12 - 05 - 2025

إلي نقابة الصحفيين والأهرام: ألا يستحق هذا المفكر الكبير تكريمكم

إلي نقابة الصحفيين والأهرام: ألا يستحق هذا المفكر الكبير تكريمكم

هنا حديث سريع عن الدكتور سعيد اللاوندي الذي زرته في لقاء ثقافي في منزله، فوجدته في حالة صحية صعبة جدا، ولم يتحدث فيها لكني بعد أيام سألته، لأن مارأيته عليه لم يكن هو ما رأيته من قبل، وعرفت أنه يعاني من سرطان البروستاتا منذ فترة. وأنه يتلقي العلاج الكيماوي الصعب جدا الذي فيما يبدو كُتب علي كثير من المثقفين بينهم الجميل الرائع وائل الدسوقي والقائمة طويلة والله، لكن سأتحدث عن سعيد اللاوندي الآن رغم ان كلهم يستحقون الحديث. سأخاطب من ينتمي إليهم الكتور سعيد اللاوندي مهنيا، طالبا تكريم هذا الكاتب والمفكر الذي قدم الكثير للثقافة وهذه هي الرحلة والكتب علي الإجمال وبإيجاز. 

الدكتور سعيد اللاوندي قصه كفاح، من قريته المهندس بالدقهلية إلى بلد الثقافه والجمال والفكر والفلسفه باريس ثم مصر في النهاية. 

وُلد اللاوندي عام 1955 . .وكان أول من أكمل تعليمه في تلك المرحلة الزمني بقريته، فحصل على شهادة من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية.

كان بداخله حلم كبير وهو أن يصبح كاتبا مثل محمد حسنين هيكل، الذي كان والده يجعل السعيد الصغير يقرأ له مقالاته اليومية بجريدة اﻷهرام العريقة، التي كانت الكتابه بها حلم من أحلام حياته..

ولما تعرقلت الأمور ولم تفلح محاوﻻته في العمل بإحدى المجلات أو الصحف قرر أن يسلك طريق طه حسين الصعب، وهو السفر لإحدى الدول الغربية والحصول على الدكتوراه والعمل بإحدى الجامعات بها، متاثرا بكتاب اﻷيام ورحلة طه حسين من القرية إلى فرنسا.  

تم سافر إلى باريس بصعوبة شديدة، ونظرا ﻷن أخوة سعيد اللاوندي لم يكن لديهم قناعه بما يقوم، فقد ضيقوا عليه الخناق المادي لكي يسافر إلى ليبيا أو العراق آنذاك وكانوا يعتبرونها وكل المصريين تقريبا مناجم للذهب لكل من يذهب اليها ويعود للقرية مره أخرى، وكانت ظنونهم عن سعيد في ذلك الوقت أنه يرغب في السفر إلى باريس ليعيش شبابه في اللهو والعبث. 

ﻻ ينسى اللاوندي أبدا موقف والدته الشجاع في التصدي لإخوته الكبار، حين أخبرتهم أنهم اذا لم يساعدوا سعيد على تحقيق حلمه في السفر والدراسه بفرنسا، أنها ستمارس سلطتها المطلقة في بيع كل اﻷرض الزراعية التي تركتها لهم بعد وفاة والدهم لزراعتها وستبيعها وتعطي سعيد ما يريد لتحقيق حلمه. 

كان هذا التهديد بمثابة الإنطلاقة لتحقيق ما يرغب سعيد، وقام الجميع بتسهيل مهمة سفره بكل أريحية، ووصل سعيد باريس ﻻ يملك لغه فرنسية، ﻻ يملك سكنا، ﻻ يملك أصدقاء ، الشيء الوحيد الذي يمتلكه كسرات الخبز الذي وضعتها والدته بحقيبته وبعض بيض البط المسلوق وجبنه بالمش. حكاية مصرية جدا طبعا

كافح سعيد وأتقن الفرنسية، والتحق بالجامعة للبدء في الدبلومات المتعددة، ثم الحصول على درجة الماجستير وكان عنوانها (فلسفة الدولة عند ابن خلدون) ثم حصوله على درجة الدكتوراه، وموضوعها حول العقاد وهى قصه ننتظر منه أن يكتبها بنفسه ذات يوم .

المهم جاءت لحظة الحصول على الدكتوراه بعد جهد جهيد، وكان أثناء ذلك وبعده يعمل بالمجلات المختلفه بباريس منها على سبيل المثال ﻻ الحصر:

الحياة العربية التي عمل فيها مع الكاتب المصري المعروف أحمد حافظ والكاتب المصري المعروف مصطفى مرجان، ومركز الدراسات العربية ومقره باريس، ومراكز بحثية عديدة أخرى

أصبح لسعيد اللاوندي في تلك الفترة القصيرة اسم معروف نوعا ما في باريس، بخاصة في أوساط الجالية المصرية، ولكن ما جعل اسمه نارا على علم - كما يقولون – حينما شاءت الصدف أن يلتقي بمدير مكتب اﻷهرام بباريس، وكانا قد تعرفا على بعضهما من قبل في احدى حفلات اﻻستقبال المعروفة بوزارة الخارجية، لكن هذا اللقاء كان له بصمته الخاصه على حياة اللاوندي حيث كان مدير المكتب مضطرا للسفر ويرغب في ترك مهمة ادارة المكتب الى شخص موثوق فيه بالنيابة عنه أثناء سفره، وشاءت الصدف أن يتقابل مع د. سعيد اللاوندي في تلك الفتره فعرض عليه العمل بالأهرام .

