13 - 05 - 2025

المجلس العسكرى السودانى يخلع الأقنعة

المجلس العسكرى السودانى يخلع الأقنعة

عندما أدرك ضباط المجلس العسكرى السودانى قوة جماهيرالشعب السودانى، وقوة التنظيم بين مختلف فصائل القوى الديمقراطية.. وهو ما تمثــّـل فى (قوى الحرية والتغيير) الذى ضـمّ شتى عناصرالمعارضة، بتاريخهم المعروف ضد حكم البشير، عندما أدرك الضباط ذلك.. وتأكــّـدوا أنّ أيام البشير سقطتْ على أرض الواقع، مثل أوراق الخريف الذابلة، لذلك قرّروا أنْ يجلسوا على عرش السودان، بدلا من البشير، وكان مدخلهم لذلك هو (التظاهر) بأنهم مع الجماهير.. وبدأوا سلسلة المفاوضات مع القوى الوطنية.. وعلى رأسها تيارالحرية والتغيير.. وأعضاء هذا التيارتعاملوا مع الضباط بحـُـسن نية.. وصـدّقوا مزاعمهم.. وأنهم مع إقامة (حكم مدنى ديمقراطى)  

ومن هنا كان الخطأ الفادح الذى وقع فيه أعضاء تيارالحرية والتغيير.. وهذا الخطأ يؤكد أنهم لم يدرسوا تاريخ الانقلابات العسكرية، سواء فى دول آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.. وعلى سبيل المثال فإنّ ضباط يوليو1952بعد أنْ جلسوا على عرش مصر، تراجعوا عن وعودهم بشأن (عودتهم إلى ثكناتهم.. وتسليم الحكم للتيار المدنى)  

وبالرغم من أنّ أحمد حمروش كان أحد ضباط يوليو52.. ودافع عن عبدالناصر فى كتابه (قصة ثورة يوليو- دارالموقف العربى- عام1981) فإنه كان موضوعيًا عندما كتب أنّ دستور سنة 1923 الذى أسقطه ضباط يوليو– رغم ما فيه من سلطات مطلقة للملك كان ((ركيزة وضمانة لحرية الجماهير السياسية)).. وفى يوم 17 يناير 53 صدر بيان حل الأحزاب.. ومصادرة أموالها فكتب حمروش..وهكذا ((كشـّـرتْ حركة الجيش عن أنيابها)).. وجاء على لسان كاتب البيان ((ومنذ اليوم لن أسمح بأى عبث أو إضراربمصالح الوطن وسأضرب بمنتهى الشدة على من يقف فى طريق أهدافنا)) وفى اليوم التالى صدرمرسوم بقانون بأنّ ما يتخذه مجلس القيادة هو من أعمال السيادة لارقابة قانونية عليها فكتب حمروش ((كان تركيزالسلطة فى يد المجلس العسكرى إعلانــًا عن قيام نظام يستند إلى الدكتاتورية العسكرية. ولا يُجيد التخفى فى ثياب الديمقراطية)) (من ص98- 104)  

وتكتسب مذكرات خالد محيى الدين (والآن أتكلم- مركز الأهرام للترجمة والنشر- عام 92)  مصداقية لعدة أسباب 1- أنّ ما ذكره عن وقائع مُحدّدة جاء مُتطابقــًا لما ذكره غيره من ضباط يوليو، أمثال محمد نجيب، عبد اللطيف البغدادى وثروت عكاشة 2- أنّ بعض المعلومات التى ذكرها جاءتْ متطابقة مع ما ذكره بعض المؤرخين أمثال طارق البشرى، عبد العظيم رمضان وجمال بدوى وما كتبه الوفدى الشهير إبراهيم طلعت فى مذكراته.  

وبعد اعتقال عمال مصانع كفر الدوار..وإعدام العامليْن مصطفى خميس ومحمد البقرى تبع ذلك كما ذكرخالد ((اعتقال كل قيادات الأحزاب السياسية ما عدا الإخوان)) وأنّ ((عبدالناصر كان قد رتــّبَ قبل (الثورة) علاقة مع الأمريكان عن طريق على صبرى)) وأنّ السفير الأمريكى كافرى ((كان يتصرف على أساس أنه يمتلك نفوذًا فى صفوف (الثورة) وفى وثائق وزارتىْ الخارجية البريطانية والفرنسية أنّ كافرى كان يزهو أمام سفراء أوروبا بأنه على علاقة خاصة بالضباط ويتحدث عنهم قائلا My boys أى أولادى)) وأنّ المستشار السياسى للسفارة الأمريكية فى اجتماع حضره خالد محيى الدين وعبدالناصر وآخرين، هاجم حزب الوفد بشدة وقال ((إنّ عيب الوفد أنه يخضع للضغط الشعبى وأنّ خضوعه لهذا الضغط الشعبى ألغى المعاهدة وفجـّرالكفاح المسلح ومثل هذا المناخ يُـشجع الشيوعية))  

