى 1911 حين بدت الصين كقوة عظمى لاستحواذها على أكبر ناتج إجمالي محلي بالعالم وأكبر قوة عسكرية حتى نهاية 1890 وثاني اكبر ناتج محلي وثاني قوة عسكرية بالعالم؛ إلا أن الصين عانت خلال ذات الفترة بما يوصف بالأدبيات العالمية بـ " قرن الخزي والإذلال"؛ حيث خسرت مساحات ضخمة من أراضيها خلال 12 حرباً خاضتها وخسرتها جميعها؛ ومن بينها حرب "الأفيون" مع بريطانيا، وكادت تحدث مجاعة في "بكين"، وانتهت بتاجير "هونج كونج" إلى بريطانيا التي احتلت أكبر موانئ الصين ومدينة تجارية هامة.. كل هذا يعود لانشغال الصين بقمع تمرد محلي أسفر عن قتل 20 مليون شخص على أقل تقدير؛ أي أن الأمن الداخلي والإنفاقات والاحتياجات الاجتماعية جعل بكين لا يتوافر لها سوى القليل للدفاع عن أرضها.. إضافة لتعداد الصين الضخم واحتياجاته من طعام وملبس ومسكن؛ وحدودها المترامية الأطراف والتي هي بحاجة بدورها إلى تكاليف أمنية باهظة.

وعن الصين يفرد لها الكاتب عشرات الصفحات من مؤلفه، ويلمح إلى اجتذاب أمريكا لآلاف المتميزين الصينيين فيما أسماه بـ "نزيف العقول الصينية"، مشيراً إلى ثلث سكان الصين الذين سيصلون إلى سن الشيخوخة عام 2055؛ وسيشكلون عبئاً هائلاً لرعايتهم صحياً واجتماعياً، ويواصل المقارنة لنرى كيف أن العامل الأمريكي ينتج سبعة أضعاف نظيره الصيني ويتمتع بمهارة معرفية ومستوى صحي أفضل، وكيف أن أمريكا تطعم بنفسها 1% فقط من إجمالي القوى العاملة؛ مقابل 30% في الصينلا تكفي لتوفير الطعام للصينيين،وإن كانت الصين تقود العالم في بعض الصناعات المنزلية والنسيجية والألواح الشمسية والطائرات المسيرة وجهودها المكثفة في التجسس الصناعي والتكنولوجي؛ إلا أن ذلك لن يجعلها تتحول إلى قوة دولية في مجال الاختراعات والابتكارات والذي من شأنه أن يجعلها من أكبر الدول المصنعة بالعالم؛ وإن كانت الصين تتمتع بـ ثلاثة تريليون دولار كاحتياط إلا أن مديوناتها تجاوزت 30 تريليون! في المقابل فإن الإنفاق الدفاعي الأمريكي يماثل ثلاثة أضعاف الصيني.

وحول التوقعات المستقبلية، يرى الباحثون في العلاقات الدولية وجود نظريتين لتفسير نهضة وانهيار القوى العظمى؛ الأولى: تقوم على فكرة أن الدول الضعيفة تحتشد ضد الدول القوية لتحدث توازن معها؛ ثم تجبرها على إعادة توزيع مصادر القوةى داخل النظام الدولي، أما النظرية  الثانية فتوجب على الدول الفقيرة أن تنمو بوتيرة اسرع من الغنية، وبهذا تلتقي وتتجمع الدول الصاعدة للحاق بالقوى المهيمنة.

ومع ذلك يرى "مايكل بيكلي" أن النظريتين لا تصلحان للتطبيق في النظام الدولي الحالي؛ نظراً لافتقار الدول الأقل إلى القوة والقدرات العسكرية لتحدي التفوق الأمريكي الحالي، ورغم صعود نجم كل من الصين وروسيا واليابان وألمانيا وبريطانيا وفرنسا والهند إلا أنهم جميعهم لا يمتلكون القوة الكافية لمناطحة قوى مسيطرة قائمة؛ لهذا فالأمر يتطلب منهم وجود تعاون كبير وتحالفات وجيوش وكل هذا يقتضي تكلفة مرتفعة.. خاصة بالنظر إلى قدرات أمريكا الواضحة في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، ومنظمة التجارة العالمية، وصندوق النقد والبنك الدوليين، والأمم المتحدة، والتأكد من أن الاتحاد الأوروبي لن يحل محل "الناتو" كمنظمة دفاع أوروبية؛ كما أن أي تحالف أوروبي أسيوي تقوده الصين أو روسيا ليس من المتوقع تشكيله، وبذلك أيقنت أمريكا بوجودها العسكري المسيطر عالمياً، وكذا سيطرتها على المياه الدولية والمجال الجوي والفضاء الخارجي وخطوط الملاحة الدولية وشبكات الاتصالات.

أخيراً.. الكتاب من وجهة نظرنا كعرب -على وجه الخصوص- يستفزنا لأقصى درجة، ولكن ذلك لا يمنعنا من قراءته خاصة لمحتواه الفكري والمعلوماتي والتحليلي، وكما يقول الصحفي والإعلامي المصري المقيم بواشنطن طارق الشامي؛ والذي قام بترجمته للعربية في 154 صفحة من القطع الكبير: الحقيقة الكاملة ليست ملكاً لأحد؛ وقد يكون المؤلف منحازاً في اقتناء بعض البيانات التي تؤكد نظريته؛ إلا أن المعلومات الموثقة التي أتى بها مذهلة وتستحق الإعجاب والتقدير.
-------------------------
ترجمة – طارق الشامي، قراءة - حورية عبيدة






اعلان