15 - 05 - 2025

ننشر نص كلمة أمين عام الجامعة العربية أمام مجلس الأمن الدولي في جلسة حول "تعزيز التعاون والشراكة"

ننشر نص كلمة أمين عام الجامعة العربية أمام مجلس الأمن الدولي في جلسة حول

القى الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، كلمة أمام مجلس الأمن الدولي حول "تعزيز التعاون والشراكة بين مجلس الأمن والمنظمات الإقليمية ودون الإقليمية: التعاون بين مجلس الأمن وجامعة الدول العربية "، أشار فيها إلى كافة القضايا العربية الهامة والتي تعاني منها المنطقة وعلى رأسهم القضية الفلسطينية.

إلى نص الكلمة:

الشيخ صباح خالد الحمد الصباح - نائب رئيس الوزراء ووزير خارجية دولة الكويت

أنطونيو جوتيريس - سكرتير عام الأمم المتحدة

رؤساء الوفود والسفراء

يسرني بداية أن أتوجه بخالص التهنئة إلى دولة الكويت على توليها رئاسة مجلس الأمن لهذا الشهر، وأن أعبر عن خالص التقدير للدور الذي تضطلع به بصفتها العضو العربي في المجلس، مشيداً بصفة خاصة بمبادرتها المقدرة بعقد هذه الجلسة من أجل الارتقاء بمستوى الشراكة بين جامعة الدول العربية ومجلس الأمن وفق الإطار العام الذي ينظمه الفصل الثامن من الميثاق.كما أتوجه بالشكر للسيد السكرتير العام على ما جاء في إحاطته، وعلى التزامه الثابت بتمتين علاقات التعاون والتنسيق المؤسسي بين منظمتينا، على نحو يزيد من التكامل بين أنشطتنا في مضمار حفظ السلم والأمن الدوليين في المنطقة العربية. 

أتحدث إليكم اليوم قادماً من منطقة تعج بالنزاعات والأزمات العميقة والتي قد يستعصي بعضها على الحل ... نزاعات وأزمات كان لها عميق الأثر السلبي على أجيال من أبنائناالذين وقعوا فريسة للدوائر المفرغة من الغضب والإحباط... ومعظم تلك النزاعات والأزمات موجودة على جدول أعمالكم ولكن مع الأسف – ولظروف مختلفة – لم يتمكن المجلس، في بعض الأحيان، من اتخاذ مواقف واضحة في التعامل معها، أو من إنفاذ المواقف التي توصل إليها لتسويتها.

فالوضع المعقد في سوريا دخل عامه التاسع دون بروز أفق حقيقي للحل السياسي الذي ظل المجتمع الدولي يطالب به منذ اندلاع الأزمة في 2011 ... وفي اليمن يظل الشعب اليمني هو الضحية لأزمة إنسانية تنجم أساساً عن تشبث فصيل انقلابي بالاستيلاء على عاصمة البلاد على ونحو يشكل تهديداً واضحاً لجيران اليمن بل وللملاحة في الممرات البحرية المحيطة به ... وليبيا وقعت مجدداً في الأعمال العسكرية بشكل بات يهدد نسيجها الاجتماعي وفرص استكمال عملية انتقالها السياسي بما يحفظ وحدتها ... أما الصومال فإننا نعمل مع شركاء آخرين على ترسيخ دعائم الأمن والاستقرار وتثبيت السلام فيه وفي كل منطقة القرن الأفريقي باعتبارها جواراً جغرافياً مباشراً وهاماً للعالم العربي.

ومع كل ما تقدم وغيره، لا يمكنني أن أغفل أو أتجاهل مركزية القضية الفلسطينية في ذهن ووجدان العرب شعوباً وقيادات ... فاستمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية كان وسيظل المصدر الأكبر لزعزعة الاستقرار وإذكاء التطرف في إقليم الشرق الأوسط وما وراءه ... ولنينعم إقليمنا بأمن ولن يعرف استقراراً حقيقياً دون إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية في فلسطين وسوريا ولبنان وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، والتوصل إلى تسوية عادلة وشاملة للنزاع العربي الإسرائيلي.


