13 - 05 - 2025

العروبة ونفى خصوصية الشعوب العربية

العروبة ونفى خصوصية الشعوب العربية

كتبتُ كثيرًا عن (أوهام العروبة) وبالرغم من أنّ كتاباتى (موثــّـقة) بأدلة من أرض الواقع.. وليست من شطحات الميتافيزيقا الهابطة من (فضاءات كونية/سماوية) مجهولة، فإنّ الناصريين ومعظم الماركسيين استقبلوا كتاباتى إما بالصمت.. وفق قاعدة: الموت بالتجاهل، أوبالسخرية مع التشبث بالعروبة.. وعدم الاعتراف بأنها (وهم) بل هى (حقيقة).. والأمل فيها.. ولابديل آخرلمواجهة العدوالإسرائيلى. 

وفى أحدث صورانتكاسات العروبة..والتى تؤكد ما سبق أنْ كتبته منذ عدة سنوات، الأخبارالمنتشرة (بفضل تكنولوجيا الاتصالات الحديثة) عن واقعتين: الأولى بطلتها قناة الجزيرة التابعة لدولة قطر.. والتى أوقفتْ اثنين من صحفييها عن العمل.. والسبب أنهما شاركا فى انتاج (فيديو) عن (محرقة اليهود) والمتضمن أنّ الحديث عن أنّ هتلر قتل 6 مليون يهودى.. هوحديث فيه (مبالغة).. وأنّ هذا الرقم هو ما روّجتْ له الصهيونية.. وذلك وفق ما ذكرته وكالة أنباء (فرانس برس).. وتضمن الفيديو أيضًـا أنّ اضطهاد النازى لليهود، شمل الماركسيين بالرغم من أنهم يعتنقون المسيحية.. كما أنّ معظم دول أوربا شهدتْ الكثير من صور اضطهاد اليهود.. وبالتالى يكون السؤال المنطقى هو: لماذا التركيزعلى ما فعله هتلر فقط؟.. وهذا السؤال هو ما أغضب وزارة الخارجية الإسرائيلية، فأصدرتْ بيانــًـا استنكرتْ فيه ما جاء فى الفيديو الذى أذاعته القناة الرقمية آى جى بلس التابعة لشبكة الجزيرة.. وهوما نجح فى نشر 21 تغريدة عقب بث الفيديو- وهى تغريدات كلها دارت حول (أكاذيب القناة القطرية).. وكان رد الفعل السريع من إدارة القناة التابعة لدولة قطر قرار إنهاء عمل الصحفييْن اللذيْن شاركا فى انتاج الفيديو الذى ردّ على مبالغات الصهيونية حول (محرقة اليهود النازية)  

ولأنّ وزارة الخارجية الإسرائيلية (غضبتْ) من هذا الفيديو كان (من الطبيعى) أنْ (تغضب) إدارة قناة الجزيرة التابعة لدولة قطر.. وهكذا يبدو التطابق التام بين وجهة النظرالإسرائيلية.. ووجهة النظرالقطرية.. فهل هذا التطابق لصالح العروبة؟ أم لصالح إسرائيل التى وصفها الإعلام العروبى/ الناصرى بأنها (دولة مزعومة) ويجب إبادتها؟ 

الخبرالثانى الذى يؤكد كتاباتى عن (وهم العروبة) هوما انتشر فى الفضائيات بعد تصريح رأفت صالح (عضواللجنة التنفيذية لمنظمة التحريرالفلسطينية) الذى رفض دعوة كل من أمريكا ودولة البحرين (العربية) لعقد ما (يسمى) مؤتمر السلام من أجل الازدهار(فى العاصمة البحرينية) يومي 5، 6 يونيو 2019.. وقال صالح: إنّ السلام الحقيقى هو أنْ تــُـقام دولة فلسطينية على حدود 4 يونيو 1967.. وعاصمتها القدس الشرقية.. وأضاف: إنه من المعيب على دولة عربية (شقيقة) أنْ تتساوق (وتتطابق) مع التوجهات الأمريكية.. وما تطرحه من أفكار تهدف إلى ((تصفية القضية الفلسطينية)).. وتعمل على استضافة ((مؤتمرات تسعى لتصفية قضية شعبنا الفلسطينى)).. ودعا الأنظمة العربية لمقاطعة هذا المؤتمر (دنيا الوطن 21 مايو 2019) 

وهذا الخبريستدعى الملاحظة التالية: 

