أسدل الستار على غزوة الكراتين المعروفة رسميا باسم التعديلات الدستورية ونتائجها، لكن رائحتها لا تزال نفاذة تملأ الأفق في الداخل والخارج، ويرغب كل طرف في استثمار تلك النتائج التي أفرزتها عملية الاستفتاء.
لم تنتظر جماعة الإخوان طويلا واستبقت الجميع في محاولة للقفز على الجميع وأصدرت بيانها الداعي الى تكاتف الذين رفضوا والذين أبطلوا والذي امتنعوا عن المشاركة في التصويت، في وجه النظام، وهي التي كانت قبل ساعات تقدح المشاركين وتتهمهم بالمشاركة في الاعتراف بشرعية النظام وتثبيت أواصره - من وجهة نظرها- وتدعوا لمقاطعة هذه العملية، لكن أغراها عدد الذين ذهبوا إلى صناديق الاقتراع رافضين أو مبطلين والذين اقترب عددهم من أربعة ملايين مواطن.
ولما لم تجد دعوتها وببانها أي صدى يذكر، غير إعادة تذكيرها بمواقفها السلبية في حق الجماعة الوطنية طول حياتها السياسية، ولم يكد مداد بيانها يجف حتى فوجئ عدد من الشخصيات المعارضة داخل مصر بتضمين أسماؤهم في قائمة تضم مائة اسم أطلقها السياسي الهارب أيمن نور ودعوتهم لما أسماه حوارا وطنيا لإنقاذ البلاد، وقام أغلب ممن وجهت لهم الدعوة برفضها وإنكار علمهم بها، مؤكدين على أن معارضتهم للنظام الحاكم لا تعني التحالف مع جماعات الخارج الملتحفة بأجهزة ودول تعادي مصر وشعبها، وتعمل ظهيرا لجماعة الإخوان التي لفظها الشعب المصري في يونيو ٢٠١٣ باعتبارها جماعة فاشية .
ومن داخل مصر، ظهرت دعوات داخلية لتدشين حركة ١١٪ من أجل دولة مدنية ديمقراطية، ويدل كل هذا الحراك على قوة الجماعة الرافضة لنظام السيسي والتي رغم كل محاولات الإقصاء والتنكيل والتكميم والتهميش والتكويش لازالت أصواتها حية وعبرت عنها، ما استطاعت إلى ذلك سبيلا.
على الجانب الآخر اعتبر النظام السياسي أن تصويت ٢٣ مليون مواطن لصالح تعديلاته على الدستور هو تأكيد على ديمقراطيته ويعكس رغبة المصريين في الإبقاء على الرئيس لمدة رئاسية ثالثة، بعد انتهاء الفترة الحالية، والتي أضافت التعديلات الجديدة إليها عامين آخرين فتنتهي في ٢٠٢٤ بدلا من ٢٠٢٢ في أول سابقة من نوعها حيث يقضي الرئيس أربعة اعوام من رئاسته نتيجة انتخابات أيا كانت صوريتها فقد جرت بين متنافسين، بينما يقضي العامين الأخيرين عبر استفتاء وليست انتخابات .
وقد كشفت عملية الاقتراع الأخيرة عن هشاشة التنظيم المصنوع ليكون ظهيرا للنظام والمسمى بحزب "مستقبل وطن" وأطلقت عليه الميديا الشعبية العديد من المسميات الساخرة "مستغفل وطن، ومستهبل وطن، ومستقبل كرتونة، ومستقبل ضايع، ومستقبل يفط" بعد أن استبق الصياغة النهائية للتعديلات وسد الشوارع باللافتات التي تؤيد تلك التعديلات.
وعند بدء عملية الاقتراع قام بتوزيع كراتين تحوي مواد تموينية للذين يذهبون إلى التصويت، واشترط حصولهم عليها بوجود الحبر الفسفوري على أصابعهم والتأكيد على أنهم صوتوا بنعم، ولما انتشرت الرائحة الكريهة لعملية شراء الناخبين ومحاولة رشوتهم، حاول اتهام جماعة الإخوان وحزب معارض في إشارة لحزب تيار الكرامة بتوزيع تلك الكراتين لكن البيانات الموزعة على الصحف والتي تدعي ذلك لم تنطل على أحد فعاد واعترف بمسؤوليته عنها، لكنه اعتبرها صدقات بمناسبة قدوم رمضان في إهانة جديدة للمصريين، فخرج خاسرا لافتاته ومؤتمراته وكراتينه!!
-----------------------
بقلم: على ابراهيم