31 - 10 - 2024

نص دعوى تطالب بوقف الاستفتاء وتعتبر التعديلات "انقلابا على الدستور"

نص دعوى تطالب بوقف الاستفتاء وتعتبر التعديلات

- التعديلات الدستورية تمثل آثاما سياسية ودستورية لا يمكن أن تكون محلا للاستفتاء
- مد فترة الرئاسة وسريانها بأثر رجعي عصف بمبدأ سيادة الشعب وسيادة الدستور
- التعديلات تعرض القضاء لمحنة شديدة الوطأة عندما تنشق الصفوف وتتنافس لتقدم قرابين الطاعة والولاء 
- مجلس النواب تقتصر سلطته على تعديل الفرعيات ولا ترقي إلي الاجتراء علي سيادة الشعب بتقويض أسس الدستور

قدم الدكتور محمد نور فرحات وعصام الإسلامبولي المحاميان بالنقض والإدارية العليا والدستورية العليا كوكلاء عن الدكتورعبد الجليل مصطفي، والدكتورة كريمة الحفناوى، وأحمد فتحي السيد، والدكتور زهدي الشامي طعنا أمام المحكمة الإدارية العليا يطالب بوقف الاستفتاء وطلب الطاعنون أن يجري التصويت على التعديلات الدستورية المقترحة مادة مادة وليس جملة واحدة . 

وقال نص الطعن إن الدستور ليس مطية تعدل نصوصه وفق الهوى والغرض ولغير صالح الشعب. وأن التعديلات التي سيستفتي الشعب عليها ليست مجرد تعديلات للدستور تجري وفق ضوابطه،  بل هي انقلاب علي الدستور يقوض أسسه وأهدافه ومراميه مما يمثل انتهاكا  له، وحنثا بالقسم الذي أقسمه نواب الشعب علي احترامه. واعتبر التعديلات آثاما سياسية ودستورية لا يمكن أن تكون محلا للاستفتاء. 

واوضح الطعن أن التعديلات عصفت بمبدأ سيادة الشعب وسيادة الدستور. وأن تطبيق التعديل بمد مدة الرئاسة إلي ست سنوات على واقعة قانونية منقضية بأثر رجعي غير جائز، لأن الأثر الرجعي للتشريع يجب ألا يمس مراكز قانونية اكتملت قبل نفاذ النص التشريعي. وأن المركز القانوني للرئيس المنتخب قد اكتمل فعلا واستقر بإعلان نتيجة انتخابات 2018. ويصبح مد الولاية إلي ست سنوات اعتداء علي نص دستور نافذ وعلي إرادة الناخبين التي اتجهت لانتخاب الرئيس سنوات أربع سنوات فقط. 

وأضاف الطعن: لو أجيزت هذه التعديلات تتيح للرئيس أن يترشح بعد انتهاء ولايته الحالية التي امتدت بموجب نص المادة 241 مكرر إلى ست سنوات،  لولاية ثالثة مدتها ست سنوات أيضا. وهذا مخالف لصريح النصوص الحاكمة للتعديلات التي تحظر تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب الرئيس ( مادة 226)

كما أن التعديلات بخصوص القضاء تستهدف إعطاء غطاء دستوري للقانون رقم 13 لسنة 2017 المطعون فيه بعدم الدستورية، والطعن متداول أمام المحكمة الدستورية العليا، بما يمثل تدخلا سافرا في شئون العدالة،وهو مايعد جريمة وفقا لنص المادة لا تسقط بالتقادم وفقا لنص المادة 189 من الدستور، كما أن الاختيار الذي سيتم على أساسه تعيين رؤساء الجهات والهيئات القضائية سيترتب عليه أن المؤسسة القضائية العريقة التي تباشر سلطتها كواحدة من السلطات الثلاث المنبثقة من سيادة الشعب، سوف تتعرض لمحنة شديدة الوطأة عندما تنشق الصفوف وتتنافس لتقدم قرابين الطاعة والولاء لمن يملك الاختيار لأن القضاة بشر وليسوا ملائكة معصومين ، فيكون الثمن انهيار هذا الكيان بكل ما فيه . 

وقالت صحيفة الطعن أنه إن كان لمجلس النواب أن يطلب ويقترح تعديل الدستور ويطلب استفتاء الشعب علي ذلك ، فإنه وباعتباره كيانا أنشأه الدستور ذاته يجب أن تقتصر سلطته في التعديل علي الفرعيات والجزئيات التي لا ترقي إلي مرتبة الاجتراء علي سيادة الشعب بتقويض أسس الدستور كما ارتأته السلطة التأسيسية الأصلية التي وضعت الدستور ووافق عليه الشعب .والقول بغير ذلك يسلمنا إلي نتيجة تأباها دولة المشروعية وسيادة القانون وسيادة الشعب ، وهو أن تتغول السلطة المتفرعة عن الدستور ( البرلمان ) علي الدستور ذاته الذي هو أساس وجودها ومنشؤها  .

واستنكرت صحيفة الطعن قيام واضعي مقترح التعديلات الدستورية بجعل الجيش طرفا في المعادلة السياسية وما يتبع ذلك من آثار مدمرة علي مجمل الحياة السياسية والدستورية المصرية

وهذا نص الطعن

تقرير طعن

أنه في يوم الخميس الموافق 18 / 4 /2019

حضر أمامنا أنا / مراقب شئون المحكمة الإدارية العليا

الأستاذ / أشرف عز الدين محمود المحامي بالإدارية العليا عن الأستاذ/عصام عبد العزيز الإسلامبولي، والدكتور/ محمد نور فرحات وحامد متولي جبر المحامين بالنقض و الإدارية العليا والدستورية وكلاء عن الأستاذ الدكتور/عبد الجليل مصطفي البسيوني، والدكتورة / كريمة محمد الحفناوى، والسيد/ أحمد فتحي محمد السيد، والدكتور/ زهدي زكي الشامي

ومحلهم المختار مكتب الأستاذ/ عصام الإسلامبولي المحامى بالنقض عمارة ستراند 183 شارع التحرير- باب اللوق – القاهرة

وقرر أنه يطعن علي القرار الصادر من رئيس الهيئة الوطنية للانتخابات بدعوة الناخبين للاستفتاء علي التعديلات الدستورية رقم 26 لسنة 2019 و الصادر بتاريخ 17 إبريل 2019 وذلك أولا : فيما تضمنه من استفتاء الشعب علي بعض من نصوص هذه التعديلات

وهي علي سبيل الحصر:

١- المادة ١٤٠ فقرة أولى (مستبدلة): ينتخب رئيس الجمهورية لمدة ست سنوات ميلادية، تبدأ من اليوم التالي لانتهاء مدة سلفه ، و لا يجوز أن يتولى الرئاسة لأكثر من مدتين رئاسيتين متتاليتين.

