كلــّـما تأمّـلتَ نضال الشعب السودانى- منذ مطالبته بسقوط البشير..واستيلاء العسكرعلى الحكم..وتظاهرهم يتأييد مطالب الجماهير..والمشهد الذى خلع فيه العسكر أقنعة الخداع..وذلك بضرب الجماهير بأدوات الموت، فمات أكثر من مائة مواطن بخلاف مئات الجرحى.. ووسط هذه الأحداث المأساوية، انتشرالكلام فى الميديا العالمية..وبعض الميديا العربية، عن عصابة الجنجويد.. وعن شخص (حميدتى) عضوالمجلس العسكرى.. وأنه هو بالتنسيق مع ميلشيات الجنجويد السبب فى المذبحة التى تـمّ التخطيط لها لقتل المتظاهرين.
فمن هو(حميدتى)؟ ومن هم الجنجويد؟
حميدتى: اسمه محمد حمدان دقلو مواليد 1975، بدأ عمله (بحماية القوافل) مقابل الأجر.. وتنقل بين تشاد وليبيا ومصر لبيع الإبل.. ونجح فى جمع ثروة كبيرة مكـّـنته من تأسيس ميليشيا مسلحة.. زادتْ شهرتها بعد أنْ لفتتْ أنظار البشير.. خاصة سعيه لضم القبائل لتحالفها مع الجنجويد، لمواجهة السخط الشعبى فى دارفور.. والمُـلفت للنظر أنّ (حميدتى) لم يتلق أى تعليم أكاديمى.. ولم ينخرط فى الجيش.. ولكن حين شكل البشير(قوات شعبية) من القبائل الموالية له، عيـّـنه البشير قائدًا لهذه القوات التى غلب عليها (الطابع القبلى).. وتغيراسمها ليصير(قوات الدعم السريع)
تشكــّـلتْ هذه القوات عام2010..وهى التى كانت تقتل أهالى دارفور بقيادة حميدتى.. ولقيتْ دعمًـا من البشير.. ومكوّنة من40 ألف مرتزق.. ومجهزة بالعتاد والسلاح.. وانتشردورها الإجرامى.. والذى صنـّـفته منظمات حقوق الإنسان على أنه ((جرائم حرب ضد الإنسانية)).. وبالرغم من الانتقادات الدولية، فإنّ الثقة التى حصلتْ عليها من البشير منحتها المزيد من القوة لممارسة المزيد من العنف، بصفتها ذراع بطش من أذرعة نظام البشيرالأخطبوطى.. وأصدرتْ منظمة (هيومن رايتس ووتش) بيانــًـا نـدّدتْ فيه بما يقوم به (حميدتى) وقالت إنّ قواته متهمة بإرتكاب العديد من الانتهاكات، فضلا عن سمعتها السيئة فى دارفور.. وفى مناطق أخرى.. كما طالبتْ التنسيقية العامة لمعسكرات النازحين واللاجئين من المحكمة الجنائية الدولية بإدراج (حميدتى) ضمن قوائم المطلوبين لمحكمة العدل الدولية.
و(حميدتى) هوالذى ورّط الجيش السودانى للمشاركة فى حرب اليمن، لحساب السعودية والإمارات منذ عام2015.. وصرّح فى عام2017 بقتل 412 جنديـًـا سودانيـًـا فى اليمن.. وبعد الاطاحة بالبشير طالب المتظاهرون بعودة الجنود السودانيين إلى السودان، لكن حميدتى رفض حتى لايـُـغضب السعودية والإمارات. وكشف تقرير لصحيفة نيويورك تايمزالأمريكية عن ((مشاركة أطفال سودانيين عمرهم 14 سنة، شاركوا فى حرب اليمن.. ويـُـمثلون (خط الدفاع الأول) فى المعارك لصالح السعودية والإمارات.
هذا عن (حميدتى) فمن هم الجنجويد؟ ولماذا اضطهدوا أهالى دارفور لدرجة قتل 6 مليون إنسان؟
بدأ الصراع بين هؤلاء البشر وحكومة السودان منذ عام 2003.. ووفق ما ذكرته منظمة هيومن رايتس ووتش أنّ قوات الحكومة السودانية واحدى الميلشيات الإثنية (الجنجويد) خاضتْ حربًا مع جماعتيْن مسلحتيْن هما حركة تحريرالسودان وحركة العدالة والمساواة.. وفى سياق هذه الحرب قامت القوات الحكومية بشن حملة منهجية من التطهير العرقى ضد المدنيين.. وبين عاميْ 2003، 2005 أقدمتْ الحكومة وقوات الجنجويد على إحراق وتدمير مئات القرى والاغتصاب والاعتداء على آلاف النساء.. وأكدت المنظمة أنّ استمرار تدهور الوضع فى دارفور يرجع إلى دعم الحكومة للميليشيات الإثنية والسماح بانتهاك القانون الدولى دون خوف من عقاب.. وقد أدى ذلك إلى هروب أكثرمن 2 مليون شخص إلى الدول المجاورة.. وقتل حوالى450 ألف إنسان. ناهيك عن العراقيل التى تضعها الحكومة أمام فرق الإغاثة والمنظمات الإنسانية لتوصيل المساعدات لنحو 3 مليون إنسان ظلوا فى دارفور.
