حرية العقيدة فى مصر "وان واى".. مصر تحارب التطرف والإرهاب فى سيناء، والبعض يحميه فى الصعيد
وعادت المنيا من جديد، تؤذن بصوت التطرف فى سماء قُراها، هناك فى عزبة على باشا التابعة لقرية شوشة، فى جمهورية المنيا التى لم تتحرر بعد من سطوة التطرف، تملأ القلوب والعقول هناك مشاعر وأفكار، أبعد ما تكون عن الإنسانية.
فى تلك البقعة المنكوبة، يوماً بعد يوم، عادت فرنسا، وفرنسا يوسف هو اسم سيدة، أشهرت إسلامها، قبل ستة أشهر مضت، بعدما اختفت، قصة متكررة نعرف بدايتها ونهايتها طالما اشتعلت العاطفة بين رجل مسلم وإمرأة مسيحية، أو بين شاب مسلم وفتاة مسيحية، خصوصاً ان لم تكن قد اتمت عامها الثامن عشر، فعليها ان تختفى، لانها ما زالت قاصراً، وهكذا يمضى السيناريو المشبوه دائماً، ويخرج الحقوقيون لينادوا بتسليم الفتاة لأهلها، وينكر الأمن معرفة أية معلومة عنها، ثم تظهر الورقة السحرية، انها ورقة الإشهار.
لكن هذه المرة الوضع مختلف رغم تكراره ايضاً؛ ففرنسا سيدة متزوجة من رجل مسيحى، لكن ربطتها علاقة بآخر مسلم، قصة تحدث كل يوم بين ابناء الدين الواحد بغض النظر عن ديانتهم، قصة لها علاقة بأزمات اجتماعية عميقة، لكن حينما تتحول الى ازمات طائفية، قطعاً هناك ما هو خفى، ربما فضيحة او حالة ابتزاز،من يعلم؟! ولكى تخرج العلاقة لإطار الشرعية لا طريق سوى التحول عن الدين المسيحى الى الدين الإسلامى، لأن العكس فى وطننا مستحيل وحرية العقيدة فى مصر "وان واى".
تعود حكاية فرنسا الى ابريل 2018، حينما اختفت من منزل زوجها، بعزبة على باشا التابعة لمجلس قرية شوشة بمركز سمالوط، المنيا، وبعد شهرين من تاريخ اختفائها،ظهر انها قامت بتغيير ديانتها من المسيحية إلى الإسلام، وتزوجت بأحد مسلمي القرية الذى يقطن المنزل المقابل لمنزل اسرتها،"ابن الجيران يعنى"وفي نهاية فبراير الماضي، قررت العودة لتحيا مع زوجها فى القرية، وهو ما أثار غضب اقباط القرية، وتم عقد جلسة والوصول الى اتفاق بعدم عودتها، وتعهد الجميع بعدم دخول فرنسا القرية، حتى فوجىء الاقباط بدخولها فى اول ايام عيد الفطر، بعد ان ادت مناسك العمرة بالسعودية، ونشرت صورها، وهو ما استفز ذويها.
ما حدث يذكرنا بقصة مشابهة وقعت فى تسعينات القرن الماضى فى ماساة المشابك بنجع حمادى بعد عودة فتاة اشهرت إسلامها وسكنت أمام منزل والدها، استمرت حالة الاستفزاز وتجريح أسرتها حتى خرجت الاسرة عن شعورها وقتلت الفتاة، وحينها وقعت احداث عنف فى عدة قرى، وتم تهجير الاقباط وصدر حكم على سبعة منهم بالسجن المؤبد.
للأسف لا توجد حماية لأى طرف، ولا توجد تقديرات للحالة المعنوية للضحايا من الأقباط الذين لا ذنب لهم فى قصص الحب و الغرام او تغيير الأديان،ويتم ترك النار تأكل نفوس المقهورين دون أى اعتبار لما يمكن أن يحدث من مشكلات تتعلق بالشرف والعار، والتعصب، وما إلى آخره من الأمور التى لا تخفى عن أحد، خاصة فى مجتمعات الصعيد، وطبقاً للباحث فى شؤون العقيدة اسحق ابراهيم، فقد تزامن مع التجهيز للاحتفال بقدوم فرنسا - باعتبارها انها تركت دين الضلال وانتقلت الى الدين الحق- غادرت عائلة الفتاة العزبة التي تسكنها ومعها عشر أسر مسيحية، تخوفًا من التهديدات التي وصلت هذه الأسر، خصوصا مع تصاعد موجة التحرش الكلامي بهم، ومعايرتهم، ودعوتهم لسلوك نفس مسلك الست فرنسا. وترك الكفر والدخول فى الإسلام!!