٢- المادة 241 مكررأ (مضافة):تنتهي مدة رئيس الجمهورية الحالي بانقضاء ست سنوات من تاريخ إعلان انتخابه رئيسا للجمهورية في عام 2018، و يجوز إعادة انتخابه لمرة تالية.

٣- المادة ١٨٥ (مستبدلة): تقوم كل جهة أو هيئة قضائية على شئونها ، و يؤخذ رأيها في مشروعات القوانين المنظمة لشئونها، وتكون لكل منها موازنة مستقلة، و يعين رئيس الجمهورية رؤساء الجهات والهيئات القضائية من بين أقدم سبعة من نوابهم ، و ذلك لمدة أربع سنوات أو للمدة الباقية حتى بلوغه سن التقاعد أيهما أقرب، و لمرة واحدة طوال مدة عمله ، و ذلك على النحو الذي ينظمه القانون . ويقوم على شئونها المشتركة مجلس أعلى للجهات و الهيئات القضائية يترأسه رئيس الجمهورية وعضوية رئيس المحكمة الدستورية العليا ورؤساء الجهات والهيئات القضائية ورئيس محكمة استئناف القاهرة , والنائب العام ,

ويكون للمجلس أمين عام , يصدر بتعينه قرار من رئيس الجمهورية للمدة التي يحددها القانون وبالتناوب بين الجهات أعضاء المجلس. ويحل محل رئيس الجمهورية عند غيابه من يفوضه من رؤساء الجهات والهيئات القضائية.ويختص المجلس بالنظر في شروط تعيين أعضاء الجهات و الهيئات القضائية، وترقيتهم وتأديبهم ، ويؤخذ رأيه في مشروعات القوانين المنظمة لشئون هذه الجهات والهيئاتوتصدر قراراته بموافقة أغلبية أعضائه علي أن يكون من بينهم رئيس المجلس.

٤- المادة ١٨٩ فقرة ثانية (مستبدلة)و يتولى النيابة العامة نائب عام يصدر بتعيينه قرار من رئيس الجمهورية من بين ثلاثة يرشحهم مجلس القضاء الأعلى من بين نواب رئيس محكمة النقض أو الرؤساء بمحاكم الاستئناف أو النواب العموم المساعدين ، و ذلك لمدة 4 سنوات ، أو للمدة الباقية حتى بلوغه سن التقاعد أيهما أقرب و لمرة واحدة طوال مدة عمله.

٥- المادة ١٩٠ (مستبدلة)مجلس الدولة جهة قضائية مستقلة يختص دون غيره بالفصل في المنازعات الإدارية و منازعات التنفيذ المتعلقة بجميع أحكامه ، كما يختص بالفصل في الدعاوي والطعون التأديبية، وقرارات مجلس التأديب , ويتولى الإفتاء في المسائل القانونية للجهات التي يحددها القانون , التي تحال له , ومراجعة مشروعات القوانين و القرارات ذات الصفة التشريعية ، ومراجعة مشروعات العقود التي يحددها ويحدد قيمتها القانون , وتكون الدولة أو أحدي الهيئات العامة طرفا فيها , ويحدد القانون اختصاصاته الأخرى.

٦- المادة ١٩٣فقرة ثالثة (مستبدلة) : ويختار رئيس الجمهورية رئيس المحكمة الدستورية من بين أقدم خمسة نواب لرئيس المحكمة، و يعين رئيس الجمهورية نواب رئيس المحكمة من بين اثنين ترشح أحدهما الجمعية العامة للمحكمة، ويرشح الأخر رئيس للمحكمة . ويعين رئيس هيئة المفوضين و أعضاؤها بقرار من رئيس الجمهورية بناء على ترشيح رئيس المحكمة و بعد أخذ رأي الجمعية العامة للمحكمة و ذلك كله على النحو المبين بالقانون.

٧- المادة ٢٠٠ فقرة أولى (مستبدلة)القوات المسلحة ملك للشعب ، مهمتها حماية البلاد والحفاظ على أمنها و سلامة أراضيها وصون الدستور والديمقراطية، والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها ، ومكتسبات الشعب وحقوق وحريات الأفراد ، والدولة وحدها هي التي تنشئ هذه القوات، و يحظر على أي فرد أو هيئة أوجهة أو جماعة إنشاء تشكيلات أو فرق أوتنظيمات عسكرية أوشبه عسكرية.

ـ المادة 204 فقرة ثانية (مستبدلة) ولا يجوز محاكمة مدني أمام القضاء العسكري إلا في الجرائم تمثل اعتداء على المنشآت العسكرية أو معسكرات القوات المسلحة أو ما في حكمها والمنشآت التي تتولى حمايتها، أوالمناطق العسكرية أو الحدودية المقررة كذلك ، أو معداتها أو مركباتها أو أسلحتها أو ذخائرها أو وثائقها أو أسرارها العسكرية أو أموالها العامة أو المصانع الحربية أو الجرائم المتعلقة بالتجنيد، أو الجرائم التي تمثل اعتداء مباشرا على ضباطها أو أفرادها بسبب تأدية أعمال وظائفهم.

