12 - 05 - 2025

الاستثمار.. هل يكون برشوة الجنسية؟

الاستثمار.. هل يكون برشوة الجنسية؟

جذْب رؤوس الأموال الأجنبية- وفقــًـا لقواعد التنمية الاقتصادية المؤسسة على علم الاقتصاد- يضبطه ويـُـشجـّـعه عوامل مُـحـدّدة من بينها: 

أولا: نظام سياسى (مؤمن) بالديمقراطية التى لا تتأكد إلا من خلال (الإيمان) بالليبرالية بشقيها: الفكرى والسياسى.. ومن الشق السياسى يبرز نمط الاقتصاد الرأسمالى، المؤسس على (منظومة المُـنافسة الحرة)  

ثانيـًـا: إنّ ما جاء فى البند الأول لايتحقق إلا من خلال (الإيمان) بالشفافية الكاملة والمُـطلقة.. وهذه بدورها لا تتحقق إلا من خلال (الإيمان) الثانى المُـتعلــّـق (بحرية إتاحة المعلومات) وعدم حجب أية معلومة لها علاقة بالاستثمار القائم على المنافسة، التى تعمل فى الضوء وفى العلن.. وليس فى ظلام وظلمات الدهاليز الخفية. 

ثالثــًـا: إنّ ما جاء فى البنديْن الأول والثانى لايتحققان إلا فى نظام سياسى يـُـحارب كل أشكال الفساد.. ولكى تنجح معركة مقاومة الفساد، فلا بد من (مُـعاقبة) المسؤولين فى مؤسسة الحكم، من أصغر موظف إلى رئيس مجلس الوزراء (نتانياهو فى إسرائيل- نموذجـًـا) إلى رئيس الدولة (ترامب فى أمريكا بتهمة التهرب الضريبى- نموذجـًـا)   

رابعـًـا: عدم زواج رأس المال بالسلطة. 

فهل تلك الضوابط المعمول بها فى أنظمة الحكم الرأسمالية، للمستثمرين ورد بها (منح الجنسية مقابل الاستثمار)؟ كما قال اللواء كمال عامر (رئيس لجنة الدفاع والأمن القومى بمجلس النواب) أنّ اللجنة وافقت على القانون الذى تضمن فى مادته الثانية أنّ من ((سلطة مجلس الوزراء منح الجنسية لكل أجنبى اشترى عقارًا مملوكــًـا للدولة..إلخ)) (المصرى اليوم10يونيو2019)  

إلى هذه الدرجة يتم امتهان (جنسية الوطن) تحت ستار من الدخان اسمه (تشجيع الاستثمار) ولم يـُـفكــّـر أعضاء لجنة (الدفاع والأمن القومى) أنّ المستثمر من الممكن أنْ يكون أحد أعضاء جهاز مخابرات لدولة عدوة لمصر، ويحمل جواز سفر(مزوّر) منحه جنسية دولة صديقة لمصر.  

***

أعتقد أنّ مشروع هذا القانون يـُـخاطب أعضاء المافيات العالمية، الذين يظهرون بأقنعة (مستثمرين) طالما أنّ من بين الشروط مجرد (شراء عقار مملوكــًـا للدولة، أو إيداع مبلغــًـا ماليـًـا بالعملة الأجنبية ((على النحو الذى يصدر بتنظيمه قرار من رئيس مجلس الوزراء))  

وحتى لو افترض العقل الحر (يقظة) المسئولين.. وأنهم ليسوا (بلهاء) ويضعون (مصلحة الوطن) فوق كل اعتبار، فمن يضمن عدم تكرار كارثة (زواج المال بالسلطة)؟ كما حدث فى السنوات الماضية.  

ومن أمثلة ذلك التفريط فى ممتلكات الدولة..وتساءلتْ الأستاذة سكينة فؤاد: لو كانت شركاتنا تدار بعلم، فهل كانت شركة مثل القومية للأسمنت تــُـصفى بعد 62 سنة.. وتصل خسائرها وديونها إلى المليارات؟ وهل ازدهار الاستثمار يعنى أنْ يتاح لكل من يريد أنْ يشترى.. حتى لو اشترى ما يـُـمثل نقطة ارتكاز لأمننا القومى.. خاصة فى مجال الصحة.. وساءلتْ: لمن بيعتْ أغلب مستشفياتنا الكبرى.. ومعامل التحاليل.. وهل توجد رقابة وطنية تحفظ للمواطن أمنه الصحى؟ (أهرام 7  أكتوبر 2018) 

وعن مافيا المستثمرين قرأتُ مقاليْن فى أكبر صحيفة (حكومية) عن وزير الصحة الذى أنكر معرفته بوجود شركة (فى مصر) لتصنيع لبن الأطفال الرُضع، الأول كتبته أ.سكينة فؤاد التى أوضحتْ أنّ خبر اكتشاف الشركة تـمّ (بالصدفة) ويجب محاسبة وزيرالصحة على إدعائه، خاصة وأنّ هذه الشركة تـُـشارك فيها الدولة، بما يـُـتيح لها تغطية الاستهلاك المحلى بل والتصدير أيضًـا.  