ثم جاءت قوات الأمن، وبدأت التفاوض مع الطرفين تمهيدًا لعودة السيدة، وتنظيم موكب الاحتفال!! مع أخذ تعهدات على أسرتها بعدم التعرض للست فرنسا!! ومع موجة الإنتقادات، تم تأجيل عودة السيدة التي تحولت للإسلام، بينما عادت الأسر المسيحية التي تركت العزبة تحسبًا لمضايقات أو اعتداءات.
ويكمل اسحق: "مساء الأربعاء الماضى، عادت فرنسا وسط موكب احتفالي، وزفة بالتوك توك والسيارات في شوارع العزبة، وفي ظل حراسة قوات الأمن التي كانت مهمتها حراسة منازل العائلات المسيحية. وخلال الزفة وقعت اعتداءات بسيطة على عدد من المنازل وممتلكات الأقباط الذين بقوا في منازلهم، وقام أمين شرطة بإطلاق عدة أعيرة نارية ابتهاجًا بنصرة الإسلام، اثناء سير الموكب الاحتفالي بجوار منازل الأقباط.، انتشرت مقاطع فيديو وصور لما حدث، فقامت قوات الأمن باقتحام منازل أقباط والقبض على عدد منهم!!
ويسترسل اسحق:" من حق السيدة فرنسا، وأي إنسان اختيار الدين الذي يؤمن به، هذا حق دستوري، وهو حر في إعلان ذلك، ويجب أن يعمم ذلك بأن يصبح تغيير الدين في اتجاهين لمن يريد، بدون قيود، فقط أن يتم التأكد أن الشخص غير مجبر على ذلك في حالات الإختفاء، لسد الذرائع على من يقولون أن هناك عمليات خطف قد حدثت.
ولا أجد غضاضة أبداً فيما يطرحه الباحث اسحق ابراهيم، لكن بالعودة الى عام 2005، وقضايا اختفاء القاصرات التى تصدرت الصحف حينها، وقضايا اختفاء سيدات متزوجات، وإلغاء جلسات النصح والإرشاد بقرار سلبى من وزير الداخلية حينها، أى أن الجهة الموكلة بعقد الجلسات امتنعت عن عقدها حتى تاريخه، حينما نضع كل هذا على مائدة الواقع نجد أن حرية العقيدة لا تسير فى اتجاهين، بل إنها وان واى.
أيضاً هناك ملاحظة غريبة، أن كل من يتحول ويختفى ثم يعلن إشهار الاسلام هن من الفتيات والسيدات، ألا يوجد رجل يؤمن!! أم أن الإغواء يكون أسهل على قلوب النساء؟!
القهر اقوى من القانون
بقوة القانون لا يملك أحد منع فرنسا من العودة إلى القرية، لكن ألا يوجد عاقل فى العزبة، ألا يوجد وسيط، يمنع الحرج عن أسرتها التى لحق بها العار والقهر والحسرة؟ ولا يخرج علينا البعض باقوال من عينة ما تروح مطرح ما تروح، لانها لو ابنتك لن تشعر بذات المشاعر الرافضة للتعيير، لا يمكن أن تراها فى كل يوم وقد ارتدت ملابسها بحجاب اسلامى، وقد ربيتها فى الكنيسة، وربما فى الصعيد الأمر يتعلق بالشرف أكثر من التدين، لذلك يكون القهر أقوى من القانون، واقوى من الحكمة، واقوى من المنطق، وكان من المتوقع أن يحدث تحرش بين الطرفين، لكن الأمر المستفز هو ما حدث من احتفال منظم.
الوجع هو ما عبر عنه شقيق فرنسا اليشع يوسف، فى تصريح للزميل نادر شكرى، عبر موقع "وطنى" الإلكترونى،وقال انه فوجئ بوجود قوة أمنية مدرعة شرطة، أمام منزل فرنسا الجديد عند مدخل القرية، قائلا " الأمن عايز يمنعنا نخرج والبنت دخلت علشان تعيش قدام بيوتنا وكأنهم عايزين خراب، رغم إنهم تعهدوا أكثر من مرة بعدم دخولها للقرية، بعد ما عرفنا بإشهار اسلامها، وحذر اليشع من تطور الأوضاع في القرية في ظل حالة الاستفزاز التى يتعرض لها الأقباط من قبل المتشددين.
