يعاملوننا كأننا فاقدي الأهلية أو لم نبلغ الحلم بعد.. هكذا نحن فى مخيلتهم السياسية نظل أطفالا ومراهقين أبديين.. لا تعلمنا تجربة ولا تنضجنا ثورات.. ندور فى دائرة جهنميةعاجزين عن الخروج من أتونها.. نتلقى الصفعات والقرارات والفرمانات دون مشاركة، وإن اعترضنا كانت الهراوة فى انتظارنا.. والقوانين سيئة السمعة التى كانت تطبخ فى الخفاء مراعاة لشكليات كانت مطلوبة فى أزمنة ليست بعيدة، أصبحت الآن على عينيك ياتاجر وبمباركة من اختاروهم، على عين الأجهزة الأمنية، ليمثلوا شعبا نصفه مايزال يعانى من أمية حقيقية أو أمية ثقافية وسياسية مقصودة.
أبدية الحكم نموذج لم يعد ينفع أو يعيش، إلا فى دول العالم الثالث التى تضاءلت وانكمشت مساحتها وأصبحت قاصرة على المنطقة العربية المنكوبة رغم المرور الرومانسى اللطيف للربيع العربى المنتهكة بكارته.. والتي يجري ترقيعها على قدم و ساق، حتى يتم قبوله فى زواج شكلى يرضى بعروس مضروبة فى ثوريتها، فنطلب منها أن تقبل من يحكمها بالحديد والنار.. خوفا من فضيحة لحظة العشق الثورى وتجرؤها على حكامها الظالمين!
يعاملوننا كسلعة تباع وتشترى فى مواسم الاقتراعات التى تزور على عينك ياتاجر.. ينضجوننا على مدى السنوات على نار التضخم والأسعار والتهديد بمصائر دول أخرى، فى الوقت الذى لم يقوموا فيه بأي اجراءات أو سياسات تمنع وقوعنا بالفعل فى تلك المصائر.. نحن فقط من نخاف من تورطنا فى حروب أهلية اذا ما تدخلت جهات معينة فى السياسة وانقسمت فيما بينها على سياسات الدولة وحكمت السلاح فى الصراع، بعدما سدوا أفق كل محاولة سياسية سلمية فى التغيير والمشاركة فى تحديد مصير الناس.. ألا يعرفون أن العدل وحده كفيل بإنقاذ البلاد من مصائر تعسة، وأن القوة المفرطة والتعامى عن آهات العباد هو أقصر طريق للهاوية؟
نعم.. ما زلنا نعانى من ويلات الإرهاب التى لم تفعل الدولة شيئا لمحاربته، خارج المواجهة المسلحة على الحدود، حتى وصل إلى أبواب بيوتنا ووجدنا أن فكرهم مازال قادرا على تجنيد المراهقين للتفجيرات الانتحارية، ولم يتوقفوا لحظة ليسألوا أنفسهم إن كانوا لايعرفون.. لماذا ما زالوا يسمحون لشيوخ التطرف بامتطاء المنابر والفضائيات والمدارس وحتى الحضانات ليفرخوا لنا أجيالا جديدة من المتطرفين المتغذين على مظاهر ظلم لا يفرق بين إخوانى متورط فى الإرهاب والخروج المسلح على الدولة والمدنيين الأبرياء، وبين من يعتقد فى فكر فاسد ولا يطبقه إلا على أهل بيته!
هل توقفوا لحظة ليسألوا أنفسهم عن الإفراط الأمنى وممارساته التى تضيف مرشحين جددا لتلك الجماعات ومتعاطفين معها لمظلوميتها، التى تتجر بها فى كل مكان، وكان للدولة حظ كبير فى تدعيمها بسوء التصرف للأسف؟
لماذا فشلوا فى دحر الإرهاب حتى الآن أو الحد من سطوته، وشباب الضباط يتساقطون كالفراش من العريش حتى وسط القاهرة فى أكمنة ثابتة أو متحركة دون تغيير، أو اتخاذ تدابير تتعلم من تجارب و دروس الاغتيالات؟
من يعرف حقا؟.. فالسياسة الأمنية وعصاها الغليظة مازالت تنزل على الرؤوس جميعا سواء كانوا من شباب الثورة او المعارضين التقليديين.. أو حتى عقلاء الأمة من ذوي التاريخ المشرف والممتلكين لرؤية مستقبلية واعدة ومتفهمة لظروف المرحلة.. كلهم بلا استثناء نالتهم العصا الأمنية والسجون.. فماذا يبقى أمام الاخرين إذا ما سدت كل تلك الطرق؟ أترك الواقع المعاش يجيبكم على هذا السؤال!
كانت مصر سباقة فى الثورات والحضارات ومصدرة للامل ومؤثرة فى مجالها الحيوي.. حتى جاء الزمن البخس ليحذروا الأشقاء من مصائرها، وهم يثورون على طغاتهم فى السودان والجزائر.
طعنة في القلب حقا وحسرة على عزيز قوم ذل!
الخوف طال الجميع.. سواء من انكفأ على أكل عيشه محاولا الاحتفاظ برأسه خارج أتون الأسعار ومذلة سقوط الطبقة الوسطى تحت خط الفقر، وليس الفقر المقدور على احتياجاته ومظاهره، وبين من لا يستطيع السكوت على سياسات يرى ومعه الكثيرون أن نتائجها السلبية، ماهى إلا إحدى عواقب الانفراد بالقرار رغم حسن نية صانعه ووطنيته، أو هكذا أتصور.. فيكون مصيره عبرة للآخرين حتى يصمتوا!
يعولون على هذا الخوف وعلى سيطرة الأجهزة الإعلامية على عقول مازالت مؤمنة أن ما يقال فى الاعلام الرسمى ليس كذبا، رغم غياب القدرة على الفرز بعد إبعاد الأصوات الأخرى تماما، أو تجهيلهم عن عمد وإغراقهم فى تفاصيل الحياة الصعبة، فلم تعد لهم همة ولا رغبة ولا قدرة على دفع تمن الحقيقة والمطالبة بالتغيير، بعدما رأوا مصير ثورتهم التى أعادتهم إلى أسوأ مما ثاروا عليه!.
مازالوا يعاملوننا على أننا لم نبلغ الحلم بعد، وأن التكرار لم يعلم الشطار، لا والله تعلمنا.. ويعرف الجنين فى بطن أمه – كما كانوا يشيرون إليه فى تأييد مبارك وسلفه والقادم أيضا - يعرف هدف التعديلات!
مازالت الفطنة والذكاء الفطري الغريزى يوجهان المصريين إلى منبع الحقيقة.. لذلك يعرفون أن المسألة محسومة وأن ذهابهم أو غيابهم لن يحدث فرقا كبيرا، وهو أكبر اتهام يوجه لدولة تدعى الشفافية فى كل مناسبة!
هل يهتمون حقا بتلك التفاصيل المهمة؟ لا أعتقد. ومازالت اللافتات تصرخ فينا، كى ننزل ونقول: نعم، وهي أكبر إهانة للدولة قبل الناس، لأنها تشير - دون قصد- أن كلمة لا، هى الأعم.. وهو شيء مرفوض ولن تسمح بحدوثه ولو لمرة واحدة! كيف؟ والشعب طفل ساذج لم يبلغ الحلم بعد!
--------------------
بقلم: وفاء الشيشيني