مدخل 

نفتتح هذا الطعن بكلمات خالدة للعظيم الراحل رائد الفقه المصري الحديث الرئيس الثاني لمجلس الدولة الدكتور العلامة عبد الرزاق السنهوري في وصيته المنشورة بمجلة مجلس الدولة – العدد الأول – 1950 مرددا فيها ( لا غني لمجلس الدولة في مصر عن عنصر الزمن , فهو الذي يرسي الأسس , ويقر الدعائم , ويوطد الأركان , فلابد إذا من وقت يمر يحشد المجلس فيه قواه ويجند رجاله ويعد عدته وذلك للنضال عن : حق هذا الشعب النبيل في الدفاع عن حرياته العامة وعن حقوق أفراده وحق الإدارة في أن تكون إدارة قوية معتصمة بالقانون بعيدة عن الهوى .. وحق الوطن في أن تقوم نظمه ثابتة مستقرة ترتكز علي ركنين من القانون والعدالة ... وهو الذي يرسم بقضائه الحدود فيما يعمل وفيما يترك... قد يبطئ في سيره .. وقد يتعثر في خطاه .. وقد يرجع خطوة إلي الوراء وهو يتابع التقدم إلي الأمام .. ولكنه سيقوي  .. ويصلب عوده .. وسيواصل السير .. وسيصل إلي الغاية.)

ولما كان الطاعنون أبناء لهذا الوطن العظيم مصر لهم كل الحق أنيتمسكوا بحقوقهم وألا يتقاعسوا في الدفاع عنها , لأن ذلك هو حجر الزاوية في كل النظم الديمقراطية و هو ما حرص الدستور النص عليه في المادة 87 التي يجري نصها على النحو التالي " مشاركة المواطن في الحياة العامة واجب وطني ، و لكل مواطن حق الانتخاب و الترشح و إبداء الرأي في الاستفتاء ، و ينظم القانون مباشرة هذه الحقوق ، و يجوز الإعفاء من أداء هذا الواجب في حالات محددة يبينها القانون و تلتزم الدولة بإدراج اسم كل مواطن بقاعدة بيانات الناخبين دون طلب منه ، متى توافرت فيه شروط الناخب ، كما تلتزم بتنقية هذه القاعدة بصورة دورية وفقا للقانون . و تضمن الدولة سلامة إجراءات الاستفتاءات و الانتخابات و حيدتها و نزاهتها ، و يحظر استخدام المال العام و المصالح الحكومية و المرافق العامة و دور العبادة و مؤسسات قطاع الأعمال و الجمعيات و المؤسسات الأهلية في الأغراض السياسية أو الدعاية الانتخابية " 

وانطلاقا من هذه المبادئ الخالدة كان هذا الطعنْ وهذه الدعوي. 

أولا : أصدر المطعون ضده بصفته قراره بدعوة الناخبين للاستفتاء علي التعديلات الدستورية رقم 26 لسنة 2019 و الصادر بتاريخ 17 إبريل 2019 والموضح بتقرير الطعن المرفق والطاعنون يطعنون على هذا القرار وذلك فيما يتضمنه من استفتاء الشعب عل  بعض نصوص التعديلات وهي علي سبيل الحصر مايلي :-

١- المادة١٤٠فقرة أولى  بإطالةمدة الرئاسة لست سنوات بدلا من أربع.

٢- المادة 241 مكرر وهي مادة مستحدثة و التي تمد ولاية رئيس الجمهورية الحالي مدة سنتين إضافيتين على المدة التي تم انتخابه على أساسها و هي أربع سنوات .

٣- المادة ١٨٥ التي توسع سلطة رئيس الجمهورية في الاختيار بين المرشحين عند تعيين رؤساء الجهات والهيئات القضائية وتستحدث مجلسا أعلي للجهات والهيئات القضائية يرأسه رئيس الجمهورية.

٤-  المادة ١٨٩ فقرة ثانية التي توسع سلطة رئيس الجمهورية في اختيار وتعيين النائب العام .

٥-  المادة ١٩٠ التي تسلب اختصاص مجلس الدولة بمراجعةالعقود التي تبرمها الحكومة و يقصر مراجعة و صياغة مشروعات القوانين و القرارات التي تحال إليه فقط.

٦- المادة ١٩٣فقرة ثانية التي يوسع من سلطة رئيس الجمهورية في تعيين رئيس ونواب المحكمة الدستورية العليا ورئيس وأعضاء هيئة المفوضين بها.

٧- المادة ٢٠٠الفقرة الأولى التي توكل للقوات المسلحة مهام سياسية هي صون الديمقراطية والحفاظ علي المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها ومكتسبات الشعب وحريات الأفراد.

8 ـ المادة 204 فقرة 2 التي وسعت من جواز محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري.

ويطعن الطاعنون أيضا على إجراء التصويت على التعديلات جملة واحدة ويطلبون أن يجري التصويت مادة مادة .

 ولما كان القرار الطعين قد صدر منعدما مخالفا للدستور والقانون فان الطاعنين يبادرون بالطعن عليه للأسباب التالية :

أولا: من حيث الشكل :

صدر القرار الطعين رقم 26 لسنة 2019 في 17/4/2019 , فبادر الطاعنون بالتظلم منه إلى الهيئة الوطنية للانتخابات ابتغاء تعديل القرار بقصر إجراء الاستفتاء علي بعض المواد غير المخالفة للدستور وعلي أن يكون إبداء الرأي في الاستفتاء علي كل مادة علي حدا حتى تكون إرادة الناخبين في التعبير عن إرادتهم لا تشوبها شائبة.  

ثم بادر الطاعنون برفع طعنهم الماثل للمحكمة الإدارية العليا في الموعد القانوني وبالتالي يكون الطعن مقبول شكلا .

ثانيا: أسباب الطعن :من حيث الموضوع :

لما كانت المادة الثالثة من القانون رقم ١٩٨ لسنة ٢٠١٧  بشأن الهيئة الوطنية للانتخابات قد حددت اختصاصات الهيئة المذكورة بان نصت علي أن "تختص الهيئة دون غيرها بإدارة الاستفتاءات والانتخابات الرئاسية والنيابية والمحلية ...." كما تضمن البند الثالث من هذه المادة اختصاص الهيئة الوطنية للانتخابات بدعوة الناخبين للاستفتاءات والانتخابات وتحديد مواعيدها ووضع الجدول الزمني لكل منها وذلك بمراعاة الحالات المنصوص عليها في الدستور. وقد كان هذا الاختصاص نفاذا وإعمالا لما جاء في دستور 2014 في المواد 208 ،209، 210. 