المقال الثانى كتبه الشاعر فاروق جويدة، وفيه تأكيد لما ماذكرته أ.سكينة فؤاد.. ولكنه أضاف أنّ الشركة تــُـصدّر إنتاجها من لبن الأطفال الرُضع إلى الخارج، وبالعملة الصعبة، ولا أحد يعلم شيئــًـا عن هذه الشركة، حتى وزير الصحة د.أحمد عماد الدين (وفق ادعائه) وأنّ الشركة كما تقول بياناتها تـُـنتج 35 مليون علبة سنويـًـا، بينما احتياجات السوق المصرى 18 مليون علبة، أى أنّ الشركة تـُـصدر 17 مليون علبة.. وأكـــد المهندس محمد زكى السويدى (رئيس اتحاد الصناعات) أنه أخطر رئيس الحكومة ووزيرالصناعة.. وأنّ كليهما أخطر وزيرالصحة.. واختتم مقاله متسائلا ((هل يـُـعقل أنّ وزيرالصحة لايعلم أنّ فى مصر شركة تـُـنتج ألبان الأطفال.. ولماذا تجاهلتْ الحكومة كلام رئيس اتحاد الصناعات؟ إنها قضية غريبة ومريبة وتدعوللأسى (أهرام2، 4 إبريل2017)  

أعتقد أنّ تشجيع الاستثمار لايكون بمنح الجنسية.. وإنما بتطبيق القواعد العالمية.. كما فى تجربة الهند- نموذجـًـا: وذكرالاقتصادى (شريف دلاور) أنه يمكن الاستفادة من النظام المطبق فى الهند، حيث يقوم البائع بتسجيل الرقم القومى للمشترى على كل فاتورة شراء تزيد على مبلغ معين.. وتضاف هذه المشتريات على القائمة السنوية للمشترى من خلال الشبكة الالكترونية للمنظومة الضريبية، بحيث يتم مضاهاتها بالإقرار السنوى للمشترى والتحقق من مصدر إنفاقه مقارنة بدخله.. وأنّ هذا النظام ساهم فى محاربة الفساد (حتى لايـُـسرق المستقبل- هيئة الكتاب المصرية- عام 2016 - ص46)  

ثانيـًـا: قانون لمنع احتكار الشركات العالمية التى تستخرج المواد الخام من التربة المصرية، مثل الرخام وغيره ليكون استخراج المواد الخام للشركات المصرية (الحكومية بالدرجة الأولى) خاصة أنّ هذا النشاط لايحتاج إلى أية تكنولوجيا متقدمة.. ومع مراعاة أنّ دستورالمكسيك نصّ على امتلاك الدولة لكل موارد الطاقة (المصدرالسابق- ص128)  

ثالثــًـا: قانون لمنع بيع أراضى الدولة لأية دولة أخرى أو لأى شخص أجنبى (عربى أو غير عربى) مثلما حدث مع كارثة أراضى توشكا، حيث تـمّ البيع للأمير السعودى بسعر خمسين جنيهـًـا للمتر.. ورغم ذلك شمل العقد أنّ الحكومة المصرية مسؤولة عن توصيل كافة أشكال المرافق، مع الاعفاء الضريبى والجمركى.. والأخطر أنه فى حالة النزاع بين الحكومة والمشترى يمتنع القضاء المصرى عن نظر النزاع.. ويكون أمام هيئة التحكيم الدولى.. وأرجو ملاحظة أنّ عدم بيع أراضى الدولة للأجانب تــُـطبقه بعض الدول العربية، كما كان مُـطبقــًـا فى مصر قبل يوليو 1952.   

رابعـًـا: قانون لمنع احتكار الاستيراد والتصدير.. وهذا النشاط يكون للهيئات الحكومية فقط.. خاصة أنّ المُـحتكرين المصريين مُـصنــّـفون ضمن منظومة (النشاط الرأسمالى الطفيلى)  

خامسـًـا: قانون يسمح بتمثيل النقابات واتحاد العمال فى مجلس إدارة البنك المركزى.. كما هو الحال فى بعض الدول الأوروبية مثل السويد (شريف دلاور- مصدر سابق- ص66)          

سادسـًـا: قانون يعطى الحق للتعاونيات الزراعية فى السيطرة على السوق المحلى.. وهذا القانون المُـطبق فى السويد حقـــّـق المنافسة الحرة بين المحلات الخاصة والتعاونيات، بحيث أصبحتْ محلات البقالة والجزارة لاتقل كفاءة عن مثيلاتها فى التعاونيات.. ومع مراعاة أنّ هذه التعاونيات تقوم بالدور المهم فى التمويل والتسويق فى أنحاء العالم المتقدم، حتى فى أعتى الدول الرأسمالية (الولايات المتحدة) تسيطر عليها التعاونيات (المصدرالسابق- ص67)  
------------------------

بقلم: طلعت رضوان
من المشهد الأسبوعي.. اليوم مع الباعة

 

مقالات اخرى للكاتب

أين الدول العربية من التنافس الأمريكى الروسى؟