29 - 03 - 2024

"سلام كوشنر".. وفلسطين الجديدة

لا ذكر لحل الدولتين، القدس خارج المفاوضات، التركيز على رؤية اقتصادية للحل!، هذا، ما كشفه أخيراً صهر الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر حول ملامح ما يطلق عليه إعلاميا بـ"صفقة القرن" أو فلسطين الجديدة.

وإذا اخذنا هذه التصريحات على محمل الجد، وأعتقد إنها كذلك، فإننا أمام تغيير جذري يصل إلى حد الانقلاب في أبجديات التفاوض العربي الإسرائيلي التي شهدتها العقود الماضية، حيث كان هناك هامش حركة للمفاوض العربي حول المبادئ الرئيسية التي بنيت عليها القضية الفلسطينية، واكتسبت شرعيتها بقرارات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، وأبرزها قرار تقسيم فلسطين رقم 181 لسنة 1947، وقرار مجلس الأمن رقم 242 والذي نص على انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي التي احتلتها في حرب67، وقرارات أخرى تندد بتهويد معالم القدس ومصادرة الأراضي العربية.

ويضرب السيد كوشنر في صفقته المزعومة بالقرارات الأممية والشرعية الدولية عرض الحائط، ويخالف كافة المواثيق الدولية حول هذه القضية التاريخية، ويتجاهل تماماً مسار الاتفاقيات والمفاوضات العربية الاسرائيلية، ومقترح حل الدولتين الذي اتفق عليه قبل سنوات ومبادرة السلام العربية الأخيرة الأرض مقابل السلام، ويعمل على تكريس القدس عاصمة أبدية لدولة الاحتلال، وضم مستوطنات الضفة الغربية، وتنازل عن حق العودة، وإقامة ما يشبه بكيان فلسطيني بلا أرض وبلا سيادة وبلا حقوق وبلا أمن،  فماذا يتبقى للأشقاء في فلسطين، وعلى ماذا يتفاوض الطرفان؟!. 

يقول السيد كوشنر أن خطته "تمرد على كل انصاف التفاوض التي أضاع فيها الفلسطينيين والإسرائيليين كل هذه العقود"، ويكتفي المندوب السامي الأمريكي بسرد الفضائل الاقتصادية التي سوف يحصدها الفلسطينيين والتي تغنيهم من وجهة نظره عن حلم الدولة وحق العودة.

خطة السلام المزعومة التي وضعها مندوب البيت الأبيض الذي يتجول في المنطقة ذهابا وإيابا منتشياً بنفسه كـ"الديك الرومي" تنقلب تماماً على جميع المبادئ والحقائق والثوابت التاريخية التي كافح من اجلها الفلسطينيين طيلة العقود الماضية، وتضع قواعد جديدة تتجاهل كل الحقوق الفلسطينية، ولا تقدم شيئا للفلسطينيين بل سلبت منهم كل شيء حتى الأحلام والآمال في وطن يعيشون فيه كباقي الأوطان، من خلال ما يطلق عليه الوطن البديل في أرض هنا أو هناك، ويطالبهم أن ينسوا وطنهم وتضحياتهم وشهدائهم مقابل حفنة من الدولارات التي سيدفعها لهم الأشقاء في دول الخليج، وفِي المقابل يعطي للجانب الأسرائيلي كل شيء من الأرض والقدس والأمن والتطبيع ومصالح اقتصادية كبيرة.

ولكن الذين يتحدثون عن سلام كوشنر وفلسطين الجديدة، تناسوا تماماً صاحب الأرض والتاريخ والجغرافيا وهو الشعب الفلسطيني، الذي لم ولن يقبل أن يفرط في وطنه، وكذلك سترفض السلطة الفلسطينية وجميع الفصائل الفلسطينية تسوية قضيتهم التاريخية بهذا الشكل المهين لما فيه من هزيمة قاسية وضياع كامل لفلسطين التاريخية، التي كافح من أجلها الأجداد والآباء ودفعوا الغالي والنفيس طيلة العقود الماضية.  

وأخيرا، إلى أولئك الذين يتحدثون عن "صفقة القرن" كما لو كانت قدراً، عليهم أن يعرفوا جميعاً أن هناك شعب تحت الاحتلال والكلمة الأخيرة له، ولا يمكن أن تتعامل الشعوب العربية مع هذا الأمر كأنه واقع لا محالة، وإسرائيل لا يمكنها ان تفرض واقعاً سياسياً جديداً يتجاهل فلسطين التاريخية حتى لو تواطأ معها بعض القادة العرب لتحقيق ذلك.حفظ الله فلسطين حفظ الله مصر
--------------------
بقلم: محمد الباشا


مقالات اخرى للكاتب

«الشيوخ» .. الشكل دون المضمون





اعلان