وزير التعليم رجل صاحب فكر وهو عالم وقامة علمية كبيرة ولا يستطيع أحد أن يزايد عليه، فسيرته الذاتية مليئة بالإنجازات. إن الإتجاه إلي إعمال العقل والإعتماد علي الفهم والبعد عن الحفظ أمر هام وضروري ولكن لابد من الحذر والدراسة الواعية للمرحلة السابقة ومعالجة الأخطاء التي حدثت، فلا داعي للمكابرة والإصرار ان التجربة خالية من الأخطاء وتعليق كل شيئ علي شماعة المؤامرة لأن ذلك سيؤدي إلي فشل التجربة.
قلنا أن هناك خلل في الأولويات وكنا نعني تماماً ما نقول وأكد ذلك ما حدث بالفعل.
فقد كتبت قبل ذلك وقلت لابد من رفع رواتب المدرسين وتجريم الدروس الخصوصية وتغليظ العقوبة لتصل إلي الفصل النهائي لكل مدرس يعمل في مدرسة حكومية أو خاصة ويعطي دروس خصوصية.
ولابد من تقنين مراكز الدروس بحيث لا يعمل بها أي مدرس يعمل في المدارس الحكومية أو الخاصة وتقوم الدولة بعمل رقابة عليها بحيث تضمن أنها تقوم بدورها الذي يتكامل مع المدرسة ولا يتعارض معها.
فعلى سبيل المثال لا يصح أن تكون الدروس في مواعيد المدرسة ! فكلنا نعلم أن بعض المدرسين يقوموا بإعطاء الدروس في الصباح وفي هذا تحريض صريح علي عدم الحضور وتهميش دور المدرسة.
ويأتي بعد ذلك توفير فصول مريحة ومعامل يستطيع الطالب من خلالها الفهم العملي للنظريات التي يدرسها وأماكن للأنشطة التي ترغب الطلاب وتحببهم في المدرسة ودورات مياه آدمية ووسائل إيضاح وأساليب عرض حديثة.
وقبل أن نقوم بالإعتماد علي التابلت فكان ولابد أن يتم تجهيز الفصول لهذه الأجهزة بحيث يتواجد شبكة إنترنت واي فاي داخل الفصول ويتواجد مدخل كهرباء لشحن التابلت لكل طالب.
أحد المدارس نشرت شكر لمدرسة مجاورة لأنها سمحت لها بإستخدام شبكة الوا فاي الخاصة بها ! إن ذلك يدل علي عدم التخطيط بل إلي العشوائية التي تم بها الموضوع.
أخبرني أحد المدرسين أنهم اختاروا بعض المدرسين لأخذ دورات تدريبية لتطبيق نظام الإمتحان الإلكتروني وأن بعضهم رجع ولم يفهم شيئ والبعض الآخر إحتفظ بالمعلومات لنفسه ! إن تطبيق هذه التجربة كان يستلزم إعطاء دورات تدريبية لكل المدرسين وكل العاملين في المنظومة ولا مانع من تأخير تطبيقها عام أو إثنين، المهم أن نقلل نسبة الفشل قدر المستطاع.
وللعلم فأنا ضد أداء الإمتحانات بنظام التابلت بوضعه الحالي لأن الإمتحان الإلكتروني لكي يتم بشكل صحيح يحتاج إمكانات ضخمة لا تقتصر علي التابلت الذي يمكن أن يتعطل لأي أسباب أثناء الإمتحان ويرسب الطالب !! أو يتعثر الإتصال بالشبكة كما حدث !! أو يتم تسريب الإمتحان بسهولة !! أو الغش من خلال الإتصال الإلكتروي بين الطلاب داخل اللجان. كما أن نوعية الأسئلة في الإمتحان الإلكتروني قد تكون من النوع القصير كالإختيار من متعدد أو وضع علامة صح أمام الإجابة الصحيحة وعلامة خطأ أمام الإجابة الخاطئة، أما في الإمتحان الورقي فهناك فرصة لقياس مستوي الطالب بشكل أفضل وطرح كل نوعية الأسئلة.
وهناك سبب آخر وهو أن كل الدول المتصدرة لترتيب الأفضل في جودة التعليم ما زالت تستخدم الإمتحان الورقي. إن التحول الرقمي والإعتماد علي أخذ المعلومة من مصادر إلكترونية كبنك المعرفة والمواقع التعليمية علي شبكة الإنترنت أصبح أمر هام وضروري ولكنه لا يلغي دور المدرس والمدرسة، لابد أن يحدث كل ذلك تحت إشراف المدرس لكي تتحق نواتج التعلم بالشكل المخطط له.
نعلم أن هناك مافيا للدروس الخصوصية ومافيا للمدارس الدولية والخاصة ومافيا لطباعة الكتب الخاصة الخارجية وكل هؤلاء ربما يعارضوا أي تغيير، ولكن علي الوزير أن لا يعطي كل هؤلاء الفرصة للنيل من التجربة وأن لا يخطوا أي خطوة إلا بعد دراسة متأنية للتقليل من الأخطاء قدر المستطاع .
نسأل الله التوفيق والسداد لكل من يريد تطوير التعليم وأن يحفظ مصرنا الحبيبة من كل سوء ومكروه
بقلم د. صلاح سلمان.. أستاذ مساعد بكلية الهندسة جامعة الأزهر