12 - 05 - 2025

وجهة نظري| شفا الله أوطاننا العربية

وجهة نظري| شفا الله أوطاننا العربية

أطل الصغير بوجهه البشوش وحضوره البهي ليختلس نظرة إلى ذلك المريض المسن المتألم فى صمت.. إحساس بالتعاطف والتأثر بدا على ملامح وجهه البريئة ترجمتها حركة يده المرفوعة بالتحية والدعاء من القلب "شفاك الله وعافاك".

تلقفت كلماته المبشرة لتملأ قلبى بالسكينة.. احتضنته وقبلته وداعبته قبل أن أساله عن بلده، من اليمن جاء فى زيارة أحد أقربائه الذى حضر إلى مصر للعلاج .

اقتحم الصغير قلبى مبددا قدرا من وحشة إفتقادي لأحفادى الأصغر سنا منه.. وليهدأ بعض من قلق عاصف يجتاحنى من غير رحمة بينما أرافق زوجى لإجراء جراحة بمعهد الأورام.

أدمنت زياراته المبهجة الخاطفة.. يبدؤها كل مرة بنفس الدعاء المبشر "شفاك الله وعافاك" ويختتمها بإبتسامة تملأ وجهه، وحنو بالغ تعكسه أنامله الصغيره وهو يحتضن يد زوجى مقبلا إياها.

صرنا صديقين كعادتى مع من هم فى مثل سنه وامتدت أواصر صداقتنا لأقربائه.. تماهت أقدارنا، فبدت كنسيج واحد.. جمعنا وجع المرض وفزع الانتظار.. ودعاء لايتوقف بنجاة الأحباب ورعب من مجهول متربص بقسوته وقتامته وسواده.. ملامحنا تنطق بنفس المعانى.. نظرات بلا بريق مسكونة بانكسار موجع.. تبحر فى فراغ لانهائي لاتتبين من فرط غيبوتها وانفصالها تفاصيل مايدور من حولها.. تتحرك الصور، تتتابع المشاهد، تتلاحق الكلمات المشجعة المؤازرة لكنها لاتتفلح فى رد الروح الغائبة عن الوعى المحلقة فى دوائر الرعب والخوف من ضربة قدر لا راد لها.

يجمعنا الوجع فتتهافت قلوبنا وتتوحد وتمتد أيدينا، ليطبطب كلنا من على جروح الآخر. وحدنا نواجه عدوا خبيثا فتتلاصق أرواحنا لمحاربته.. وقتها شعرنا كم الدفء والقوة يسرى ليزيدنا صلابة.

إنطلقت السنتنا بالفضفضة عن أحوالنا لتفتح نوافذ البوح لاتتوقف عند حد المرض، لكنها امتدت رغما عنا لواقع أوطاننا.. اليمن حيث جاء صديقى الصغير"طالب" حيث حكت أسرته عن الحال المتردى للشعب هناك.. فقر.. أحوال معيشية صعبة.. انقطاع للماء والكهرباء.. إحساس مدمر بالخوف وعدم الأمان.. بلد كان يوما سعيدا حتى حولته قوى متصارعة اتخذت من أرضه ساحة لفرض هيمنتها واستعراض قوتها ونفوذها.

لم تكن مصادفة أن اقابل اليمنى الصغير، مثلما لم تكن مصادفة أن أقابل أسرة سودانية جاءت لعلاج كبيرها بعدما ضاقت بهم سبل الشفاء فى البلد العربى المنكوب بحاكمه الذى جثم فوق جسده لعقود عانى فيها السودانيون من فساده وبطشه قبل أن يخرج بثورته العفية مطالبا برحيله.

لم تكن مصادفة أن تقتحم همومنا العربية تلك العزلة الإجبارية التى فرضها القدر على.. لم أستطع وزوجي الانفصال عن هموم نعيشها ولم يفلح المرض أن يمنحنا هدنة مؤقتة منها.

تسللت السياسة رغم اعتلال الصحة وشرود الذهن وتشتت الفكر والروح.

حضرت فى وجوه عليلة وأجساد مجهدة وأرواح معذبة بوجع المرض ودوامة مرهقة من الإجراءات الروتينية ورحلة قاسية بين العيادات وغرف العمليات وإنتظار نتائج المعامل وجلسات الكيماوى والإشعاع.

حضرت رغما عنى، بعدما تزامن مرافقتي لزوجى مع إجراء الاستفتاء على تعديل الدستور، كنت أميل للمقاطعة بينما مال من يشاركوني قناعاتى إلى التصويت بلا.. ترددت خشية تفتيت صدى الصوت المعارض كالعادة.. لكن حسم القدر موقفى فكانت المقاطعة المفروضة بيده.

حضرت السياسة بينما تطرق إلى مسامعى حجم الإستنفار والحسد ودفع الموظفين للتصويت بنعم مقابل كراتين الأرز والسكر.

تلقفها البعض بسخرية وآخر بغضب وثالث بنفعية ورابع بمكر خبيث ولسان حاله "لن أضحى بالكرتونة لكنى سأصوت بلا".

أما فصل الخطاب، فجاء على لسان أحد البسطاء: "ملناش صالح فى كل الهيصة دى.. واللي عايزينه حيحصل بإستفتاء أو من غيره".

أينما تكونوا تدرككم مواجع الوطن.. شفاه الله وعافاه.
-----------------
بقلم: هالة فؤاد




مقالات اخرى للكاتب

قانون الإيجار القديم .. لغم لا يحمد عقباه