يدرك الجميع منذ اللحظة الأولى أن الاستفتاء على التعديلات الدستورية سيمر بنسبة مشاركة مرتفعة، والدولة ستحشد كل طاقتها لتمريره، والتضييق على قوى المعارضة في إبداء وجهة نظرها في وسائل الإعلام المختلفة أو التحرك على الأرض عبر مبادرات فعليه وجادة لتوضيح التعديلات الدستورية للمواطنين، وبالتالي نتيجة الاستفتاء "تحصيل حاصل".
ولكن رغم تمرير التعديلات الدستورية بنسبة قبول كبيرة تجاوزت الـ 23 مليونا مقارنة بمن رفضها نحو 3 ملايين وما يقارب من مليون آخر للأصوات الباطلة، إلا أنه من الممكن أن نستخلص من هذه النتيجة بعض المؤشرات التي نستطيع من خلالها رسم رؤية واضحة لمستقبل الحراك السياسي في ما يخص علاقة القوى المدنية والسلطة.
في البداية، علينا أن نعترف أن القوى المدنية خسرت مرة أخرى نتيجة عدم قدرتها على تبني موقف موحد تجتمع عليه كافة التيارات والكتل والأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني من عملية الاستفتاء، كما رأينا أن كتلتها التصويتية تفتت بين المشاركة في الاستفتاء والتصويت بـ"لا" والمقاطعة وإبطال الصوت، ما انعكس على النتيجة النهائية.
ومن الواضح أن غياب الرؤية والقيادة الحقيقية لدى المعارضة أفقدها القدرة على التحرك وحشد الشارع في الاتجاه الصحيح للوقوف أمام هذه التعديلات، والنتيجة حدوث فراغ كبير في المشهد السياسي جعل من يجلسون في منازلهم أو ما يطلق عليهم "حزب الكنبة" يفوقون بكثير من يذهب عادة إلى الصناديق.
وطالما استمرت هذه المعادلة سوف يستمر بالتبعية هذا الأداء الضعيف، رغم أن "لا" كانت اقوى بكثير ولكن لم يترجم ذلك في صناديق الاستفتاء.
وفِي المقابل، من يعتقد أن ما يحدث في المشهد السياسي هو استسلام تام لمجريات الأمور فعليه أن يعلم أن الصوت الضعيف "لا" استطاع أن يجد لنفسه مساحة دون تنظيم وحشد وتضييق أمني وتجاهل وسائل الإعلام المختلفة، وذلك يدعونا إلى الابتسامة والتفاؤل أن القادم سيكون أجمل بإذن الله، وما حدث ما هو إلا القاء حجر في المياه الراكدة سوف يفتح المجال لعودة المواطنين مرة أخرى للمشاركة السياسية.
وهذه ليست النهاية إنما البداية، فأمامنا استحقاقات عديدة أخرى قادمة، تستلزم لم الشمل والاصطفاف وتضيق الفجوة بين قوى المعارضة ومحاولة بناء جسور بين كافة التيارات من اجل التوصل إلى اتفاق وطني لإتاحة الفرصة للتحرك في الاتجاه السليم، فلابد أن تتعلم الدرس حتى لا تقع في نفس الأخطاء مرة أخرى.
وعلى القوى المدنية الحفاظ على هذه الروح ومحاولة البناء عليها، وتوحيد الصفوف والمشاركة الايجابية في الاستحقاقات المقبلة بدلاً من المقاطعة التي لم تحقق شيئًا يذكر غير الخسارة تلو الأخرى، واقول لهم الكرة الأن في ملعبكم ولديكم ظهير شعبي في الشارع من الشباب المؤمن بأهداف ثورة يناير (الحرية، والتعددية، والفصل بين السلطات، والعدالة الاجتماعية).
................
وفيما يخص القائمين على أمور البلاد، إذا افترضنا أن الأرقام التي أعلنت نهائية، فعليهم أن يضعوا في الاعتبار وجود كتلة ليست بالقليلة ترفض تلك التعديلات، وبالتالي عليهم بمبادرة حسن النية وفتح المجال العام لطمأنة المجتمع بمزيد من الإصلاحات والتغيير في بعض السياسات، لا سيما التي تخص الملف الاقتصادي وتقليل الأعباء المعيشية على المواطنين.
كلمة أخيرة؛ ظهور حزب "مستقبل وطن" التابع لإحدى الأجهزة السيادية على الساحة ومحاولته المستمرة اثبات الولاء والطاعة والتقرب إلى السلطة لاقتناص المغانم في الاستحقاقات السياسية المقبلة.. "ألا تعقلون" .. كفاية تجربة "الحزب الوطني"..
حفظ الله مصر.
-------------------------
بقلم: محمد الباشا