فمن هم الجنجويد؟ عرّفهم الكاتب السودانى عبدالرحمن عوض بأنّ الكلمة مأخوذة من قاطع طريق من عرب دارفوراسمه حامد جنجويد قام بالحرابة مع عصابته ضد القرى الافريقية من حرق ونهب عام 1885.. ولما نشأ تحالف بين 37 قبيلة عربية فى دارفور عام 87 إتهمتْ الحركة الشعبية لتحرير السودان حكومات الصادق المهدى والبشير برعاية هذه القبائل العربية. فبثــّـتْ هذه القبائل الرعب فى قلوب الأطفال والنساء الأفارقة (صحيفة القاهرة5/2/2008) والمسكوت عنه فىالإعلام العروبى أنّ القبائل العربية قتلتْ مئات الألوف من الأفارقة المسلمين الموحدين بنفس ديانة العرب. فلماذا يقتل مسلمون موحدون مسلمين موحدين مثلهم؟ لأنّ القاتل عربى والقتيل إفريقى.. ولم يشفع الدين الواحد الذى يعتنقه القتيل والقاتل أنْ ينزع من الأخير رواسبه العنصرية العدوانية. أما عن استراتيجية الإعلام العربى والمصرى للصراع، فهوانحياز سافر للعروبة ضد المبادىء الإنسانية التى أسستها مفاهيم الحداثة للدولة العصرية. وكمثال واحد على هذا الانحياز كتب فهمى هويدى فى صحيفة الشرق الأوسط فى 5/7/2006 ((ينبغى ألاّ نتوقع من الآخرين أنْ يدافعوا عن حقوقنا أوكرامتنا التى تخاذلنا عن الدفاع عنها. لكن ذلك لايُنسينا أنّ الضمير العام فى تلك المجتمعات الذى استثاره الحاصل فى دارفور وإهتز لما جرى فى رواندا، أصيب بالسكتة غيرالبريئة حين تعلق الأمر بالعرب والمسلمين من فلسطين إلى شيشينيا))
وكان تعليق أ.رجب سعد ((إنّ عدوى ازدواجية المعاييرأصابتْ العرب.. وأنّ كلام أ.هويدى على إهتمام المجتمع الدولى بكارثة دارفورالإنسانية صيغ بطريقة يـُـفهم منها استثناء أهل دارفور من زمرة المسلمين)) والازدواجية العربية استمرتْ عند مقارنة بيان الأديب ماركيز لصالح شعب فلسطين الذى هـلــّـل له العرب. بينما بيان سونيكا الذى كتب فيه عن تخريب حكومة السودان للجهود الدولية لحماية ضحايا دارفور كان مصيره التجاهل.. وتساءل أ. رجب: لوكان النظام الحاكم فى السودان علمانيًا.. هل كنا سنسمع صياحًا عن المؤامرة التى يتعرّض لها الإسلام والمسلمين؟ ونشاهد قائدًا دارفوريًا فى لقاء مع مراسل الجزيرة؟ ونشاهد المتظاهرين فى الأزهر يطالبون بفتح باب التطوع لنصرة مسلمى دارفور الذين يتعرّضون للإبادة؟ (القاهرة 5/9/2006)
وحكومة البشير لم تكن تتحدّى المجتمع الدولى فقط.. وإنما وصل الأمر لدرجة مطالبة قوات الإتحاد الإفريقى بمغادرة دارفور.. وإعلان الجهاد ضد الأمم المتحدة الكافرة (أمنية النجار– القاهرة 5/9/2006) وأعلن البشير أنه سيقود الجهاد بنفسه ضد أى جندى أممى (معتز الفجيرى– القاهرة 26/9/2006).. وبينما بارك الإعلام العروبى والأنظمة العربية محاكمة الزعيم الصربى، رفض هذا الإعلام وهذه الأنظمة محاكمة البشير.
***
وبهذا العرض المختصر يتبيـّـن أنّ الشعب السودانى، يتعرّض لأدوارأبطال التراجيديا اليونانية، فبعد أنْ تخلـّـص من البشير قفز العسكر ليستكملوا سياسته القمعية النهبوية.. وعلى الضفة الأخرى من نهر الصراع، فإنّ الشعب السودانى لايزال يواصل الصمود.. ودعا تجمع المهنيين الدول والمنظمات الدولية لعزل العسكر.. ووقف التعامل معهم.. والضغط عليهم لتسليم السلطة للمدنيين (دون قيد أو شرط) والسلاح هوالعصيان المدنى الشامل.. والسؤال هوكيف سيكون ستار الختام لهذه التراجيديا الإنسانية/ الواقعية؟
--------------------
بقلم: طلعت رضوان