15 - 05 - 2025

هل يضرب "العسكري السوداني" "الحرية والتغيير" بالإسلاميين ليفوز بالحكم؟

هل يضرب

الثورة السودانية توشك أن تفقد بوصلتها: 
بشير آدم رحمة: الكشف عن هوية زعيم تجمع المهنيين السودانيين يزيد الأزمة
منصور الحاج: اهتمام الجماعات الجهادية والقوى الإقليمية بالأوضاع في السودان أمر في غاية الخطورة

لم يكن إقصاء نظام البشير وحده هدفا للثورة السودانية٬ إنما كل من تعلقوا بأستار الإسلام لتحقيق أغراضهم السياسية٬ وكعادتهم في اتباع مبدأ التقية٬ ابتعدوا قليلا ليرتبوا أوراقهم وصفوفهم٬ لينقضوا على المغانم٬ والآن بعد ظهورهم بقوة في المشهد الثوري٬ يرى بعض المحللين أن المجلس العسكري يأخذ من هذا الظهور ذريعة لضرب "الحرية والتغيير" بالإسلاميين حتى ينفرد بكعكة الحكم٬ فهل تصدق هذه الرؤى؟ أم أن الشعب السوداني لن تخدعه الشعارات مجددا وسيظل ثابتا على مبدأ ثورته في المطالبة بدولة ديمقراطية؟  

صعّد رجال الدين لهجتهم ضد المتظاهرين وحرضوا المجلس العسكري الانتقالي ضد الثوار وهددوا بحشد أنصارهم وإعلان الجهاد ضد مخالفيهم بل وغازل بعضهم تنظيم داعش بإعلان رغبتهم في إقامة "خلافة إسلامية على منهاج النبوة" في السودان٬واتهموا المتظاهرين بـ"موالاة الكفار".

وفي اللقاء الذي نظمه المجلس مع رجال الدين في قاعة الصداقة بالخرطوم قال ناصر رضا رئيس لجنة الاتصالات المركزية لـ"حزب التحرير" بالسودان مخاطبا المجلس العسكري بعد أن تلى آيات الحاكمية: "نحن وأنتم يجب أن نحتكم إلى أمر الله وإلى شرع الله. هذه مسؤولية وواجب على كل مسلم ومسلمة الإذعان لها. الأمر أيها الأحبة الأكارم ليس حبا في مجلس عسكري ولا في حكومة مدنية. القضية هي إما أن نعبد الله عز وجل وأن نعبّد الناس لله بإقامة شرع الله احتكاما لأمر الله وتحاكما إلى أمر الله.

خطبة رجل الدين السلفي السوداني عبد الحي يوسف لم تكن أقل تشدداً وتحريضا ضد المتظاهرين من رضا٬ فقد وجه رسالة إلى رئيس المجلس العسكري ونائبه من فوق منبر خطبة الجمعة هدد فيها بأن "دين الله خط أحمر" ووصف الشريعة بأنها "غاية الغايات" وأنه لا يقبل "المساس بها ولا التعدي عليها".


ومن مدينة إدلب السورية، التي تسيطر عليها الجماعات الجهادية التي تضم في صفوفها مجاهدين من شتى بلدان العالم، حرض الجهادي المصري محمد ناجي المعروف بأبي اليقظان المصري وهو مسؤول سابق في تنظيم جبهة النصرة الإرهابي في خطبة صلاة الجمعة بعنوان "نصر الله قريب" ضد تجمع المهنيين السودانيين ووصفهم بالعلمانيين وقال إن السودانيين يرفضون حكمهم ويطالبون بالإسلام وحاكمية الشريعة.

كما دخل إسلاميون موقع اعتصام القوى المدنية٬ وهتف المتظاهرون بشعارات إسلامية، مثل "الحل في الدين" و"لا شيوعية ولا الحاد... الإسلام بالمرصاد" و"ثوار احرار لن تحكمنا قوى اليسار".

كما شاركت في التظاهرة نساء، ارتدى بعضهن النقاب ورفعن لافتات مؤيدة للحكم الإسلامي٬

وكانت مجموعة من الأحزاب والحركات الإسلامية دعت إلى التظاهر ضد الاتفاق بين المجلس العسكري وتحالف "قوى الحرية والتغيير" الذي يقود حركة الاحتجاج في وسط الخرطوم، بحجة أنه "اتفاق اقصائي" و"يتجاهل تطبيق الشريعة الاسلامية"، وفق ما قال قياديان إسلاميان.