وهناك جملة منالعوامل الإضافية التي ساهمت كلها في إذكاء حدة كافة هذه النزاعات وتأجيج غيرها من الاضطرابات في المنطقة، وعلى رأسها التدخلات الإقليميةوالدولية غير المسبوقة في الشئون الداخلية للدول العربية، وانتشار الميليشيات والجماعات المسلحة التيتقاتل الجيوش النظاميةوتتحدى سلطة الدولة وتهدد سيادتهاوسلامتها الإقليمية، وتعاظم التهديد الذي تمثله الجماعات الإرهابية التي يتوافر لها الدعم والتمويل والمنابر الإعلامية التي تمكنها من ارتكاب جرائمها وبث خطابها القائم على القتلوالكراهية.

السيد الرئيس،

السيدات والسادة،

في الوقت الذي تتطلع فيه الجامعة العربية إلى تعظيم فاعلية آليات الشراكة مع الأمم المتحدة، وخاصة مع مجلس الأمن الموقر، لتسوية كافة هذه النزاعات والأزمات ولمعالجة مجمل هذه التحديات، فإنها قد عقدت العزم أيضاً على الاضطلاع بدور أكثر فعالية للمساهمة في حفظ السلم والأمن الدوليين في منطقنا العربية والدفاع عن الأمن القوميالعربي لدولها الأعضاء وردع المخاطر التي تهددها على النحو الذي يكفله الميثاق والقانون الدولي. ولعل القمة العربية الطارئة التي عقدت في مكة المكرمة منذ أسبوعين تمثلأحدث وأفضل دليل على ذلك، إذ اجتمع القادة العرب في دورة إستثنـائيةوأدانـوا الأعمال الإرهابية التي استهدفت المنشآت النفطية في أراضي السعودية والسفن التجارية في المياه الإقليمية لدولة الإمارات العربية المتحدة، وجددوا تضامنهمالكامل معهما في مواجهة التدخلات والتصرفات الإيرانية والجرائم التي ترتكبها ميليشيات الحوثي المدعومة من النظام في طهران. 

ويهمني في هذا الصدد أن أوضح أن الحفاظ على أمن المنطقة العربية هو شرط محوري لصيانة منظومة الأمن العالمي، وأن تهديده أو النيل منه ينطوي على تبعات خطيرة لن تقف عند حدود منطقتنا العربية. ومن ثم فإن التضافر الدولي مطلوب لكي تصل إلى جيراننا رسالة واضحة لا لبس فيها بأن الأنشطة التخريبية لم تعد مقبولة، وأن التخفي وراء الأذرع الإقليمية أو العمليات الرمادية التي لا تُنسب لفاعليها الأصليين هو تكتيك مرفوض من الجميع.  

السيد الرئيس،

إن رسالتي الأولىوالأساسية إليكم اليوم، كممثل لأقدم منظمة إقليمية نالت صفة المراقب لدى الجمعية العامة في عام 1950 ، تتأسس على تطلعنا لإقامة منصة عريضة وقوية للارتقاء بمستوى التشاور بين الجامعة العربية ومجلس الأمن، وللنظر في سبل ترجمة هذا التنسيق إلى دعم يزيد منالعمل المشترك والتكاملي المطلوب بين منظمتينا، أسوة بالترتيبات المتبعة مع منظمات إقليمية أخرى، بما يعزز من جهود حفظ السلم والأمن الدوليين في المنطقة العربية ومصداقيتها، ويتسق مع أحكام القانون الدولي وأهداف منظمتينا ومبادئ ومقاصد ميثاقيهما.

وتحقيقاً لذلك، اسمحوا لي أن أعرض لعدد من الملاحظات والمقترحات:

أولاً: إن أي تعاون مثمر بين الجامعة والمجلس يجب أن ينطلق من إرساء ترتيب دائم ومؤسسي لتبادل المعلومات– بشكل يتسم بالشفافية وأيضاً بالصراحة – بين الجانبين، كي يكون المجلس مطلعاً على رؤية وتقديرات المنظمة الإقليمية المعنية، ويتمكن من بلورة الموقف المناسب وتبني الإجراء السليم الذي ينسجم مع هذه الرؤية وتلك التقديرات عند تناول أي قضية من قضايا المنطقة؛ وهذه الدعوة ليست في حقيقة الأمر جديدة، وينبغي فقط الإلتزام بإنفاذها، إذ أنها تمثل مبدأً مستقراً في علاقات المجلس مع منظمات إقليمية ودون إقليمية أخرى.

