23 - 04 - 2024

ومضات حول مسار الثورة السودانية

ومضات حول مسار الثورة السودانية

( 1 ) 

قال لي صديقي:أراك مشغولا بثورة السودان كأنها تجري في ميدان التحرير قلت له: على بعد أمتار من ميدان التحرير يجري النيل الذي شرب منه أهلنا في السودان. نحن شعب واحد ولك ان تعتبرني عضوا في حزب الاتحاد السوداني العريق.

 ( 2 ) 

قال لي صديقي: اخشى على السودان من مصير سوريا أو ليبيا واليمن قلت له في هذه الحالات قاتل الرؤساء شعوبهم للبقاء، ووقفت الجيوش الي جانب السلطة فانزلقت الثورات الي حروب أهلية وتدخل الإرهابيون. اما شعب السودان فقد اكتوى بنار حربين ويعرف كيف يناضل دون الإضرار بوطنه.

( 3 ) 

دخل السودان الشقيق في نطاق مرحلة "الشد والجذب" و"الأخذ والرد"، إرادات تتواجه، وتحركات يقابل بعضها بعضا، هي في حاجة ماسة إلى الإيمان بالقاعدة التي تحفظ للدول تماسكها ووجودها، وهي في نظري تقوم على أن التفاعل الخلاق بين المختلفين أفضل بكثير من دخولهم في صراع مفتوح، يهلك الحرث والنسل.

( 4) 

قرأت أن البشير قد طلب من الجيش قتل المعتصمين، وفق ما يزعم أنه من تعاليم المذهب المالكي. وهنا قلت: طبعا، هناك دوما آراء فقهية فرضها حكام مستبدون في القرون الغابرة على العلماء، أو لنفاق هؤلاء، يستعيرها بعض حكام اليوم من أصحاب التوجهات الدينية المتطرفة مثل عمر البشير.

( 5 ) 

هناك من استغل قيام شباب الثورة السودانية بإيقاظ رفاقهم صباحا بعد ليلة عامرة بجهد جهيد ضمن اعتصامهم، للإساءة إلى الشعب السوداني، وكأن من يسهرون ليلهم في احتجاج ليس من حقهم أن يأخذوا قسطا من نوم. العجيب أن الساخرين لا يملكون أبدا إصرار السودانيين على مواجهة الاستبداد والفساد والقبح

( 6 ) 

لا أحد يريد استضافة البشير فرئيس مقلوع او مخلوع أو معزول بفعل ثورة مصيره السجن، ومع هذا وجدنا دولا تفتح بابها لاستضافة رؤساء أو وزراء انظمة ساقطة، وهو ما لا يمكن أن يكون مع رجل وراءه جريمة دولية مثل البشير، وبذا فمن يستضيفه يؤذي نفسه. هكذا أي رئيس في عنقه دم أو جرائم ضد الإنسانية.

(7 ) 

ألفي البشير في السجن، فليجرب بعض ما أذاقه لغيره .. السجن سجن في النهاية حتى لو عاش في زنزانة مؤثثة كأنها غرفة في فندق. والأهم من إيداع البشير السجن هو حصر ما سرقه من أموال الشعب السوداني، والتحفظ عليه.

( 8 ) 

في اليوم الأول لخروج السودانيين محتجين، وسط تعتيم إعلامي، واستعلاء من السلطة، رأيت على إحدى الفضائيات شابا سودانيا في العقد الرابع من عمره تقريبا، يقول بثقة متناهية: لن نكون رجالا إن عدنا إلى بيوتنا دون إسقاط البشير وعصابته. أمثال هذا الشاب الجسور لا يجب أن يذهبوا إلى الظل أبدا.

( 9 ) 

قلت يوم 12 إبريل: أعتقد أن الوقت قد حان ليشكل رئيس تجمع المهنيين السودانيين، وهو رجل يحمل الدكتوراه من جامعة لندن، حكومة مدنية كاملة، ويطلب من المجلس العسكري إقرارها بوصفها معبرة عن إرادة الثوار، وتقوم هذه الحكومة بتهيئة البلاد لمرحلة سياسية جديدة، وأن يصدر إعلان دستوري يعطيها صلاجيات كافية.

( 10 ) 

حين كان عوض بن عوف يتحدث، أوقفت عمل الصوت في التلفزيون، وتأملت الرجل مليا وهو يقرا بيانه، فوجدته لا ينظر أبدا إلى الناس، إنما يكلم نفسه، هو رجل لا يحسن التواصل مع الشعب حتى في هذه اللحظة التاريخية الفارقة. ولم يخسن تغيير الانطباع عنه، وفهم تاريخه وعلاقته بالبشير الذي رحل شكليا,

( 11 ) 

ما يجري في السودان يبين أن الشعوب تعلمت الدرس، فإن خرجت فلن ترضى بما سبق أن اعتقدت أنه حل. لهذا فإن الأنظمة الحاكمة التي لا ترضى عنها شعوبها، إن كانت معنية بمصلحة البلاد، كما تقول دوما وتؤكد، عليها أن تشرع في إصلاحات حقيقية، وأن تفتخ الباب لصناعة بديل، للحفاظ على الدولة.


مقالات اخرى للكاتب

مِزاج الشعب .. الكِيّف والسياسة في مصر





اعلان