ومفاد هذه المواد مجتمعة أن نصوص الدستور القطعية الدلالة التي تفرض واجبات مباشرة أو تضع ضوايط محددة هي نصوص ذات تطبيق مباشر علي كل قرارات الهيئة الوطنية للانتخابات . فإذا حادت عنها كانت قراراتها باطلة دون حاجة للطعن عليها بعدم الدستورية أمام المحكمة الدستورية العليا لأنها تكون بذلك قرارات تفقد ركيزة المشروعية التي هي ركيزة حاكمة لكل أعمال وقرارات مؤسسات الدولة ، 

ولما كانت المادة ١٢ من قانون الهيئة الوطنية للانتخابات تجيز لكل ذي شأن الطعن علي قرارات الهيئة خلال ثمان وأربعين ساعة من تاريخ إعلانها ، وتختص المحكمة الإدارية العليا بالفصل في الطعون علي قرارات الهيئة المتعلقة بالاستفتاءات والانتخابات  الرئاسية والنيابية ونتائجها ، 

ولما كان قرار المطعون ضده الأول قد خالف نصوصا قطعية في الدستور مخالفة صريحة وانصب بذلك علي محل منعدم وهو التعديلات الدستورية ، لمخالفة التعديلات المقترحة نصوصا  صريحة وقاطعة في الدستور تحكم التعديلات من الناحيتين الإجرائية والموضوعية وذلك علي النحو التالي :

أولا : من المبادئ الدستورية الجوهرية التي هي قوام المجتمعات السياسية الديموقراطية التي تعلي مبدأ سيادة الدستور وقيم المشروعية ، إنه لا يجوز أن تطرح للاستفتاء الشعبي مسائل مخالفة للدستور . وهذا ما تبنته المادة ١٥٧من الدستور بقولها ( لرئيس الجمهورية أن يدعو الناخبين للاستفتاء في المسائل التي تتصل بمصالح البلاد العليا، وذلك فيما لا يخالف أحكام الدستور. وإذا اشتملت الدعوة للاستفتاء على أكثر من مسألة، وجب التصويت على كل واحدة منها.) ولا يقال لحصر نطاق هذه المادة أن الأحكام التي تضمنتها  قاصرة علي الاستفتاءات التي يدعو لها رئيس الجمهورية والتي تتصل بمصالح البلاد العليا . فمن غير المعقول أن يقيد المشرع الدستوري رئيس الجمهورية  في الاستفتاءات التي يدعو الشعب إليها بقيود تتحرر منها الاستفتاءات التي تدعو لها الهيئة الوطنية للانتخابات، إذ أن ما يقيد استفتاءات رئيس الجمهورية من ضوابط لابد وأن ينطبق علي الاستفتاءات الأخرى . فالمغايرة تخلو من المعني ويأباها المنطق القويم لتفسير النصوص تبعا للحكمة المتوخاة منها. ثم إن التعديلات الدستورية تعلو في مراتب المسائل التي ترتبط بمصالح البلاد العليا غيرها من المسائل ، وكيف لا والدستور هو الوثيقة القانونية الأساسية التي تعلو كافة القوانين والتي تنظم السلطات في الدولة والعلاقة فيما بينها وشكل نظام الحكم والحقوق والحريات العامة ، فهل هناك أمور تعلو في ارتباطها بمصالح البلاد العليا أمر الدستور؟ !! لما كان ذلك كذلك فمن المسلم به  إذن أن الهيئة الوطنية للانتخابات مقيدة في دعوتها للناخبين للاستفتاء بقيدين دستوريين : أولهما ألا يكن محل الاستفتاء أمرا مخالفا للدستور واقعا في حومة محظوراته ونواهيه ، وثانيهما أنه لا يجوز للهيئة أن تدعو المواطنين للتصويت جملة ومرة واحدة علي تعديل مجمل من النصوص الدستورية المتباينة المضمون. إذ يجب التصويت وفقا للمادة ١٥٧ من الدستور علي كل تعديل لنص بمفرده ، فقد تتجه إرادة الناخبين إلي الموافقة علي تعديل نص دون غيره ورفض تعديل نص آخر .

وإذ كان القرار المطعون فيه قد دعا الناخبين للاستفتاء علي التعديلات الدستورية مرة واحدة وعلي وجه الإجمال دون تفريدها فإنه يكون قد خالف الضابط الدستوري الوارد في المادة ١٥٧ من الدستور بضرورة الاستفتاء علي كل أمر بمفرده مع بيان مضمونه ويكون بذلك حري الإلغاء.

ثم أن القرار المطعون فيه قد دعا الناخبين للاستفتاء علي تعديلات مخالفة للضوابط الإجرائية والموضوعية لتعديل الدستور التي حددها الدستور ذاته ولنصوص حاكمة فيه ولمبادئ دستورية عامة ، الأمر الذي يجب معه القول أن التعديلات التي سيستفتي الشعب عليها ليست مجرد تعديلات للدستور تجري وفق ضوابطه،  بل هي انقلاب علي الدستور يقوض أسسه وأهدافه ومراميه  مما يمثل انتهاكا  له ، وحنثا بالقسم الذي أقسمه نواب الشعب علي احترامه . وهذه آثام سياسية ودستورية لا يمكن أن تكون محلا للاستفتاء.

هذا وإن كان من المسلم به أن نصوص الدستور ليست مقدسة لكنها قابلة للتعديل بتغيير الظروف، ولكنه من المسلم به أيضا، أن الدستور ليس مطية تعدل نصوصه وفق الهوى والغرض ولغير صالح الشعب . فاحترام الدستور وإعماله وتطبيقه واجب أولا قبل تعديله . 

ومن المهم أن ننوه أن الحديث عن تعديل الدستور بدأ يتردد فى الدوائر الرسمية والإعلامية  فى وقت مبكر ولم يجف مداد الدستور بعد وتحديدا فى عام 2015 بواسطة ممثلي ما يسمي بائتلاف ( حب مصر) الذي تمكن من تشكيل أكثرية البرلمان . وكأن أكثرية نوابنا وهم يقسمون على الوفاء للدستور كانوا يضمرون الإطاحة به بعدما يتمكنون من أمر التشريع . وها هم يقدمون علي ذلك الآن رغم القيود التي يضعها الدستور علي تعديله . 