ثانياً: إن الأمر يتطلب بالتوازي مع ذلك الارتقاء بمستوى التنسيق والتفاعل مع الجامعة من قبل مبعوثي وممثلي الأمم المتحدة إلى مناطق النزاعات والأزمات العربية، على النحو الذي يقود حقاً إلى وجود فهم موحد ومشترك لأسباب اندلاع أو استمرار هذه الصراعات، ويفضي إلى عمل تكاملي ومتناسق بين المنظمتين لتسويتها. وأود هنا أن أشيد بصفة خاصةبالالتزام الذي يبديه المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة وبتعاونه مع الجامعة، وخاصة في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها ليبيا عقب اندلاع المعارك حول العاصمة طرابلس وتراجع المسار السياسي الذي كان يرعاه والذي كانت الجامعة تدعمه بالكامل.كما نقدر عالياً نهج المفوض العام لوكالة الأونروا في التنسيق والتفاعل المنتظم مع الجامعة وخاصة من أجل مواجهة الأزمة المالية الحادة التي أصابت موازنتها وأضرت بعملياتها في خدمة اللاجئين الفلسطينيين.ويمثل هذا النوع من التعاون نموذجاً إيجابياً نأمل في أن يُحتذى به في تعظيم التنسيق بين الجامعة ومبعوثي وكبار مسئولي الأمم المتحدة المعنيين بقضايا المنطقة العربية.  

ثالثاً: هناك تاريخ ممتد من التعاون المؤسسي بين الأمم المتحدة والجامعة في شتى ميادين الإهتمامات المشتركة للمنظمتين، إذ تم وضع الإطار التنظيمي لهذه العلاقة منذ قرابة الثلاثين عاماً، عندما وقع الجانبان على إتفاقية التعاون بينهما في 1989، وشرعا بعد ذلك في تحديث نص هذه الإتفاقية بالتوقيع على بروتوكول إضافي لتطويرها في 2016 . وتوفر هذه الإتفاقية، والآليات المنبثقة عنها، وكذا الإستعدادات الجارية فـي الأمم المتحدة لإفتتاح مكتب إتصال دائم لدى الجامعة بالقاهرة، إطاراً شاملاً لدفع التعاون بين منظومة الأمم المتحدة والجامعة العربية. ونثق في إمكانية توظيف هذا الإطار لتطوير التعاون الذي ننشده مع مجلس الأمن، ليس فقط لتسوية الصراعات المسلحة وإنما لمعالجة كل ما يهدد السلم والأمن الدوليين في المنطقة بمفهومه الأوسع، سواء كان مرتبطاً بنزع السلاح وإخلاء الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، أو مكافحة الإرهاب، أو حماية المدنيين في النزاعات المسلحة، أو الأزمات الإنسانية وتدفق اللاجئين والنازحين والهجرة غير النظامية.

رابعاً: إن التعاون الذي نتطلع إليه مع مجلس الأمن وأجهزة الأمم المتحدة يجب أن يمتد ليشمل كافة مراحل الإنذار المبكر والوساطة والمساعي الحميدة والدبلوماسية الوقائية وتسوية النزاعات وبناءوإستدامة السلام بعد إنتهاء الصراع. وهناك أمثلة متعددة من العمل المشترك الذي أقمناه سوياً في هذه المجالات، لعل أبرزها كان تعيين الممثل الخاص المشترك للأمم المتحدة والجامعة لسوريا عام 2012، وكذا إنشاء المجموعة الرباعية المعنية بليبيا بين الأمم المتحدة والجامعة والإتحادين الأوروبي والأفريقي. وأقدر هنا أنه يجب علينا إستخلاص الدروس المستفادة من هذه التجارب ومثيلاتها، والعمل على تكرار ما تحقق من نجاحات بفضلها في الحالات الأخرى، القائمة أو الناشئة، التي تستلزم تحركاً مشتركاً لمنع نشوب الأزمات فيها أو للحيلولة دون تفاقمها وصولاً إلى تسويتها وتحصينها من مخاطر تجددها.كما نرحب في هذا الصددبالدعم المؤسسي الذي تقدمه لنا الأمم المتحدة لبناء القدرات الذاتية للجامعة في مجال حفظ السلم والأمن الدوليين في المنطقة العربية، والتي نسعى إلى تطويرهـاللوصول إلى مرحلة تشكيل وإيفاد بعثات سلام ميدانية في مواقع الأزمات العربية في المستقبل القريب.