وقال الطيب مصطفى، رئيس تحالف 2020 الذي يضم عدّة أحزاب وحركات تؤيد اعتماد الشريعة في القانون وتناهض الأفكار العلمانية وبينها حزب المؤتمر الشعبي الذي كان في الماضي متحالفا مع الرئيس المعزول عمر البشير، إن "السبب الرئيسي لرفض الاتفاق أنه تجاهل تطبيق الشريعة الاسلامية... منتهى اللامسؤولية، وإذا تم تطبيقه سيفتح أبواب جهنم على السودان

ضد الكيزان

وهو ما دعا الأيرلندي إدوارد توماس، الذي عمل في السودان خبيرًا حقوقيًّا مستقلًّا، بتكليف من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة؛ أن يحمل جماعة الإخوان المسلمين جانبًا من المسؤولية عن سقوط حكم الرئيس عمر البشير، معتبرًا أن توجيه الجماهير التي انتفضت ضد الأخير، طوال الشهور الأربع الماضية، هتافات عدائية ضد الإسلاميين الذين أطلق عليهم «الكيزان»؛ كان «دليلًا قاطعًا على تلك الحقيقة».

وقال إن الإسلاميين الذين تحالفوا مع البشير شكلوا طبقة اقتصادية تسببت في إضعاف حكمه، بعدما شاع عن أعضائها سعيهم الدائم إلى جني الأرباح، دون النظر إلى الأضرار التي تلحق بالمواطنين.

وذكر توماس -وهو باحث في كلية الدراسات الشرقية والإفريقية في لندن، ومتخصص بالشؤون السودانية- أن مصطلح «الكيزان» الذي أطلقه السودانيون على حلفاء البشير من الإسلاميين، «لم يأت من فراغ».

وأضاف موضحًا: «كان المتظاهرون يهتفون ضد الإسلاميين الذين يُطلق عليهم بالعامية السودانية نعت (الكيزان) أي المجارف، إشارةً إلى أنهم أصحاب شهية لا تشبع».

وفي تحليله للتطورات الأخيرة في السودان، قال  توماس في حوار مطول نشره مركز «كارينجي» على موقعه الالكتروني إن «تدحرج رأس البشير من الحكم  بدأ حين قوَّضت الأزمة المالية قدرة السودان على تمويل واردات القمح؛ ما دفع الناس إلى النزول إلى الشوارع في ديسمبر الماضي. وقد تفاقمت الأزمة بفعل نصيحة من المؤسسات المالية الدولية التي دعت إلى وضع حد لسياسة دعم الخبز والوقود».

وعن أسباب تراكم الغضب الشعبي ضد البشير وحكومته، قال توماس إن «الألم الاقتصادي كان قد صُدِّرّ طوال سنوات عدة إلى أطراف البلاد الشاسعة والمتنوعة، وتدبرت أمره تقنيات مكافحة العصيان»، مضيفًا: «استندت الطبعة السودانية من نظام السوق السلطوية إلى التحالف مع الإسلاميين والرأسمالية المالية والتجارية، وقوات الأمن، وكل هؤلاء تمكّنوا من دمج أنفسهم في ما بدا أنه طبقة حاكمة، نجحت في مراكمة ثروات من الازدهار النفطي؛ لذا، كان المتظاهرون يهتفون ضد الإسلاميين.

وتابع توماس: «الذين لم يتمكّنوا من شراء خبزهم اليومي هم من أطلقوا شرارة الاحتجاجات الأولى. وعندما اتسعت رقعتها ووصلت إلى العاصمة، جذبت دعم الجمعيات المهنية، التي لعبت دورًا بارزًا في انتفاضتي 1964 و1985، حين أُطيح بالدكتاتوريين الأخيرين في السودان. والآن، حين تصدَّت قوات الأمن بوحشية للمتظاهرين، وهاجمت المستشفيات والأطباء الذين كانوا يعالجون المحتجين الجرحى؛ أسفر ذلك عن ازدياد المعارضة تلاحمًا وعزيمةً؛ ما ساعد على استحضار ذكريات المقاومة السلمية السابقة».

دولة مواطنة

ومن جهته أكد عبد الواحد محمد نور رئيس ومؤسس حركة "جيش تحرير السودان" أنّه على الأطراف المتفاوضة اليوم بعد إسقاط الرئيس السابق عمر البشير تحت ضغط الشارع السوداني الاستماع إلى مطالب الشعب الذي يريد اسقاط النظام وتسليم الشعب السلطة٬ وقال انّه إذا لم يقم الجيش السوداني بتسليم السلطة للشعب، فلا تكون الثورة قد بلغت أهدافها.

ورأى نور " أنّ الشعب السوداني موّحد وقد اختار في الماضي طريقين للنضال: الكفاح المسلّح والكفاح الشعبي داعيا للاستمرار في التظاهر كي تسقط الدولة العسكرية ويتم بناء دولة المؤسسات والمواطنة.