ثانيا : مخالفة تعديلات المادة ١٤٠ الفقرة الأولى  من الدستور والحكم المستحدث في المادة ٢٤١ مكرر الذي يتيح للرئيس الحالي استثناء الترشح لولاية رئاسية ثالثة بعد إنهاء ولايته الحالية لصريح المادة ٢٢٦ من الدستور .

وبيان ذلك ما يلي :-

تنص المادة ١٤٠ من الدستور علي ما يلي :

ينتخب رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات ميلادية، تبدأٔ من اليوم التاليلانتهاء مدة سلفه، ولا يجوزإعادة انتخابه إلا مرة واحدة. ...

وتنص المادة ٢٢٦ من الدستور في عجزها علي ما يلي :

......... وفى جميع الأحوال، لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة إانتخاب رئيس الجمهورية، أو بمبادئ الحرية، أوالمساواة، ما لم يكن التعديل متعلقاً بالمزيد من الضمانات.

وينص تعديل المادة 140 علي ما يلي :" ينتخب رئيس الجمهورية لمدة ست سنوات ميلادية ، تبدأ من اليوم التالي لانتهاء مدة سلفه ، و لا يجوز أن يتولى الرئاسة لأكثر من مدتين رئاسيتين متتاليتين .

كما تنص المادة 241 مكرر المستحدثة بالتعديل علي ما يلي:" تنتهي مدة رئيس الجمهورية الحالي بانقضاء ست سنوات من تاريخ إعلان انتخابه رئيسا للجمهورية ، و يجوز  إعادة انتخابه لمرة تالية " .

وثابت أن التعديلات المطروحة علي الشعب للاستفتاء قد خالفت الضوابط والمحظورات التي وضعتها المادة ٢٢٦ من الدستور، بأن أطالت أمد مدة ولاية رئيس الجمهورية لتصبح ست سنوات بدلا  من أربع ،وبأن طبقت حكم إطالة مدة الرئاسة على الرئيس الحالي بأثر رجعي فأفردت حكما مستحدثا يمد مدة الرئيس الحالي دون انتخاب من الشعب سنتين إضافيتين  ، وبأن سمحت للرئيس الحالي أن يترشح دون غيره لولاية ثالثة ، وتبدو المخالفات الدستورية في هذه التعديلات من أكثر من وجه ،لقد تحايلت التعديلات علي النص الذي يحظر تعديل نصوص إعادة انتخاب الرئيس بأن أطالت مدة الولاية الواحدة إلى ست سنوات وطبقت ذلك على مدة الرئاسة الحالية بأثر رجعي . وسمحت للرئيس الحالي أن يترشح لولاية ثالثة  . 

ووجه العوار في هذه النصوص أمور عدة. إنها قد عصفت بمبدأ سيادة الشعب وسيادة الدستور. فقد انتخب الشعب الرئيس الحالي سنة 2018 وفقا لنص يجعل مدة الولاية أريع سنوات فقط واتجهت إرادة الناخبين إلي انتخابه هذه المدة فقط . 

ثم إن تطبيق التعديل بمد مدة الرئاسة إلي ست سنوات على واقعة قانونية منقضية بأثر رجعي غير جائز، لأن الأثر الرجعي للتشريع يجب ألا يمس مراكز قانونية اكتملت قبل نفاذ النص التشريعي. وقد اكتمل المركز القانوني للرئيس الحالي بإعلان نتيجة الانتخابات سنة 2018 . وهذا ينطوي علي مخالفة صريحة للمادة 247 من الدستور التي تنص علي أنه " يعمل بهذه الوثيقة الدستورية من تاريخ موافقة الشعب عليها " . أي أن المركز القانوني للرئيس المنتخب قد اكتمل فعلا واستقر بإعلان نتيجة الاستفتاء بفوزه بمنصب الرئيس كما حددت ولايته المادة 140 وهي أريع سنوات . ويصبح مد الولاية إلي ست سنوات اعتداء علي نص دستور نافذ وعلي إرادة الناخبين التي اتجهت لانتخاب الرئيس سنوات أربع فقط. 

  ثم إن الرئيس الحالي من حقه  لو أجيزت هذه التعديلات أن يترشح بعد انتهاء ولايته الحالية التي امتدت بموجب نص المادة 241 مكرر إلى ست سنوات،  لولاية ثالثة مدتها ست سنوات أيضا. وهذا مخالف لصريح النصوص الحاكمة للتعديلات التي تحظر تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب الرئيس ( مادة 226) ، ومخالف لمبدأ تداول السلطة  الذي هو أحد ركائز الدستور الحالي( المادة ٥) فأي عبث بالدستور أكثر من ذلك ؟ وهو عبث بالدستور لم تشهده مصر منذ عرفت الدساتير الحديثة .

٢- ولا يرد علي ذلك بالقول  أن إطالة المدد لا يتضمن مساسا بنصوص إعادة انتخاب الرئيس وأن ذلك لا يعد مخالفة دستورية  . فهذه الحجة منهارة لأن النص علي عدم جواز تعديل النصوص المتعلقة  بإعادة انتخاب الرئيس الوارد بالمادة ٢٢٦ يجب تفسيره بالتلازم مع حكم المادة ١٤٠ من الدستور التي جعلتمدة ولاية الرئيس ٤سنوات لا تجوز إعادتها إلا مرة واحدة .فالحظر ينصرف إلي تعديل أحكام إعادة انتخاب الرئيس خلافا لما نصت عليه المادة ١٤٠ من الدستور ، أي حظر انتخابه أكثر من أربع سنوات لولايتين متتاليتين . والقول بغير ذلك يخالف صريح نص الدستور وروحه ويمثل انحرافا في استعمال سلطة التشريع  . 

