19 - 06 - 2024

التراحم لا يلغي المبادئ.. ولا يخفي الحقيقة!!

التراحم لا يلغي المبادئ.. ولا يخفي الحقيقة!!

حين يعلق الأخواني أو أي حد من السلفيين عموما على موت أي يساري أو فنان بقوله "نفق فلان.. وفي جهنم وبئس المصير"، وكأن اليساريين والفنانين عندهم مجرد حيوانات أو بهائم، وغير ذلك من عباراتهم السوداء الغليظة، فهم يعبرون عن مستوى فكري وإنساني يخصهم، يتحملون وِزرَه وحدهم، ولا أظنه نابع من أي دين ولا عقيدة سليمة.. إنما هو تربية وتنشئة سياسية مغلقة عليهم، قائمة على الفهم السئ عمدا للآخر، ينتج ثأرية في الخلاف ولددا في الخصومة، لا علاقة لهما بالحكمة ولا بالموعظة الحسنة أبدا.. وتصوراتهم.. أنهم حماة الدين، ونوَّاب الله، وأن لهم حق تقييم الناس وتأديبهم بل وقتلهم أيضا، لردع كل من يخالفهم الرأي.. من دون أي سند لجماعتهم، ولا دليل يخصهم أبدا.. لكنه يتسق مع ضيق أفقهم، وطائفيتهم، وتنطعهم في الدين بالمخالفة لما أكده القرآن "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن"، إذا كان هو المنوط بالدعوة أصلا، أو له الحق بذلك، واستنكرته السنة الصحيحة «هلك المتنطعون..».. ولأنهم يتصورون امتلاكهم الحقيقة، يقررون «بيقينية مرعبة» أنهم وحدهم على صواب وغيرهم على خطأ دائما..

وهذا، بكل ما فيه، لا يُلزمنا بالرد عليهم بالمثل أبدا.. خاصة في الحالات الإنسانية الاستثنائية، مثل الموت، فكلمات طيبات مثل «الله يرحمه» لا تضر قائلها، ولا تُمجد من قِيلت بحقه، ولا تبدد مبادئ صاحبها، ولا تنقل صفته من يسار إلى يمين، ولا العكس، بل تثبِّت صفة الإنسانية لدى الجميع، وتنقِّي القلوب من ضغائن الخلاف، وتؤكد أهمية الموضوعية في حينها، وليس كما رأينا هذا الجدل العجيب في وفاة «الرئيس مرسي»، وحتى كونه كان «رئيسا» فهذه حقيقة حدثت كأمر واقع، وإنكارها لا يلغيها..

والإصرار على لعنه، والتذكير بكل أخطاء الجماعة حين تولوا حكم مصر لعام، هذا شأن آخر، ويمكن مناقشته في سياقات موضوعية بمنتهى الوضوح، من دون إخفاء أي من كوارثهم، من رفض الثورة قبل أن تبدأ كما قالوا في بيانهم الشهير، وتضامنهم مع كل أعداء الثورة، وخطف البرلمان والحكم في لحظة سيولة، وعدم اتعاظهم من تاريخهم ذاته، وتكرار تجربة الجشع السياسي الشهيرة بعد يوليو، وفعلوها بحماس أكبر بعد يناير.

كل هذا يعرفه الجميع.. لكنه لا يمنع أبدا أن أترحم على شخص تُوفيّ بشكل مأساوي، أو حتى عادي، تجنبا لِلدّد الخصومة في غير وقتها، وإراحة لقلبي من حقد لا حاجة إليه، واستمتاعا بسماحة عميقة في لحظة قصيرة، لا تلغي أفكاري، ولا تبدد قناعاتي، ولا تُغير حقائق التاريخ التي يعرفها الجميع..