كما أن والدها وقف امام المنزل ووجه حديثه للأمن صارخاً: "عايزين تموتونى موتونى أو اعتقلونى، اللى بيحصل ده خراب للبلد وانتوا تتحملوا المسئولية. ايضا وجه والد فرنسا رسالة للرئيس السيسى عبر مقطع فيديو بثه على شبكات التواصل الاجتماعى قائلا:" خطفوها البلطجية فى 20 ابريل 2018 وفى فبراير ظهرت وبدأت المكايدة أنا اناشد الرئيس ومسؤولين المنيا يغيتونى، البلطجية اخدوا بنتى منى، والناس هنا عايزين يعملوا معايا جلسة صلح عرفى، طب ازاى؟ وجلسة ايه هو احنا ضربنا بعض ولا شتمنا بعض، دول اخدوا بنتى،انا راجل غلبان مش اد الناس دى "
الزفة المقدسة!
فطر الغوغاء قلب والد فرنسا، سحقوا كرامته، ودهسها المتطرفون، بزفة السيدة فرنسا، يحتفلون بدخولها الإيمان، ونبذها الكفر "المسيحية"، وباتوا يطالبون المسيحيين فى القرية بالاقتداء بها، عبر هتافات، واغانى مكايدة وتعيير، فى حضرة الأمن، وكأن هذا هو عرف القرية، وكل قرية تدعو القرى المحيطة، وكأن البلد لا تخضع للقانون، وكأن المنيا بلدة منعزلة وجمهورية مستقلة تحت سيطرة المأفونين دينياً، الذين نعانى الامرين منهم منذ سنوات ، اولئك الإرهابيون الذين حملوا السلاح بدأوا يوما ما بنفس الافكار وذات المواقف، فعار علينا أن تكون الدولة فى مواجهة الإرهاب فى سيناء، تدفع من دماء الجنود الطاهرة، بينما البعض فى المنيا يحمى ويفرغ مشاريع ارهابيين جدد للمجتمع، هؤلاء الذين يزفون فرنسا اليوم، هم من يفجرون الكنائس غدا، هم من يقتلون جنودنا بعد غد، هم من يتم تصديرهم لتدريبهم فى دول معادية ثم استيرادهم مرة اخرى بعد اضفاء اللمسات الدموية على أفكارهم المشوهة، فكيف نتركهم فى كل مرة يفلتون؟!
من المسؤول؟
من يتحمل مسئولية ما يجرى، هل العائلات المسيحية التى تعانى من علاقات مهترئة، وانعدام الدفء والأمان، والحوار؟ ام انها العائلات المسلمة التى بعض منها يترك بنيه، لأفكار من عينة أنه يحصد جزاء وحسنة إذا ساهم فى دخول سيدة إلى الاسلام، وتحت هذا الشعار، يحب ويتزوج، ويتسبب فى خراب لكل من حوله، وللمجتمع، ثم يصير الاثنان هو وهى ، زوجين من طراز اقل من العادى ليكتشفا انهما لم يجنيا سوى المرارة هما وذويهم؟ أم أن تعاطى الأمن مع هذه الأمور وإعلاء دين على آخر، وترك الموتورين لاحتفال غير مشروع، لأنه على هوى من تركهم، هو السبب؟ أم أن عدم انفاذ القانون هو سبب كل ما يجرى فى المنيا منذ سنوات، ملفوفاً بالعجز عن تغيير واقع موبوء بظاهرة التكفير.
ما سبق مجتمعا يعد سبباً، فبعد أن أشهرت فرنسا إسلامها، وقررت العودة للسكن فى منزل زوجها المسلم، المواجه لمنزل أسرتها، بدأت موجات التعيير والتحرش الكلامى والمكايدة، واتخذ الأمن احتياطه بتعهدات كتابية على اسرة فرنسا!! وغادرت عشر أسر مسيحية القرية، بسبب الأغلبية المتطرفة باستعراض القوة، ووصلت فرنسا ينتظرها موكب الاحتفال، وعلى عكس كل ما يتشدق به المسؤولون عن تجديد الخطاب الدينى، وعن مكافحة قوى الظلام، ووأد الأفكار الإظلامية، سرت موجة مكايدة عبر مظاهر الاحتفال التى لا أعرف سبباً لها.