ثم إن النص المعدل قد عدل من أحكام إعادة إنتخاب الرئيس بأن نص في المادة 140 المعدلة علي أنه لا يجوز للرئيس أن يتولي الرئاسة أكثر من مدتين رئاسيتين متتاليتين ( بإضافة كلمة متتاليتين)  في حين أن النص الحالي جري علي ( أنه لا يجوز إعادة انتخابه إلا مرة واحدة ) .ووجه المغايرة أن التعديل يجيز إعادة انتخاب الرئيس أكثر من مرة واحدة إذا حدث انقطاع في التتالي بين مدد الرئاسة . وهذا بدوره مخالف للحظر الوارد في المادة 226 . 

                                ***

ويجدر التنويه إلي  أنه إن كان لمجلس النواب أن يطلب ويقترح تعديل الدستور ويطلب استفتاء الشعب علي ذلك ، فإنه وباعتباره كيانا أنشأه الدستور ذاته يجب أن تقتصر سلطته في التعديل علي الفرعيات والجزئيات التي لا ترقي إلي مرتبة الاجتراء علي سيادة الشعب بتقويض أسس الدستور كما ارتأته السلطة التأسيسية الأصلية التي وضعت الدستور ووافق عليه الشعب .والقول بغير ذلك يسلمنا إلي نتيجة تأباها دولة المشروعية وسيادة القانون وسيادة الشعب ، وهو أن تتغول السلطة المتفرعة عن الدستور ( البرلمان ) علي الدستور ذاته الذي هو أساس وجودها ومنشؤها  .

ومن نافلة القول أن تحصين مواد بذاتها عن التعديل لضرورات ارتأتها هيئة التأسيس ، وأن وضع حدود زمنبة لمناصب السلطة وتأكيد تداول هذه المناصب ، كانت من الأمور التي حرصت عليها الجمعية التأسيسية التي وضعت الدستور بعد ثورة يناير ٢٠١١ التي قامت لتنهي عصور الاستبداد وتأبيد السلطة والتحلل من المشروعية ( راجع في التفرقة بين السلطة التأسيسية الأصلية والفرعية وضوابط تعديلات الدستور ، سامي جمال الدين ، القانون الدستوري والشرعية الدستورية وفقا لدستور ٢٠١٤، منشأة المعارف عام ٢٠١٤، ص٢٨٨)وأيضا رقابة التعديلات الدستورية، دراسة في بعض جوانبها النظرية والعملية ، للدكتور عبد الحفيظ علي الشيمي دار النهضة العربية الطبعة الأولي  ص 137 : 143 ، وأيضا فكرة تدرج القواعد الدستورية ،دراسة تحليلة نقدية ، للدكتور محمد فوزي نويجي دار النهضة العربية الطبعة الأولي  ص 226 وما بعدها ، وكذا الرقابة القضائية علي دستورية القوانين في ملامحها الرئيسية للمستشار الدكتور عوض المر ص 835 حتى 840 الناشر مركز رينيه – جان دبوي للقانون والتنمية ، ويقرر الأخير "بأن التحلل من القيود التي فرضها الدستور في مجال تعديل الدستور علي سلطة اقتراح التعديل يمثل انقلابا من جهتها علي سند ولايتها وأنه يدخل في مجال التدليس علي الدستور عندما يكون تعديل الدستور انقضاضا علي أحكامه وإبدالها بغيرها".)


ثالثا :مخالفة تعديلات المواد ١٨٥ و١٨٩ فقرة ثانية و ١٩٠ و ١٩٣ فقرة ثالثة لمبدأ استقلال القضاء الذي نصت عليه دساتير مصر المتعاقبة وآخرها دستور سنة ٢٠١٤في المواد ١٨٤و ١٨٥و ١٨٦.

إن استقلال القضاء مؤداه لزوما أن تكون السلطة القضائية غير خاضعة لنفوذ سلطة أخري خاصة السلطة التنفيذية، أو تابعة لنفوذ المصالح السياسية .إن استقلال القضاء ليس ترفا وليس خيارا للحكام في المجتمعات الديمقراطية الحديثة،  بل هو حتمية حياة ووجود للمجتمع الحر،  بدونه تتغول السلطة التنفيذية علي حقوق وحريات الناس ويفقد المظلوم من يلوذ به ويثق في استقلاله ونزاهته .

إن إعطاء سلطة واسعة لرئيس السلطة التنفيذية في الاختيار بين عدد كبير من المرشحين لرئاسة الهيئات والجهات  القضائية يتصادم ويتعارض مع التزامات رئيس الجمهورية المبينة بالمادة ١٣٩ من دستور ٢٠١٤ التي أوجبت عليه أن يلتزم بأحكام الدستور ويباشر اختصاصاته علي النحو المبين فيه . فبموجب هذا التعديل يباشر رئيس الجمهورية اختصاصا لم يتقرر له بالمواد الدستورية التي حددت اختصاصاته ( المواد من ١٣٩- ١٦٢) وليس من بين اختصاصات الرئيس التي عددتها هذه المواد اختصاص بتعيين رؤساء الجهات والهيئات القضائية .هذا فضلا عن تعارضه وتصادمه مع ما يقرره الدستور ذاته من تجريم التدخل في شئون العدالة ومن أن كل جهة قضائية تقوم علي شئونها ومن أن القضاة غير قابلين للعزل ولا سلطان عليهم لغير القانون .فكيف لرئيس جهة قضائية يعينه رئيس الجمهورية اختيارا وتقديرا من بين عدد كبير من المرشحين للمنصب أن يفصل في منازعة يكون رئيس الجمهورية طرفا فيها. وما أكثر هذه المنازعات في ظل تحلل السلطة التنفيذية بل والسلطة التشريعية من مبدأ المشروعية.

