عادت الطفلة سما المدهون التي لم يتجاوز عمرها السنة والنصف، لتتنفس الحياة بعد مجزرة كادت أن تودي بحياتها، إثر صاروخ إسرائيلي غاشم باغت منزل عائلتها البسيط، ليقتل بعضا من أفراد أسرتها ويصيب من كُتبت له النجاة.
ذهبت سما في مساء يوم الأحد 5/5/2019 لجدها عبدالرحيم والذي يمتلك دكان صغير لتجلس في حضنه كما جرت العادة، لكنها لم تعلم بأنها المرة الأخيرة التي تتربع على عرش ذلك الحضن، وبينما هم كذلك في أمنهم وسلامهم، إذ تبددت في خلسة ضحكاتهم وأنسهم وأصبحت أشباحاً من الهول وصراخاً ودماء وركام .
"خرجت راكضة بلا وعي ولا إدراك لما يحدث، أحمل وزوجي ابنتي الصغيرتين، حتى رأيت ركام المنازل ودماء الشهداء قد تناثرت في كل مكان، لأزداد جنوناً بحثاً عن طفلتي سما"، هكذا وصفت والدة الطفلة "أم مصطفى المدهون" المشهد بعد استهداف الطائرات الحربية الإسرائيلية لمنزلهم.
وبكل قوى الضعف لديهم، تنتشل أم مصطفى وزوجها طفلتهم سما من بين الركام وهي مصابة اصابات خطيرة في الرقبة والرأس من حضن جدها الذي تناسى جراحه مشيراً إليهم أن: "أسعفوا سما"، ليفارق هو الحياة شهيداً وقد ألقى نظرة الوداع على حفيدته الصغيرة .
"وصلت سما إلى المستشفى في حالة نزاع، تم على إثرها ادخالها في قسم العناية المركزة في الطوارئ ومن ثم ادخالها في قسم العمليات الكبرى، حيث كانت تعاني من كسر في الفك السفلي مع تمزق في الانسجة وخضعت لعملية جراحية لمدة ساعتين ونصف تم خلالها تثبيت الكسور في شرائح تيتانيوم وتم تثبيت عضلات الفم بالعظم وتم اقفال الجروح داخل الفم"، هكذا وصف الدكتور أغيد المبيض، استشاري جراحة الوجه والفكين، حالة الطفلة سما بعد وصولها لمستشفى الشفاء.
وأضاف، : " حيث ان نتيجة التعرض للإصابة تم كشف عظم الفك السفلي بالكامل بطول 13سم، وحدث فقدان في انسجة الرقبة والعضلات والذي تتطلب استدعاء استشاري جراحة التجميل الدكتور ماهر سكر والذي قام بعمل اعادة ترميم للأنسجة والجلد المتهتك المفقودة علي مستوي الرقبة من الجهة الامامية والجانبية اليسرى وعمل اعادة ترميم بواسطة نسيج جلدي لتغطية المساحة الكبيرة من الجلد المفقود".
واستيقظت سما في غرفة العناية المركزة، بعد أكثر من 48 ساعة لتقول بأبجديات الطفولة "ديدي ديدي"، منادية على جدها الشهيد، الذي لن تسمع صوته بعد اليوم ولن تنال منه حلوى الصباح كما اعتادت منه يوميا، وتصف والدة سما تلك العلاقة بقولها: "لا ندري كيف ستعيش سما إذا ما علمت باستشهاد جدها، تلك صدمة لها" .
وبينما نحن جالسين، إذ ببالون صغير ينفجر حيث كان يلعب فيه طفل صغير بالسرير المقابل لسرير "سما"، لتنطلق الطفلة بالصراخ والبكاء مستذكرة بذلك صوت القصف على منزلها، وصورة الدماء التي تغطي جسدها وجسد جدها، لتصبح "سما" مع كل صوت مرتفع أو إغلاق لباب تصرخ وتبكي ظناً منها بأنه قصف جديد، كما قالت والدتها.
وتضيف والدة الطفلة، "سما طفلة نشيطة تحب اللعب، ودائماً ما كانت تأخذ الدمى والألعاب وتظل لساعات تلعب، وكانت تملأ البيت فرحة وسعادة وشقاوة، ولكن الآن تجلس طريحة الفراش لا حراك ولا كلام ولا تلفظ سوى ديدي ديدي" .
وفقدت عائلة المدهون إثر هذه الجريمة الإسرائيلية بحقهم أربعة شهداء وهم، عبد الرحيم المدهون 60 عام، عبدالله عبدالرحيم المدهون 22 عام، والشهيدة أماني المدهون (أبوالعمرين) 33 عام، والشهيد الجنين أيمن المدهون 9 شهور، والذي استشهد في أحشاء والدته أماني، بالإضافة إلى أن أطفال تلك العائلة كلهم ما بين مصاب اصابات خطيرة وحرجة .
وهكذا هل هلال رمضان على عائلة المدهون بألم وفراق وجراح ويتم وتشرد، ليصبحوا بلا مأوى بعد أن فقدوا بيتهم البسيط الذي لطالما عانوا في بنائه، في حين من المفترض أن تبدأ العائلة في تعليق زينة رمضان في نفس الوقت الذي سقط به الصاروخ الاسرائيلي، كما من المفترض أن يأتي لهم جدهم بالقهوة بعد الافطار، كما قالت والدة سما، ولكن كل ذلك أصبح أحلاماً اندثرت تحت ركام منزلهم المخضب بالدماء بعد مجزرة إسرائيليةبشعة .