وقال: "من يحدد السلطة هو الشعب٬ وفي حركة تحرير السودان نؤمن أن ليس لدينا دولة مؤسسات٬ ومنذ ١٩٦٤ حتى الآن تمردنا ٤ مرات٬ ولا يمكن تحقيق هذه الدولة على طاولة مفاوضات٬ لابد من دولة مؤسسات تساوي بين جميع أطياف الشعب وفئاته٬ لا إسلامية ولا عسكرية٬ وإذا لم يسلم الجيش السلطة إذن الثورة لم تنجح٬ ولابد من أن يثق الشباب في أنفسهم وأنهم قادرون على التغيير٬ وإذا بقي أي نظام عسكري لن تكون دولة ديمقراطية في السودان٬ وكذلك الحال بالنسبة للإسلاميين٬ فهما وجهان لعملة واحدة". 

وأضاف :" مازلنا في حركة تحرير السودان نقف صفا واحدا مع حركة المهنيين لإقامة دولة المواطنة٬ ولم نوقع على إعلان الحرية والتغيير لأننا من قبل وقعنا اتفاقية الجبهة الثورية والفجر الجديد ووثيقة إعلان باريس٬ الأزمة ليست أزمة مواثيق إنما الاتفاقيات الثنائية مع النظام٬ والتفاوض مع النظام اعتراف به. وتحالفنا مع الشعب ونريد مشروع وطني٬ ورفضنا كل الاتفاقيات الجزئية". 

لا للحاكمية

ويقول المحلل السياسي منصور الحاج: لأننا أمام ثورة ضد نظام الإسلاميين٬ تطالب بالديمقراطية والحرية والسلام والعدالة، فقد تكاتف ضدها حلفاء الإسلاميين وداعميهم كتركيا وقطر كما عادتها أنظمة إقصائية طائفية تقمع وتعذب دعاة الحقوق والحريات السياسية والمدنية والشخصية كالسعودية والإمارات ومصر المعروفة بمعاداتها لثورات الربيع العربي وتأييدها لحكم المؤسسات العسكرية، كما تربص لها شيوخ الجهاد والتنظيمات الإرهابية والجماعات الجهادية في محاولة بائسة للتآمر عليها واختطافها من أنصار الحقوق والحريات.

وأضاف: إن الغزل الصريح للدواعش للتدخل في الشأن السوداني ستكون له تداعيات وخيمة على السودان وأهله٬ كما خرج علينا قبل أيام رجل دين يدعى محمد عبد القادر معترضا على مطالبة الثوار بحكومة مدنية واصفا إياهم بـ"الشيوعيين والمرتدين والملحدين" وبأنهم "سفلة من البشر و"على ضلال" و"يدخنون الحشيش" في تسجيل مصور أثنى فيه على الجيش ونسب إليه الفضل في نجاح الثورة في إسقاط البشير.

وبالطبع، لم تتأخر الجماعات الجهادية في التآمر والسعي لاختطاف ثورة الشعب السوداني، فقد أصدر تنظيم القاعدة بيانا حذر فيه السودانيين ممن وصفهم بـ"المتسلقين ممن يرومون تنحية الشريعة وفصل الدين عن الدولة من المنتمين إلى الأحزاب العلمانية والشيوعية". وحث البيان أنصاره على "تشكيل قوات دفاع لحماية الثورة والثوار". ولم يختلف موقف زعيم تنظيم "داعش" من السودان كثيرا عن بيان "القاعدة".

وبالنظر إلى كل ما سبق يتضح بلا أدنى شك بأن الإسلاميين من سلفيين وجهاديين متفقون على خطف الثورة وأنهم يعتبرون الثوار أعداءهم الأساسيين في هذه المرحلة. ومن الواضح أيضا استعدادهم للتحالف مع المجلس العسكري لقتل المعتصمين بعد أن أفتى مشايخهم بردة الثوار وإلحادهم وموالاتهم للكفار.

ثوار الوعي

وأكد الحاج أن هذا الغزل الصريح للدواعش للتدخل في الشأن السوداني عبر ترديد شعاراته وأدبياته التي يبرر بها إرهابه وتفجيراته في كل الدول التي وصلها ستكون له تداعيات وخيمة على السودان وأهله إن لم تبادر السلطات إلى وضع حد لمثل هذه التصريحات الخطيرة والفتاوى التكفيرية والتحريض الواضح بقتل المتظاهرين بتهمة "موالاة الكفار".