 إن هذا التعديل استهدف أمرين الأول : إعطاء غطاء دستوري للقانون رقم 13 لسنة 2017 المطعون فيه بعدم الدستورية ، والطعن متداول أمام المحكمة الدستورية العليا ، بما يمثل تدخلا سافرا في شئون العدالة،وهو مايعد جريمة وفقا لنص المادة لا تسقط بالتقادم وفقا لنص المادة 189 من الدستور .الثاني : أن الاختيار الذي سيتم على أساسه تعيين رؤساء الجهات والهيئات القضائية سيكون الفصل الأول والأخير فيه لتقارير الأجهزة التي ستقدم إلى المنوط به الاختيار. وسوف يترتب على هذا أن المؤسسة القضائية العريقة التي تباشر سلطتها كواحدة من السلطات الثلاث المنبثقة من سيادة الشعب، سوف تتعرض لمحنة شديدة الوطأة عندما تنشق الصفوف وتتنافس لتقدم قرابين الطاعة والولاء لمن يملك الاختيار لأن القضاة بشر وليسوا ملائكة معصومين ، فيكون الثمن انهيار هذا الكيان بكل ما فيه . 

وقد حرصت الدساتير المتعاقبة جميعها منذ دستور 1923 حتى الدستور الساري في 18/1/2014 , على النص في صلبها على استقلال القضاء بتقرير عدة نصوص دستورية تؤكد ذلك ، قصدا من المشرع الدستوري بان يكون النص عليها في الدستور قيدا على المشرع العادي فيما يسنه من قواعد وإحكام وفي حدود ما أراده الدستور لكل منها من حيث إطلاقها أو جواز تنظيمها تشريعيا .

لقد كان من المأمول بعد قيام الشعب بثورتي الخامس والعشرين من يناير والثلاثين من يونيو، وإقرار دستور عام 2014 الذي يؤسس لدولة سيادة القانون والمؤسسات، ويعلي مبدأ استقلال القضاء ، كان من المأمول أن يقوم المجلس التشريعي المنتخب بإصدار منظومة تشريعية حديثة ترسخ من استقلال القضاء وتحقق العدالة الناجزة، وتيسر إجراءات التقاضي للمواطنين وتصون أحكام القضاء وتضمن تنفيذها وعدم التحايل عليها ، كان من المأمول كل ذلك ، فإذا ببعض من أعضاء مجلس النواب يتقدمون باقتراح بتعديل طريقة اختيار رؤساء الجهات والهيئات القضائية جاعلاً سلطة الاختيار الحقيقية بيد رئيس الجمهورية (رأس السلطة التنفيذية)، بالمخالفة لما هو مستقر عليه في الأخذ بمعيار الأقدمية الذي أصبح عرفاً قضائياً مستقراً لا يثير أي خلافات في مسألة الاختيار،حيث صدر القانون مهدراً كل الضمانات والمبادئ الدستورية لاستقلال القضاء أخصها مبادئ: 1) سيادة القانون وخضوع كافة أجهزة الدولة له، 2) الفصل بين السلطات، 3) التوازن بين السلطات والرقابة المتبادلة بينها، 4) عدم التدخل في شئون العدالة أو القضايا، 5) إدارة كل جهة أو هيئة لشئونها 6) أخذ رأي الجهات والهيئات القضائية في مشروعات القوانين المتعلقة بها، 7) المساواة، 8) تكافؤ الفرص.

يضاف إلي  هذا أمر بالغ الخطورة. ذلك أن الدستور نص على تشكيل المحكمة الخاصة لمحاكمة رئيس الجمهورية    في المادة 159منه فيرأسها رئيس مجلس القضاء الأعلى، وعضوية أقدم نائب لرئيس المحكمة الدستورية العليا، وأقدم نائب لرئيس مجلس الدولة، وأقدم رئيسين بمحاكم الاستئناف، ويتولى الادعاء أمامها النائب العام. فكيف لرئيس الجمهورية أن يختار قضاته الذين قد يمثل أمامهم متهما ؟ !!! وهذا بلا ريب  يؤدي إلى إثارة الشكوك في حيدة ونزاهة هذه المحكمة، وقبل وبعد كل ذلك يشكل تدخلاً سافراً في شئون العدالة.

ثم إن مقترح تعديل المادة ١٨٩ بمنح سلطة لرئيس الجمهورية في تعيين النائب العام اختيارا من بين ثلاثة مرشحين يرشحهم مجلس القضاء الأعلى يعد انتهاكا لمبدأ استقلال القضاء بالاعتداء علي سلطة مجلس القضاء الأعلى في اختيار النائب العام،ويجعل هذه السلطة اختيارا وتقديرا لرئيس الجمهورية بما يمس استقلال المنصب وقد يؤثر علي حيدة قراراته وهو أمر غير مسبوق في الدساتير المصرية .

كما أن مقترح تعديل الفقرة الثالثة من المادة ١٩٣ من الدستور يفتح الباب واسعا للقضاء علي استقلالية المحكمة الدستورية العليا  وشل رقابتها علي دستورية القوانين بتمكين رئيس الجمهورية من تعيين رئيس المحكمة ونوابه متمتعا بسلطة واسعة في الاختيار بينهم دون أن يكون للجمعية العامة أي دور في الاختيار ، مما يجعل من رئيس المحكمة الدستورية العليا ونوابها خاضعين لرئيس الجمهورية بما يتنافي مع استقلال المحكمة وحيدتها ويعوقها تماما عن ممارسة دورها الحيوي الذي رسمه لها الدستور وقد كان هذا أحد أهم مكاسب ثورة 25 يناير و30يونيو عندما أصدر الأعلى للقوات المسلحة قرارا بقانون أعطى الجمعية العامة للمحكمة الدستورية الحق في اختيار رئيس المحكمة الدستورية العليا ثم.  تبني دستور 2014 هذا الحكم . ليأتي المقترح بالتعديل ليجهز علي أهم مظهر لاستقلال المحكمة .  هذا فضلا عن أن هذا المقترح بالتعديل يمس مراكز قانونية مستقرة مستمدة من الدستور. 

وأخطر ما في الأمر أن هذا الاعتداء على استقلال القضاء يتم من خلال نصوص دستورية وليس مجرد قانون أو قرار بقانون أو قرار إداري فيتعذر إصلاحه إلا بتعديل دستوري . 

