تسابقتْ وسائل الإعلام الأمريكية والأوروبية والعربية، لنشر آخر بنود ما يـُـسمى (صفقة القرن) الأمريكية بشأن القضية الفلسطينية (من وجهة نظرالإدارة الأمريكية وإسرائيل) ونظرًا لأنّ بنود الصفقة كثيرة.. ونظرًا لأنها مُـتاحة على (جوجل) لذلك فإننى سأكتفى بالبند الخاص بمصر.. حيث جاء به: أنّ مصرستقوم بمنح أراضٍ جديدة لفلسطين، بهدف إقامة: مصانع ومطار.. ومكان للتبادل التجارى..(والزراعة) وجاء بالنص (دون السماح للفلسطينيين بالسكن فيها) وجاء فيها أيضًـا ((وفتح حدود قطاع غزة للتجارة العالمية.. من خلال المعابرالإسرائيلية والمصرية))
أعتقد أنّ السؤال الذى يهم ويشغل عقول أحرار مصر هو: هل سيلتزم النظام المصرى بما جاء فى (هذه الصفقة) المكتوبة بمداد صهيونى لا يهمه غير مصلحة إسرائيل.. وبالتالي إهدار وتمييع قضية الشعب الفلسطينى.. والاعتداء على حدود مصر باغتصاب حقها الشرعى والتاريخى فى سيناء.. ومع ملاحظة ما يلى كما جاء فى نص الوثيقة المنشورة:
إنّ مصرستقوم بمنح أراضٍ جديدة لفلسطين..هذه الصياغة تستدعى التوقف أمامها والتساؤل: أ- لماذا بدأتْ الفقرة بأداة التوكيد العربية (إنّ) فمن منحهم حق هذا التوكيد؟ ب- نصّـتْ الصياغة على ((منح أراضٍ)) أى دون تحديد المساحة.. وهوما يشابه القرار 242 فى نوفمبر 1967 الصادر عن مجلس الأمن.. عقب هزيمة بؤونه/ يونيو67 ونص على انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضى التى احتلتْ، بينما فى النسخة الإنجليزية (المُـعتمدة دوليـًـا) تـمّ حذف الألف واللام لتكون الانسحاب من (أراضٍ) دون تحديد.. فى تعمد (خبيث) بحيث تستطيع إسرائيل التهرب من تحديد الأرض التى ستنسحب منها.. ولايستطيع أى إنسان أوأية منظمة دولية الاعتراض على موقف إسرائيل.. وتلك الصياغة الصهيونية الخبيثة.. جاءتْ فيما يخص اغتصاب سيناء ج- جاء فى الصياغة: منح أراضٍ (جديدة) لفلسطين، فهل معنى ذلك أنه سبق للنظام المصرى أنْ منح إسرائيل (أراضٍ) فى الماضى؟.. وبالتالى يتسق تعبير(منح أراضٍ جديدة) د- جاء فى النص: دون السماح للفلسطينيين بالسكن فيها. وهذا النص يستدعى التساؤل:
من يضمن تنفيذ النص بعدم سكن الفلسطينيين فى سيناء.. خاصة وأنّ النص جاء به: إقامة مصانع ومطار، مع إغفال (مُـتعمّـد) لجنسية العمال والفنيين والمهندسين فى (هذه المصانع) فماذا يحدث لوضمّـتْ فلسطينيين للعمل فى هذه المصانع؟ (وهوالأمرالمُـرجـّـح والغالب) وأقامتْ إسرائيل لهم السكن الدائم على الأرض المصرية.. خاصة الإصرارعلى استخدام المعابرالمصرية؟ فهل سيمتلك النظام المصرى (الحالى أومن سيأتى بعده) الاعتراض؟.. ويؤكد كلامى النص على المشروعات (الزراعية) ويكون السؤال المنطقى: أليست الزراعة تستدعى السكن والاستقرار بجوارالمساحة المزروعة.. وبمراعاة أنّ الزراعة تستدعى الرعاية الدائمة لمتابعة مواعيد الرى.. وبذرالبذور.. ونموالزرع.. وجنى المحصول..إلخ؟
فهل ستكون سيناء (مستوطنة إسرائيلية) فى مصر؟
إجابة هذا السؤال ورد صراحة فى مشروع صفقة القرن، بتوطين الفلسطينيين فى سيناء.. ولفت نظرى أنّ أغلب من كتبوا عن تلك الصفقة المشبوهه (فى عام 2018) تجنــّـبوا الحديث عن سيناء، باستثناء البعض مثل د.محمد كمال الذى كتب أنّ الصفقة تتضمن توطينــًـا للفلسطينيين فى سيناء، أو ضم جزء من سيناء لغزة.. وهذه الأفكار طرحها أكاديميون إسرائيليون خلال العقود الثلاثة الماضية.. وأشارإليها أحمد أبوالغيط فى كتابه "شهادتى" {أهرام29يونيو2018}