كان اللاوندي مجتهدا محبا للعمل شغوفا بمهنة الصحافة إلى حد الهوس، وكانت قراءاته حول المفكرين أمثال طه حسين وعبد الرحمن بدوي والشرقاوي ولويس عوض قد شكلت لديه فكرا خاصا واهتمامات متميزة، لذا تحولت بدخوله مكتب اﻷهرام  صفحة (صباح الخير يافرنسا) الى خلية نحل بما تعنيه الكلمة، فقد حولها لقاءات متعدده مع مفكرين من الوزن الثقيل أمثال الطاهر بن جلون، عبد الرحمن بدوي، محمد أركون، أنور عبد الملك، سعد الدين وهبه.. الخ. 

لم يكن هناك ضيف يحل على باريس، إﻻ ويجري حوار مع اللاوندي، وكانت معرفتي الشخصية به في أول زيارة لي إلي باريس عام 1994 ومن يومها لم تنقطع الصلة مهما باعدت بيننا الظروف. هذا بالإضافة إلى اهتماماته العديدة بقضايا المصريين بالغرب، وكانت له أياد بيضاء في حل بعض مشكلاتهم والوصول إلى حلول وطنية مناسبة، خاصة التي تخص وفاة المغترب بالخارج ودفنه، تلك المسألة التي كانت تتم بطريقة مهينة للمصري حيث يتم جمع الأموال من أجل حجز مكان بطائرة للعوده بالجثمان إلى الوطن وهى مهمة مكلفة للغاية، وﻻ يحتملها الفرد العادي، بالإضافة إلى دعواته المتكررة للاهتمام بالمغتربين بالخارج بصفه عامة والمغتربين بأوروبا بصفة خاصة ودعوته لأهمية أن يشارك المغترب في اﻻنتخابات المصرية وهو ما تحقق بالفعل بعد سنوات من دعوات اللاوندي المتكررة.

يعتبر اللاوندي أول رئيس منتخب للجالية المصرية بباريس 1990

أسس بباريس ورأس تحرير جريدة أخبار الجالية المصرية عام 1991.

وأسس بباريس ورأس تحرير مجلة صوت مصر عام 1983

أسس بباريس المركز المصري لحوار الحضارات

قدم برامج سياسية وثقافية واجتماعية بإذاعات عربية بباريس: الشرق ومونت كارلو وقناة وايرونيوز

قدم اللاوندي ما يتجاوز الخمسين كتابا من بينها الثقافي والسياسي والفكري ومن أهم كتبه كتاب (تجديد الخطاب الثقافي، نقد الذات واﻵخر في الفكر العربي المعاصر )عن مكتبة اﻷسرة عام 2007 - إشكالية ترجمة معاني القران الكريم – الحضارة العربيه 2001. - مثقفون في مهمة رسمية  1999، دار ايجي مصر- القرن الحادي والعشرون هل يكون أمريكيا ، نهضة مصر، 2002- فوبيا الإسلام في الغرب، كتاب اليوم 2006. - كاتب وثلاثة مفكرين، جزيرة الورد، 2016 - دموع الريادة المصرية، نهضة مصر 2018 - أوجاع مصرية، نهضة مصر 2008 - دوﻻرات الإرهاب، نهضة مصر 2002 - أوروبا والعرب، قضايا الحوار واشكاليات الجوار، نهضة مصر 2010 - عمائم وطرابيشي، ايجي مصر 2000 - ثرثرة تحت برج إيفل، نهضة مصر 2007 - الإسلاموفوبيا ، نهضة مصر ، 2006 - دبلوماسية العلاقات العامة، جزيرة الورد 2016 - أمريكا أوروبا سايكس بيكو جديد في الشرق الأوسط، نهضة مصر 2007 - وفاة اﻷمم المتحدة، نهضة مصر 2004 - مصر والدائرة العربية، جزيرة الورد 2016 - عبد الرحمن بدوي فيلسوف الوجودية الهارب الى اﻻسلام، الهيئة المصرية العامة للكتاب 2002 - جامعة السوربون عندما تتكلم بالعربي، جزيرة الورد 2016 - الانقلاب على عبد الناصر، جزيرة الورد 2016 - أمريكا في مواجهة العالم، نهضة مصر2004- الأورومتوسطية، جزيرة الورد 2015 - الشرق اﻷوسط الكبير مؤامرة امريكا ضد العرب، نهضة مصر2009.

تدرج اللاوندي بجريده الأهرام حتى وصل إلى منصب مدير تحرير الأهرام عام 2015 وقد أحيل إلى المعاش عام 2016 .

مر اللاوندي بظروف صحية صعبة أوقفته عن مسيرته الجامحة في الكتابة والصحافة، فكانت الوعكة الصحية اﻷولى عام 2010، حيث أصيب بجلطة دماغية مميتة، إﻻ أن روح المحارب بداخله نجحت في تجاوزها بصعوبة شديدة، ولكن ما استفاق قليلا من هذه الوعكة حتى تم اكتشاف سرطان البروستاتا الذي يعاني منه منذ عام 2013.

 ماذا يمكن ان يقدم كاتب ومفكر أكثر مما قدم سعيد اللاوندي ليتم تكريمه، وماذا يمكن أن يصيب الكاتب حتي يلتفت اليه اهل مهنته ويعرفون مكانته. أرجو أن يتحقق رجائي، كما أتمني أن يوضع اسم سعيد اللاوندي في قائمة المرشحين لجوائز الدولة الكبري من قِبل أي جهة ثقافية أو إعلامية يحق لها الترشيح.
----------------
بقلم: إبراهيم عبد المجيد*
* روائي وكاتب مصري كبير، والمقال نقلا عن صفحته الشخصية على "فيس بوك"

مقالات اخرى للكاتب

إلي نقابة الصحفيين والأهرام: ألا يستحق هذا المفكر الكبير تكريمكم