وكما رفضت تصرفات الأخوان طوال تلك السنة الأليمة، في إقصائهم لكل القوى السياسية، وإهدارهم فرصة تاريخية عظيمة كان يمكن أن تثمر نتائج إيجابية هائلة للثورة، لصالح مدنية الحكم والديمقراطية، لو أدركوا قيمة اللحظة التي كانت بين أيديهم، وأشركوا الجميع معهم، لكنهم تصورا أنها هدية لهم وحدهم من السماء، فبعثروا كل الأهداف النبيلة للثورة بتعنتهم، ولو تمكنوا أكثر بظني لأفضت إلى حكم «ثيوقراطي»، وخلافة إلهية لا أدري إلى أي مصير مجهول كانت ستأخذنا كولاية ضمن امبراطورية "طظ في مصر"..

أرفض أيضا كل ما جرى لهم من قتل وسجن ومصادرات وتنكيل، خارج القانون، وأعتقد أن الثورة كانت قادرة على التغيير السلمي بقوة، لكن الصهيونية العالمية الجهنمية أرادت للثورة عكس ذلك.. فلا يجب أن يسمحوا لمصر بالتعافي والنهوض، وكان لهم ما أرادوا ـ إلى حين ـ . 

كما أرفض كل ادعاءات الأخوان بأنهم كانوا من قيادات الثورة، كما تروّج قنواتهم الهستيرية، وهذا غير صحيح بكل ما رأيناه منهم في الميدان وفي البلد عموما، في جمعة قندهار، وهتافات «يا مشير انت الأمير»، و«الشرعية للبرلمان وليست للميدان»، يقصدون البرلمان المسروق بنسب تافهة وأصوات مشتراة بطرقهم المعروفة، والآن يهاجمون الجميع ويتهمونهم بأنهم تآمروا عليهم.. وكأنهم حرموهم من ثورتهم التي ابتكروها.. والحقائق المؤكدة ليست ببعيدة، ولن يستطيعوا تغييرها مهما فعلوا، فهي ليست في أذهان الناس فقط، بل مسجلة بالصوت والصورة والكتابة، ولا سبيل لتزويرها مهما كثرت مزاعمهم.. فمعتز وناصر لن يعيدا صياغة التاريخ بسطحيتهم اللجوجة هذه.. فليس بهذه السذاجة يكتب تاريخ الأمم..

وبالضرورة أرفض مغالاة بعض اليساريين في سبهم ونفيهم وشيطنتهم والرضا عن كل ما جرى من قتل وسجن وتعذيب، فهذا مخالف لكل القيم التي ينادون بها، وكذلك شطط الأقزام الذين يجاهرون بشماتتهم، وشتائمهم، ويظنون أن دعواتهم على الأخوان مستجابة من الله الذي يتصورن أنه يستجيب لدعواتهم الفاسدة،، وهم بحكم ظاهرهم أعداء لله وللوطن الذي صدّعُونا بالهتاف له والدفاع عنه..

كما أرفض رفض بعض الناس للترحم على «الرئيس مرسي»، فالرحمة منفعة إنسانية كبرى، إذا مسّت قلوبنا جميعا جعلتنا أكثر سماحة وتقبلا للآخر وأقدر على مناقشة أفكاره بموضوعية، بعكس ما يفعله الأخوان كلما تمكنوا.. فأقل ما يستحق كسجين أن يتلقى رعاية طبية وعلاجية منتظمة لتفادي تدهور صحته، كما تمتع مبارك بأفخم المستشفيات، فهذا رئيس وهذا رئيس..

وأخيرا.. أتمنى لو تمهل بعض الذين تعصبوا، أيا كان سبب عصبيتهم، وفضلوا الصمت على الإصرار على شتم الأخوان، والشماتة في موت الرئيس مرسي بحجة أنهم أخطأوا كثيرا، وفعلوا هذا بمغالاة ظاهرة لا تليق بأرواحهم الطيبة.. فالسماحة إضافة لصاحبها مهما كان سببها، وليست خصما من قيمه أبدا..

ورحم الله الرئيس مرسي، والشعب المصري!!
--------------------
بقلم: أسامة الرحيمي

مقالات اخرى للكاتب

كارثة علاء مبارك وصبيانه!!





اعلان