وبالرغم من أهمية مقال د.محمد كمال فإننى أختلف معه عندما ذكر أنّ توطين الفلسطينيين فى سيناء أفكار عمرها ثلاثة عقود، بينما تلك الأفكار ترجع إلى سنة 1927 ويعود الفضل فى كشفها للمفكر عمرعنايت الذى كتب مقالا فى مجلة العصورالتى أصدرها إسماعيل مظهر.. كتب عنايت فى عدد أمشير/ فبراير1929 مقاله بعنوان (المدنية اليهودية المُستقبلة) بدأ برصد ظاهرة سيطرة المال اليهودى الآخذ بخناق العالم والمسيّر لأموره.. وأكــّـد على أنّ اليهود هم الذين استفادوا من القلق الاقتصادى الذى نتج عن الحرب العالمية الأولى.. وأضاف ((وإنكَ إذا بحثتَ كل حركة هدّامة فى الوقت الحاضر، تجد أنّ محورها الدعاية اليهودية، إنّ فلسطين ليستْ غير العش الذى ستولد فيه المدنية اليهودية المستقبلة)) و ((يشعرالصهيونيون أنهم فى حاجة إلى حماية أقوى دول العصر حتى تثبت أقدام مدنـيّـتهم الجديدة.. وعندئذ يكون من أيسر الأمورعليهم إزالة تلك الحماية بفضل مالهم ونفوذهم. وبريطانيا نفسها تشعر بنمو الصل (= حربة أوسكين) اليهودى تدريجيًا بين أحضانها.. مع علمها بأنّ امبراطوريتها ستكون أول من يتحمّـل صفعات اليهود المُميتة))
وهكذا كانت بصيرة عمرعنايت الثاقبة.. وتحقــّـقتْ نبوءته حيث أنّ اليهود اعتمدوا على بريطانيا.. وحصلوا منها على وعد باغتصاب أرض الشعب الفلسطينى المستقر، لشعب رفض الاستقرار من خلال منظومة الولاء يكون للوطن وليس للدين.. وبعد الحرب العالمية الثانية أصبحت أميركا قبلتهم الأولى.
وعن المخطط الصهيونى كتب ((هناك مشروع لمد أنابيب النفط من الموصل إلى ثغر حيفا الفلسطينى..ومن يدرى ما يُـخبئه الغيب)) وبعد الكلمة الأخيرة.. وبدون أية فواصل فإنه سجّـل نبوءته التحذيرية، إذْ نصّ على ((فإنّ فلسطين– ولوأنها لم تصـــــر بعد– فستكون يومًا ما ملكــًـا لبنى إسرائيل..ولذلك ستــُـصرعلى أنْ يكون لها الفصل فى الهيمنة على مركز فلسطين الاقتصادى أولا.. ثم سيأتى الوقت الذى يلتفت فيه اليهود إلى الهيمنة السياسية والتوسع أيضًا))
وأظن أننى لستُ فى حاجة إلى أى تعليق على هذه النبوءة التحذيرية التى تحققتْ، بعد أنْ احتلـّـتْ إسرائيل سيناء لعدة سنوات ومازالتْ تحتل كل الأراضى الفلسطينية والجولان السورية.
وذكر عنايت أنّ إسرائيل ستكون فى المستقبل ((هى عروس البحر المتوسط)) وقال كأنما يمتلك آلة سحرية.. مثل بللـورات ألف ليلة وليلة، أنّ على الدول العربية ومصر الانتباه لخطورة المخطط الصهيونى.. فنصّ على ((يجب أنْ نتطلّع إلى ذلك اليوم.. فإنه سيكون الحد الفاصل بين عهديْن: عهد مصرالذهبى وعهدها المُـظلم.. فبعد ذلك اليوم ستكون مصر كمية مهملة وعضوًا أثريًا فى مملكة داود الجديدة))
ولأنّ الثقافة المصرية فى تلك المرحلة الليبرالية من تاريخ مصرمُـزدهرة.. وفى حالة نشاط وتفاعل دائميْن، كتب أ.عبدالحكيم الجهنى مقالا فى العدد التالى مباشرة (برمهات/ مارس 1929) حذّر فيه من المخطط الصهيونى.. وأنّ مستر(ود جوود) العضو بمجلس العموم البريطانى طلب من مصر((أنْ تتنازل عن شبه جزيرة سيناء لفلسطين))
فهل سيستسلم النظام المصرى للمُـخطط الصهيونى باحتلال سيناء؟ أتمنى أنْ يرتفع النظام إلى مستوى المسئولية.. وتكون مصلحة مصروأمنها أهم من أية اعتبارات أو حسابات.
------------------
بقلم: طلعت رضوان
من العدد الأسبوعي للمشهد