والسؤال الذى يطرح نفسه، لماذا يترك الأمن أهالى القرية يطوفون ويحتفلون، ويعيرون الأقباط، وسط الطبول والزغاريد والتهليل، وتوجيه شتائم وسباب للأقباط، الذين صاروا محبوسين فى منازلهم يستغيثون من الخراب الممتد من أسرة فرنسا الى كل مسيحيي القرية بعد رجوعها؟.
القبض على فرنسا
وطبقا للزميل نادر شكرى فإن آخر ما وصل اليه الموقف فى القرية،هو إلقاء الشرطة القبض على فرنسا وعلى زوجها!! كما ألقت الشرطة القبض على ثمانية أقباط من أسرة فرنسا، وهم والدها وعمها وأبناء العمومة، وأيضا أسرة الشاب الذي تزوجت به، وتم تحرير محاضر ضدهم جميعاَ بإثارة الفتنة الطائفية، وإلزامهم بعقد جلسة ودية لإيجاد حلول للأزمة، وإلا سيتم تحويل المحاضر للنيابة، وطبعا انصاع الجميع وعقدت جلسة الصلح.. والتقطوا الصورة الصامتة التى ينفجر الغل من أركانها.. أملا فى هدوء زائف، ينتظر حكاية جديدة ليتبدد معها ما لم تتم معالجة الأمور من جذورها.
انتصار الغوغاء
وهكذا انتصر الغوغاء وبات الأمن عاجزاً امامهم إلا عبر احتجاز الطرفين، الجانى والمجنى عليه!! لاجبارهم على التراضى؟ فماذا فعلت اسرة فرنسا حتى تحتجز؟ نحن نحتاج عقوداً طويلة، لإرساء دولة القانون الذى ينتصر للضحايا، لكن ما يحدث حالياً هو انتصار للمتطرفين، إنهم يتبارون فى المكايدة وإظهار النصر، كما لو كان انتصار المؤمنين على الكفار فى أى زمان نحن؟ فليخرج عاقل لاولئك المتخلفين، لينير عقولهم بشمس الانسانية التى سبقت الأديان، ليقول لهم أن اتباع نظام المكايدة للنهش فى الأعراض، لا علاقة له بالدين، فليخرج عليهم عاقل ليفهمهم أنهم يسيئون للإسلام، ولا ينصرونه، ولن يحصدوا حسنة إضافية عن قهر عائلة فرنسا، وسب المسيحيين، وإغراق القرية فى صراع لن ينتهى.
لكنه لم يخرج ذلك الذى نناديه منذ عقود ولا يأتى، بل خرج المتطرفون، ثم تجمهروا، وقذفوا منزل عبدالله ناشد عبد السيد - عم الفتاة- بالحجارة، اى منطق ذلك الذى يدفع شخصا لا علاقة له بأطراف الواقعة، ان يقذف بيوت الأقباط المنكوبين من عائلة الفتاة، ليستفزهم؟ ثم يتم استكمال السيناريو بتهجيرهم من القرية، لتطمئن وتستريح قلوب متطرفين تحت الطلب، نعم فالذين يخرجون فور حدوث واقعة تتطلب خروجهم ولا يخرجون من تلقاء انفسهم، يتحولون من التطرف إلى إرهابيين تحت الطلب، فالقوة اللازمة لدفعة البداية لم تواتهم بعد؟ فيتحركون حينما يقع حادث يمنحهم الشجاعة للتحرك، محتمين فى عجز الأمن عن مواجهة القناعات التى تنتمى إلى بعض التيارات السلفية المتجذرة فى نفوس البسطاء، والتى بمقتضاها يكفرون المسيحى، ويعتبرون إشهار المسيحي إسلامه نصرا، وكأنهم بين كفار قريش، إنه منطق معيب مشوه ذلك الذى يسمح لسيدة تركت زوجها، بالعودة لقهر ذويها، وحسرتهم، واى منطق يعتمده الأمن فى ترك أولئك الموتورين فريسة للغيظ والكيد، وكأن الإسلام انتصر على المسيحية؟ والى متى تتركونهم يتصورون أنها حرب دينية، فلا المسيحية قادمة بالحروب الصليبية، ولا الإسلام عاد لعهد الغزوات والفتوحات.
---------------------
تحليل بقلم: حنان فكري