وكل ما سبق ينطبق أيضا  علي إعادة الحياة لمجلس لا تعرفه غير النظم الشمولية يسمي المجلس الأعلى للهيئات القضائية يجتمع فيه القضاة مع غيرهم من غير القضاة من المشتغلين بالقانون تحت رئاسة رئيس السلطة التنفيذية . فأي عصف بمبدأ استقلال القضاء أكثر من ذلك ؟ وأي جنوح من مجلس النواب نحو استخدام التعديل الدستوري استخداما غير مشروع لتكريس دولة الرجل الواحد التي تخضع لإمرته ومشيئته كل مؤسسات الدولة بما فيها السلطة القضائية  . وهو نظام دفعت بسببه مصر أثمانا باهظة من انتكاساتها  وكرامة أبنائها  وحريتهم، وبسببه ثار المصريون ثورات تلو ثورات مطالبين بالحرية والعدل .

ثم إن سلب اختصاص مجلس الدولة بمراجعة عقود الحكومة قاطبة من شأنه أن يفتح الباب واسعا للفساد دون رقابة مسبقة مما يتصادم مع نص المادة ٢١٨ التي تلقي التزاما علي الدولة بمكافحة الفساد .

رابعا : إن ما نص عليه مقترح التعديل في نص المادة ٢٠٠ الفقرة الأولى بإضافة  مهمة سياسية لمهام القوات المسلحة العسكرية هي الحفاظ علي الدستور وعلي مدنية الدولة ومبادئ الديمقراطية هو إقحام للقوات المسلحة التي لها مكانة غالية في قلوب المصريين في أتون الصراعات السياسية التي يجب أن تكون بمنآي عنها في أي مجتمع ديمقراطي؟  إن لجيش مصر الوطني كل الحب والاحترام والتوقير في نفوس المصريين .فهو المحافظ علي وحدة تراب الوطن وحامي حماه .وهو الذي روي هذا التراب بدماء أبنائه وزاد عنه وحقق لمصر النصر في حرب الكرامة والشرف  سنة ١٩٧٣.فكيف لواضعي مقترح التعديلات الدستورية لا يقيمون لهذه المكانة الاعتبار كل الاعتبار ويحاولون أن يجعلوا من الجيش طرفا في المعادلة السياسية وما يتبع ذلك من آثار مدمرة علي مجمل الحياة السياسية والدستورية المصرية .إن  إعطاء القوات المسلحة مهمة الحفاظ علي الدستور يمثل مخالفة للنصوص الدستورية التي تنوط بالمحكمة الدستورية العليا وحدها دون غيرها مهمة الفصل في دستورية القوانين ، وتنوط بمجلس الدولة دون غيره مهمة الفصل في المنازعات الإدارية وتنوط بالقضاء  المستقل المتحرر من شبهة التأثر مهمة الفصل في المنازعات وبالبرلمان المنتخب مهمة التشريع .إن هذا التعديل يضع في يد القوات المسلحة اختصاصات السلطتين التشريعية والقضائية معا ، ويتعارض مع الثوابت التي استقرت عليها دساتير الدول الديمقراطية بل والدساتير المصرية منذ عرفت مصر الدساتير الحديثة من أن المهمة الوحيدة التي تتفرغ لها القوات المسلحة هي الحفاظ علي سلامة البلاد وأمنها ووحدة أراضيها وصد الاعتداءات علي ترابها. 

خامسا : مادة 204 فقرة 2 التي وسعت من جواز محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري أمر يهدر كافة الضمانات في المثول أمام القاضي الطبيعي المختص على الرغم من أن المادة 204 كانت محال خلاف شديد تم الموافقة عليها بنصها الحالي نظرا للظروف التي كانت تمر بها البلاد وقت مناقشة الدستور وإقراره .

بشأن الطلب العاجل بوقف التنفيذ

فإن القرار الصادر بدعوة الناخبين للاستفتاء وتحديد مواعيد الاستفتاء للمصريين بالخارج وبالداخل فترة زمنية قصيرة ما بين صدور قرار الدعوة وإجراء الاستفتاء بالفعل مما يوفر شرط الاستعجال لاسيما وأن شرط الجدية قائم ومتحقق لمخالفة مبدأ المشروعية للقرار محل الطعن على النحو المبين سلفا .

لــذلــك

فان الطاعنين يطلبون بعد الإطلاع علي هذا تحديد أقرب جلسة عاجلة وسريعة ابتغاء الحكم :  أولا : قبول الطعن شكلا 

 ثانيا : في الطلب العاجل بوقف تنفيذ القرار الصادر بدعوة الناخبين للاستفتاء الذي سيجري أيام 19 , 20 , 21 من شهر إبريل خارج البلاد و 20 و 21 و 22 من شهر إبريل داخل البلاد فيما تضمنه من استفتاء الشعب علي تعديل المواد140 فقرة أولى (مستبدلة), والمادة 241 مكررا مضافة والمادة 185(مستبدلة) ,189/2 (مستبدلة),190 (مستبدلة),193/3 (مستبدلة) ،200/1 (مستبدلة)، 204 /2 (مستبدلة) باستبعادها من الاستفتاء وعلي أن يتم الاستفتاء فيما عدا ذلك لكل مادة علي حدا في عملية الاقتراع.

ثالثا: في موضوع الطعن بإلغاء القرار بدعوة الناخبين للاستفتاء فيما تضمنه من استفتاء الشعب علي تعديل المواد140 فقرة أولى (مستبدلة), والمادة 241 مكررا مضافة والمادة 185(مستبدلة) ,189/2 (مستبدلة),190 (مستبدلة),193/3 (مستبدلة) ،200/1 (مستبدلة)، 204 /2 (مستبدلة) باستبعادها من الاستفتاء وعلي أن يتم الاستفتاء فيما عدا ذلك لكل مادة علي حدا في عملية الاقتراع.وعلي أن يكون الحكم في خلال عشرة أيام من تاريخ قيد الطعن وأن يكون التنفيذ بموجب مسودة الحكم دون إعلان وذلك نفاذا لحكم المادة 13 من قانون الهيئة الوطنية للانتخابات رقم 198 لسنة 2017 .

مع إلزام المطعون ضده المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.

وكلاء الطاعنين

د/ محمد نور فرحات

عصام عبد العزيز الإسلامبولي

حامد متولي جبر

المحامون بالنقض و الإدارية العليا و الدستورية