تربّـص ضباط المجلس العسكرى بالمُـناضلة لويزة حنون (مواليد 1954) واعتقلوها تحت مسمى (الحبس الاحتياطى) فلماذا فعل الضباط ذلك؟
البداية تمتْ بخبث عندما استدعاها قاضى التحقيق (بصفتها شاهدة) على خلفية قضية كل من شقيق الرئيس، الذى أطاح به الشعب الجزائرى.. ورئيس المخابرات الأسبق الجنرال توفيق.. والجنرال عثمان طرطاق.. وبعد هذه الحيلة الخبيثة أمر قاضى التحقيق بحبسها.. ونظرًا لدورها الوطنى وشعبيتها لدى معظم أبناء شعب الجزائر، خرجتْ الجماهير فى مظاهرات، قادها أعضاء (حزب القوى الاشتراكية).. ووصفوا اعتقالها بأنه تـمّ (بخلفية تصفية حسابات شخصية..وانتهاك لحقها فى التعبيرعن موقفها السياسى)
ونظرًا لأنّ ضباط المجلس العسكرى أسفروا عن توجهاتهم القمعية..وأنهم بعد طرد بوتفليقة.. وسيطرتهم على الحكم، منذ 22 فبراير 2019، لذلك تجمّـعتْ صباح الجمعة 10 مايو 2019 الجماهير فى ساحة البريد المركزى بقلب العاصمة، للمطالبة بتغيير كل رموز نظام بوتفليقة، الذين مارسوا الفساد.. واستنكروا تدخل رئيس أركان الجيش (قايد صالح) فى الشأن السياسى وردّدوا شعار (قايد صالح يا بابا..هوّ زعيم العصابة) قاصدين بوتفليقة..والجنرال محمد الأمين مدين، المعروف باسم الجنرال توفيق..والجنرال عثمان طرطاق وآخرين، الذين مارسوا الفساد.. وطالبوا بإطلاق سراح لويزة حنون.. أومحاكمتها أمام (محكمة مدنية) لو كان ضدها دعوى قضائية.
هذا الموقف التعسفى ضد المناضلة حنون، لم يكن وليد تلك اللحظة التاريخية، بعد أنْ هبّ شعب الجزائر.. وانتفض ضد نظام الجنرالات الذين ساندوا حكم الدكتاتور بوتفليقة.. وإنما يعود موقف الجنرالات العدائى ضدها بسبب انتفاداتها المستمرة لهؤلاء الجنرالات.. وكان ذلك بعد دخولها فى مجال العمل النقابى.. منذ السبعينيات.. وذلك فى (مدينة عنابة) ثمّ انتقلتْ إلى مدينة الجزائرعام 1980 حيث بدأتْ نشاطها بالدفاع عن (قانون الأسرة).. وفى عام 1981 انضمتْ إلى المنظمة الاشتراكية للعمال (وهى منظمة تروتسكية سرية) واعتقلها نظام الحكم بسبب عضويتها فى تلك المنظمة.. وحوكمتْ أمام محكمة أمن الدولة بتهمة المساس (بالمصالح العليا للدولة) والانتماء لتنظيم (من المفسدين) هكذا بنفس كلمات كل أنظمة القمع الكارهة لحرية المواطن فى التعبيرعن آرائه الفكرية والسياسية.
ولكن حنون لم تستسلم فأعلنتْ فى عام 1990 عن (تأسيس حزب العمال) ومنذ ذلك الوقت أصبحتْ الناطقة الرسمية باسمه.. ثم أمينته العامة، لتكون أول سيدة تقود حزبًـا سياسيًـا.. مكــّـنها من دخول البرلمان.. وأصبحتْ عضوًا فيه منذ عام1997 وبعد ذلك رأتْ- لكى تخدم شعب الجزائر- أنْ تخوض انتخابات رئاسة الدولة.. وتقدّمتْ بأوراقها عام 2009..ولكنها لم تتمكن من جمع التوقيعات الكافية لمنافسة بوتفليقة، وانتظرتْ حتى عام 2014 وخاضتْ المنافسة.. كأول سيدة جزائرية تطمح فى منصب رئاسة الدولة.. ولكنها لم تتمكن من الفوز بسبب التزوير الذى مارسه نظام بوتفليقة.