وتم القبض على كل من طالب بحكومة مدنية.. وشملتْ ضباط المدفعية.. وفى 18 يناير 53 شنّ الأمن حملة اعتقالات واسعة شملتْ14من قادة الأحزاب و39 شخصًا بتهمة الاتصال بجهات أجنبية و48 شيوعيًا أغلبهم (أو ربما) كلهم من حدتو (ص212) وكان مصير كل من يعترض من الضباط على سياسة عبدالناصر والمناصرين له الهلاك فقد ((تم القبض على عدد من الضباط وضربهم ضربًا مُبرحًا.. ومن سلاح الفرسان تم القبض على حسن (اسمه لدى معظم المؤرخين حسنى وربما الخطأ غيرمقصود) الدمنهورى المعروف بتوجهاته الليبرالية ونقده لتصرفات الضباط الذين استولوا على السلطة.. فكان رأيهم الحكم عليه بالإعدام. فلما اعترض خالد قال له صلاح سالم ((أرجوك وافق على الإعدام لكى نـُخيف الضباط.. وأعدك أنْ نطلب من نجيب عدم التصديق على الحكم)) وقضى حسنى الدمنهورى عشر سنوات فى السجن (ص225)    

ولما ذهب عبدالناصر إلى سلاح المدرعات هاجمه الضباط بشدة.. ولم يستطع أنْ يكسبهم إلى صفه، بل لم يستطع أنْ يــُـقنع أحدًا منهم بموقفه (من254 - 257) أى موقف عبدالناصرالمُعادى للديمقراطية.. وقال عبدالناصر للضباط ((ياجماعة.. بصراحه كدا ما فيش حد مقتنع بعودة الديمقراطية والحياة النيابية إلا خالد (من 258- 261) وطالب الضابط أحمد المصرى بإلغاء الترقيات الاستئنائية بما يعنى عودة عبدالحكيم عامرإلى رتبة صاغ (عبدالناصر صعـّـده إلى رتبة لواء) وقال له ضابط آخر((حضرتك جئت للمناقشة والتعرف على وجهات نظرنا أم لتحديد أشخاص معارضيك واعتقالهم؟)) وتحوّلتْ المناقشة إلى جلسة استجواب لتصرفات المجلس، خاصة المصروفات السرية. فلما دافع عبدالناصر عن نفسه..ردّ عليه الضابط أحمد المصرى ((ولكنك مسئول عن كل تصرف خاطىء يرتكبه أى واحد منهم)) ثم تحدث البعض عن استغلال الضباط لمناصبهم وعمليات الإثراء غير المشروع (وهذا الكلام فى مارس 54 أى قبل تمام عاميْن من سيطرة الضباط على الحكم- ط .ر)  

وما قيل عن اختلاس بعض أموال مقتنيات أسرة محمد على.. ونقل بعضها إلى منازل بعض الضباط وحملات الاعتقال الواسعة ضد الشيوعيين)) سأله الضابط محمود حجازى (ماهوتصور البكباشى عبدالناصر كمسئول عن هذه التصرفات فى ظل غياب الديمقراطية.. وعن إحساس البعض بأنه لايمكن محاسبتهم فى ظل هذه الأوضاع البعيدة عن الحرية)) فقال عبدالناصر أنّ ((الشعب لايستطيع تحمل مسئولية الحرية)) فردّ عليه أحد الضباط ((لايمكن الحجر على الناس بحجة أنهم ليسوا أكفاء للاستمتاع بالحرية)) وعندما سمع عبد الناصر صوت الدبابات سقطتْ السيجارة من يده ((وظلّ يحفظها فى نفسه ولفترة طويلة عندما انتهتْ عاصفة مارس.. وبدأتْ مرحلة الانتقام ممن عارضوه)) (من265 - 274)  

***

إنّ ما نقلته من مذكرات ضباط يوليو جزء يسير من المعلومات، التى تؤكد عداء الضباط للديمقراطية.. ولإقامة حكم مدنى..ومن هنا- كما توقعتُ- جاء موقف ضباط المجلس العسكرى السودانى، حيث قرار فض اعتصام الجماهير بالقوة المُـسلحة.. وما نتج عن ذلك من قتلى وجرحى.. ولكن الايجابى فى الأحداث، أنّ قوى الحرية أعلنوا عن عدم الاستسلام للضباط.. واستمرارعصيانهم المدنى.. حتى تتحقق مطالب الجماهير بإقامة نظام حكم مدنى.
-------------------------
بقلم: طلعت رضوان  

 

مقالات اخرى للكاتب

أين الدول العربية من التنافس الأمريكى الروسى؟