خامساً: إن الجامعة العربية، رغم جسامة التحديات التي تواجه منطقتنا، تظل كمنظمة إقليمية وكتجمع لدولها الأعضاء شريكاً فاعلاًفي منظومة العمل متعدد الأطراف ومساهماً رئيسياً في جهود صون السلم والأمن الدوليين ليس فقط في المنطقة العربية وإنما في الجوار الجغرافي للعالم العربي وغيرها من مواقع الأزمات؛ فهناك دول عربية مثل مصر والأردن والمغرب التي تتصدر قائمة الدول المساهمة بقوات وأفراد شرطةفي عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام. وتعد دول عربية مثل الكويت والسعودية والإمارات وقطر من أكبر الدول المانحة إسهاماً في تقديم مساعدات الإغاثة الإنسانية لمعالجة الأزمات الإنسانية في سوريا والعراق واليمن والصومال ودعماً لموازنة وأنشطة وكالة الأونروا. 

كما أندولاً عربية اضطلعتبدور دبلوماسي ملموس لرعاية المصالحات التاريخية في القرنالأفريقي، وتقدمت أيضاًبدعم مالي ولوجيستي لدول منطقة الساحل لتعزيز قدراتها على مكافحة جماعة بوكو حرام والتنظيمات الإرهابية الأخرى الناشطة على أراضيها. وهناك مؤسسات عربية عريقة مثل الأزهر الشريف شريكة في تحالف الأمم المتحدة للحضارات وداعمة للحوار بين الأديان والشعوب بشكل ينمي ثقافة السلام والإعتدال والتسـامح في منطقتناالعربية وخارجها، وأقدر أن مجمل هذه المساهمات، وغيرها، تصب كلها في مسار تدعيم علاقات التعاون بين الأمم المتحدة والجامعة وتظهر فوائد التعاون والتكامل الذي يمكن ويجب أن يتحقق بيننا.

سادساً: أجد لزاماً علي أن أحذر مجدداً من مخاطر ابقاء الوضع الفلسطيني على ما هو عليه على الأمن والإستقرار في منطقة الشرق الأوسط برمتها، وخاصة في ظل الممارسات القمعية لإسرائيلضد الشعب الفلسطيني، وسعيها المحموم إلى التوسع وضم الأراضي العربية، بل والتشكيك بالحق الفلسطيني ذاته وعدالة قضيته، والسعي عوضاً عن ذلك إلى شرعنة احتلال الأرض ثم ضمها بطريقة غير قانونية، عبر الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، والتشكيك في قضية اللاجئين العادلة التي تبنتها هذه المنظمة منذ سبعين عاماً. 

أثق في أنكم تعلمون جيداً الثوابت التي عبرت عنها الجامعة العربية إزاء هذه القضية عبر عقود طويلة، فإنني أثق أيضاً في أن المجلس يدرك تماماً خطورة ما أتحدث به، إذ أن السعي إلى تسوية القضية الفلسطينية خارج إطار القانون الدولي، وإغفال قضايا الوضع النهائي المستقرة التي ترتكز على حل الدولتين، أو إختلاق مسار إقتصادي أو تنموي بديل يبقي على الإحتلال، يمثل كله ضربة قاصمة للبنيان القانوني الدولي، ولمصداقية مجلس الأمن، وللمبادئ الثابتة التي قامت عليها الأمم المتحدة.وأدعو في هذا الصدد مجلس الأمن إلى تحمل مسئولياته كاملة، دون إنتقائية أو معايير مزدوجة، لتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني،ولإنفاذ كافة قراراته السابقة وإلزام إسرائيل بالتنفيذ الكامل لها.