ولكن نشاطها الاجتماعى والسياسى لم يتوقف..حيث دأبتْ- فى أحاديثها الصحفية.. وفى خطبها أمام العمال- على انتقاد نظام الحكم بسبب ((خياراته السياسية والاقتصادية والاجتماعية))..وبعد فوز بوتفليقة بولاية رابعة.. صعّـدتْ من هجومها على السلطة (سواء الرئيس أوحاشيته من الجنرالات) وتبعـًـا لذلك ساءتْ علاقتها مع الفريق الرئاسى المحيط برئيس الدولة.. وساءتْ العلاقة أكثرعندما بدأتْ الهجوم على ما يسمى (رجال الأعمال) وشبهتم بأفراد (عصابة من المافيا) لنهب ثروات شعب الجزائر.. وكان هجومها الأشد على رجل الأعمال الشهير(على حداد).. وفى عام 2018 قادتْ حملة ضد ترشح بوتفليقة لولاية خامسة.. وطالبتْ برحيله.. ورحيل حاشيته.. وعند اندلاع الانتفاضة الشعبية (منذ 22 فبراير2019) انضمّـتْ لجماهير شعب الجزائر.. وقادتْ المظاهرات ((ضد المؤسسة العسكرية)).. واتهمتْ قائد الأركان الفريق (قايد صالح) بخرق الدستور.. والتدخل فى الشأن السياسى والاقتصادى.. وهو تدخل لم ينص عليه الدستور.. وبالتالى هو اغتصاب لحق شعب الجزائر الذى يرفض سيطرة الضباط على كل مفاصل الدولة.. وشنــّـتْ هجومًا حادًا على ضباط المجلس العسكرى، بسبب كراهيتهم لأى رأى مخالف لآرائهم العسكرية المؤسسة ((على الطاعة العمياء)) وقالت إنّ إقحام الجيش فى السياسة والاقتصاد، هوانحراف خطير.. ولابد من التصدى له.. قبل أنْ تسقط الجزائر فى هاوية التخلف.
***
لويزة حنون- فى نضالها المؤسّـس على المعرفة.. وعلى حبها لشعبها- ربطتْ فساد حكم الضباط بخضوع رئاسة الدولة للإستعمارالاقتصادى الأمريكى، الذى حلّ محل الاحتلال الفرنسى.. وكأنّ أرواح مليون ونصف إنسان جزائرى.. ضاعتْ بلا أى مقابل لصالح شعب الجزائر، بعد أنْ استلم أحمد بن بله الحكم (من1963- 1965) وكما هو معروف عن أدعياء الثورة، دبـّـر(هوارى بومدين) انقلابه العسكرى، وازاح بن بله عام1965.. واستمرّعلى عرش (وعلى قلب شعب الجزائر) حتى وفاته فى ديسمبر1978.. وعندما تفاءل شعب الجزائر بوصول المناضل (محمد بوضياف).. ولكن بعد أشهرقليلة من توليه (المجلس الأعلى للدولة.. وهومنصب مدنى وليس عسكرى) وزّع الإسلاميون أتباع (حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ) منشورات ضد بوضياف واثنيْن آخريْن اتهموهم فيها بأنهم عملاء للصهيونية والماسونية، فى تشويه مُـتعمّـد لإزاحتهم من رئاسة الدولة.. خاصة وقد أدرك الإسلاميون أنّ بوضياف يسعى لتحقيق (منظومة حكم مدنى) وهو ما أرعب الإسلاميين وجنرالات الجيش.. وتأكــّـد هذا الرعب- الإسلامى العسكرى- بتدبير خطة اغتيال بوضياف، وهويلقى خطابـًـا بالمركزالثقافى بمدينة عنابة.. فإذا بقنبلة تــُـلقى على المنصة الواقف عليها بوضياف.. ويتبعها تقـدم الملازم (مبارك بومعرافى) ويـُـفرغ رصاصات رشاشه فى جسد بوضياف، الذى ودّع الحياة يوم29 يونيو 1992.
وهكذا كان الضباط والإسلاميون يتربـّـصون بأى صوت شريف يسعى لتحقيق الدولة المدنية.. وكان مصير بوضياف مثل مصير الثوار الذين طردوا جيش فرنسا، وعاشوا على أمل جنى ثمار نضالهم، فإذا بالحكام- بدءًا من بن بله ومن جاء بعده- يتعمّـدون تهميشهم.. وعدم السماح لهم بالمشاركة السياسية..وما انطبق على الرجال الشرفاء، انطبق على (جميلات الثورة) مثل جميلة بوعزة.. وجميلة بوحريد إلى آخر الجميلات اللائى قاومن المحتل الفرنسى.
وكانت لويزة حنون تعى ذلك التاريخ البائس.. وترى أنّ الإدارة الأمريكية هى المُـستفيد الوحيد من طرد الاستعمار القديم (بريطانيا وفرنسا إلخ) وأنّ ما حدث فى الجزائر تكرّرفى عدن ومصر..وتونس إلخ..وفى تصريح لها قـدّمت فيه الدليل على احتلال أميركا الاقتصادى للجزائر قالت فيه: إنّ نائب الرئيس الأمريكى، بوش الابن (ديك تشينى) يمتلك 60% من رأسمال شركة الأنابيب الجزائرية (صحيفة الأهرام30مارس2003- ص8)
-------------------------
بقلم: طلعت رضوان
***