إن اهتمام الجماعات الجهادية والقوى الإقليمية بالأوضاع في السودان أمر في غاية الخطورة ومن الضروري أن تدرك جميع الأطراف أهميته والعمل بحكمة في المرحلة القادمة لقطع الطريق أمام تلك الجماعات وحماية البلاد من الانجرار إلى براثن العنف. وبحكم متابعتي المتواصلة للجماعات الجهادية فإنني أتوقع أن يحاول الدواعش والجماعات الموالية لتنظيم القاعدة المتواجدون في كل من تشاد وليبيا والصومال وكينيا والكونغو ومصر ونيجيريا والنيجر ومالي الوصول إلى السودان من أجل إرهاب الثوار ودفعهم إلى التخلي عن أحلامهم في دولة تكفل الحقوق والحريات والأمن والاستقرار على حد سواء.

لقد أظهر ثوار السودان قدرا كبيرا من الوعي في التعامل مع الأوضاع بحكمة ورشد والتغلب على العقبات المختلفة طوال أشهر الحراك إلا أن التحدي الحقيقي في اعتقادي يكمن في مدى إدراكهم لمتطلبات المرحلة القادمة التي تتطلب حكمة ومرونة لتجاوز التحدي الأمني وقطع الطريق أمام الجماعات الإرهابية وإكمال فصول ثورتهم المباركة.

الشيوعي و"المهنيين"

ومن جهته يؤكد نائب الأمين العام لحزب «المؤتمر الشعبي»، الدكتور بشير آدم رحمة، أن الوضع أصبح أكثر تعقيداً ويفسر ذلك بقوله: إن الحزب الشيوعي السوداني، وبدعم خارجي أفلح في قيادة تجمع المهنيين والحراك ضد حكومة المؤتمر الوطني، إلى أن سقط نظام عمر البشير.

وأضاف: «الآن قادة الحزب الشيوعي أمثال صديق يوسف يتحدثون بلغة إقصائية، ويطلبون من المجلس العسكري الانتقالي أن يشكل تجمع المهنيين والحرية والتغيير، مجلس القيادة (الرئاسة)، ومجلس الوزراء، وبرلمان السلطة الانتقالية لمدة 4 سنوات.

وتابع: المجلس العسكري حدَّد عامين كحدٍّ أقصى للفترة الانتقالية، وهناك أحزاب تتحدث عن عام واحد فقط، في حين يطرح تجمع المهنيين والحرية والتغيير 4 سنوات فترة انتقالية، ويهدف الحزب الشيوعي الذي يقود الحراك لإطالة المدة، حتى يتمكن من محو كل أثر للنظام القديم في كل مؤسسات الدولة، لأن الحزب الشيوعي ليست لدية قاعدة شعبية على الأرض تجعله ينجح في أي انتخابات حرة ونزيهة.

وحول مطلب تجمع المهنيين بإقصاء كل من شارك في حكومة البشير، علق بأن «الحزب الشيوعي»، هو الذي يقود الشارع الآن، وإن اختلفت المسميات، ومطالبتهم بإقصاء كلّ من شارك من الأولى تطبيقها على أنفسهم، لأن محمد المصطفى، أحد قيادات الاعتصام تربطه صلة قرابة بالبشير، وشغل إحدى الوزارات في عصره، ومعروف أنه شيوعي، والآن يقود تجمّع المهنيين من أجل تسلُّم السلطة، وهذه قمة التناقضات. نعم المجلس العسكري يريد التسليم للمدنيين، ولكن باتفاق.

كشف هوية زعيم المهنيين يزيد الأزمة

ما يزيد التوجس بين الطرفين هو كشف تجمع المهنيين السودانيين، أن زعيم التجمع هو محمد يوسف المصطفى، وهو قيادي سابق بالجبهة الشعبية لتحرير السودان (قطاع الشمال)، وهو الفصيل الذي قاد انفصال الجنوب، ويُتهم من قِبل الكثيرين في السودان بعدائه للتوجه الإسلامي والعروبي في السودان.

ومن الواضح أنه بينما يتعنَّت المجلس العسكري في تقديم تنازلات للحراك فإن المجال الوحيد الذي لا يعترض فيه على التنازلات هو ما يتعلق بإقصاء الإسلاميين إرضاء للحراك.

إذ يبدو أن هدف المجلس العسكري كرعاته الخليجيين هو إبقاء العسكريين وإخراج الإسلاميين من السلطة، لتكون السلطة الجديدة في السودان.

على سبيل المثال وافق المجلس العسكري على إقالة ثلاثة جنرالات إسلاميين، حسب وصف تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.

ويبدو هذا تكراراً لسيناريو الصراع بين الإسلاميين والليبراليين واليساريين، الذي تكرَّر في مصر، ويعد من سمات السياسة العربية منذ عقود أو كما يقول البعض فإن هذا خلاف عمره قرن كامل، إلا أنه في السودان يكتسب مرارة خاصة.
---------------------------
تقرير – آمال رتيب