أولا: ما يتعلق بالاتفاق الأمريكى/ البحرينى حول (مؤتمر للسلام من أجل الازدهار) وربط ذلك بتواجد الأسطول الأمريكى الخامس فى دولة البحرين (العربية) والسؤال الذى أتمنى أنْ يشغل فكر الناصريين والماركسيين هو لماذا سمحتْ.. ووافقتْ على تواجد الأسطول الأمريكى الخامس، لتكون له السيطرة الكاملة على حركة الملاحة البحرية، فى المياه الإقليمية لدولة البحرين (العربية)؟ ولمصلحة من هذا التواجد الأمريكى فى دولة البحرين؟ هل سيكون لمصلحة الدول العربية؟ أم لمصلحة إسرائيل؟.. والتى وصفها الإعلام العروبى/ الناصرى بأنها الولاية الأمريكية رقم 51 ثـمّ تبيـّـن مغالطة هذا الإعلام العروبى، بعد النزاع الأمريكى/ الإسرائيلى عقب (تجسس إسرائيل) على إدارة البيت الأبيض؟.. وبعد التقدم الإسرائيلى العلمى، لدرجة أنها كانت الدولة السادسة نوويـًـا فى عام 1970، أى بعد 22 سنة من قيام هذه الدولة (المزعومة) فى (زعم) الناصريين (معلومة التقدم النووى- نقلا عن د. فوزى حماد- رئيس هيئة الطاقة الذرية بمصر- مجلة الهلال- يوليو 2002)  

ثانيـًـا: السيد صالح استخدم التعبير السائد والشائع عندما اعتبر البحرين دولة (شقيقة) والأخطر أنه ردّد التعبير الذى انتشر بعد هزيمة يونيو حيث قال: نريد دولة فلسطينية على حدود 4 يونيو 1967، أى أنّ سيادته سار وراء الفريق العروبى الذى تناسى حدود 1947.. وهى الحدود التى تمسـّـك بها الفلسطينيون (والأنظمة العربية) ورفضوا قرار تقسيم فلسطين بين الفلسطينيين وإسرائيل.. والمغزى استفحال التنازلات الفلسطينية (والعربية) وتناميها، مقابل تنامى مساحة إسرائيل وتوسعاتها.. وبصفة خاصة بعد (كارثة/ هزيمة يونيو 67) التى جاءتْ نتيجة الغرور العروبى الذى مكــّـن إسرائيل من احتلال سيناء والضفة والجولان، أى أنّ تضخم الذات العروبية هو الذى ساعد إسرائيل على المزيد من التوسع. 

ووسط هذا الولع العروبى لدى المتعلمين المصريين (والعرب) تبيـّـن لى أنّ الأمر مختلف لدى كثيرين من المثقفين السوريين والمغاربة والتونسيين والعراقيين.. إلخ ومن أمثلة ذلك ما أعلنته الكاتبة السورية "وفاء سلطان" حيث كتبتْ:  أقر وأعترف بأننى لستُ عربية.. وعندما أتكلم بالعربى لايعنى بالضرورة أننى عربية.. فالأمريكان يتكلمون الإنجليزية.. وهم ليسوا إنجليز.. وكذلك شعوب أمريكا اللاتينية الذين يتكلمون الإسبانية والبرتغالية.. ولم يقل أحد أنهم إسبان أوبرتغاليين.. وكذلك شعوب أفريقيا الذين يتكلمون الإنجليزية أوالفرنسية أو الإيطالية.. ولم يقل أحد أنهم إنجليز أو فرنسيون أوإيطاليون.. وأضافتْ: أنا أجيد وأعشق اللغة العربية.. ولكننى سورية وأعتز بسوريتى.. وأنا من أصول سريانية وأشورية.. أنا من الساحل السورى وأصولى فينيقية.. وأريد استعادة تاريخى المسلوب.. أريد استعادة لغتى المُـدمّرة (بفعل الغزاة العرب). وأضاقتْ: أريد استعادة ثقافتى القومية..هذا ما قالته السورية العظيمة وفاء سلطان.. وأتمنى من كل مثقفى المنطقة أنْ يقرأوا كتبها ولعلّ أشهرهذه الكتب " نبيك هو أنت"  

أما المفكر السورى الكبير"نضال نعيسة" فسأل الناصريين قائلا: من أين أتاكم سرطان العروبة؟ فلسطين كنعانية، مصر مصرية، لبنان فينيقية، سوريا سريانية، العراق أشورية، شمال أفريقيا أمازيغية، اليمن حميرية، سواحل الخليج الفارسى بلوشية، السودان أفريقية..إلخ.   

هذه الكتابات مجرد أمثلة ضئيلة جدًا من بين كتابات المثقفين السوريين واللبنانيين والعراقيين والمغاربة والتونسيين إلخ.. وهى الكتابات التى فنــّـدوا فيها أكذوبة أنّ كل شعوب المنطقة "عرب" بينما الثقافة القومية لكل شعب مختلفة عن غيرها.. وكذلك كل شعب له لغته الخاصة.. حتى ولو كان يستخدم الحروف العربية، لأنّ العبرة بالبنية Structure بينما الكلمات هى الطوب.. والسؤال هو لماذا كان إصرار الأنظمة العربية على إلغاء الخصوصية الثقافية لشعوبهم؟ وهوما ترتــّـب عليه محاولة إلغاء (خصوصية الشعب الفلسطينى) تحت مقصلة التعبير الشائع (كلنا عرب) بالرغم من المغالطة العلمية. 
------------------------------
بقلم: طلعت رضوان

مقالات اخرى للكاتب

أين الدول العربية من التنافس الأمريكى الروسى؟