ظل أستاذ الجامعة لأكثر من مائة عام وتحديداً منذ نشأة الجامعة المصرية مثالاً يحتذي وقدوة لكل الأجيال. كان الجميع يتمني أن يعامل معاملته حتي القضاة كانوا يطلبون أن يعاملوا مثل معاملة أساتذة الجامعات. وفي ميزانيات مصر القديمة كان راتب أستاذ الجامعة من أعلي الرواتب في الدولة، وقد كان ذلك سبباً كافياً ليتفرغ لعمله ويهب حياته كلها لهذه الرسالة السامية. ولكن للأسف في العقود الأخيرة لم تواكب الزيادة التي تحدث في المرتب زيادة الأسعار في مصر. هل يعقل أن تظل العلاوة الإجتماعية جنيهان !! هل يعقل أن يكون الأساسي المجرد لأستاذ الجامعة 133 جنيها!! وحيث أن كل البدلات والمكافآت يتم إحتسابها كنسبة من الأساسي، فتسبب ذلك في ضعف الراتب الإجمالي الذي يتقاضاه أستاذ الجامعة مما أدي إلي سوء أحوال الأساتذة المعيشية وصارت أوضاعهم المادية في حال يرثي لها. وما زاد الطين بلة، هو إحتساب المكافآت علي أساسي 2015 وإحتساب الخصومات علي أساسي 2019!! والكارثة الكبري عندما يتوفي أحدهم فإن المعاش التي يتقاضاه أسرته لا يتجاوز 1500 جنيه!! كل هذه الأوضاع المغلوطة دفعت الكثير منهم للبحث عن عمل إضافي ووصل الحال ببعضهم أن يعمل كسائق أجرة مع شركة أوبر، أو أي أعمال أخري لا تتناسب مع الوضع الإجتماعي لأستاذ الجامعة. ووصل الحال بالكثيرين منهم أن يتركوا سياراتهم في البيت لأنهم لا يتحملون مصاريف السيارة، والكثير منهم لا يستطيعون شراء شقة ولا حتي دفع إيجار شقة بالقرب من مقر عملهم. أدي ذلك أيضاً إلي عدم قدرتهم على الظهور بالمظهر اللائق أمام طلابهم ليعطوهم الأمل ويجعلونهم يتنافسون للحصول علي أعلي الدرجات لكي يكونوا من الأوائل ويصبحوا أساتذة جامعة.
لذلك قام مجموعة من أساتذة الجامعات المصرية بكتابة مذكرة لشرح هذا الوضع وطرح بعض الحلول من وجهة نظرهم، ووقع عليها أكثر من 10 آلاف أستاذ جامعة. وعلق الدكتور خالد عبدالغفار وزير التعليم والبحث العلمي بقوله: " نتعامل مع الأجور والمرتبات بشكل مؤسسى وليس بشكل فئوى من فئة لأخرى" من ظنوا أنه أدري الناس بحالهم وصف طلبهم بالطلب الفئوي!! . وصرح وزير المالية بأن المعيد يتقاضي مبلغ 5000 جنيه ، مما دفع المئات إلي إرسال صور من مفردات مرتباتهم إلي الدكتور خالد منتصر الذي بدوره كتب رسالة إلى وزير المالية في جريدة الوطن بعنوان: أساتذة الجامعة فى خطر يعيشون بعزة النفس وفقر الجيب. نقل في هذه المقالة عدة رسائل من معيدين ومدرسين مساعدين ومدرسين وأساتذة. وفي أحد المواقع علق أستاذ جامعي قائلاً ، لن أرسل مفردات مرتبي ولكني سأرسل مرتب عامل بأحد البنوك يتقاضي ضعف مرتبي! نعم للأسف هذه هي الحقيقة، ففي كليات الهندسة علي سبيل المثال يتعين الخريج بمرتب يزيد عن مرتب أستاذه الذي قضي مدة تقارب العشرين عام ما بين دراسات عليا " ماجستير ودكتوراة" وأبحاث للترقية وأعمال تدريسية وإدارية وأعمال تطوعية تخدم المجتمع في الكثير من الأحيان. وفي نهاية المطاف أرسل الأساتذة المذكرة للسيد رئيس الجمهورية، فهل يستجيب الرئيس لمطالبهم ؟ أتمني أن يستجيب لمطالبهم ليس خدمة لهم ولكن دعماً للتعليم والبحث العلمي في مصر. البحث العلمي يعني التقدم في الصناعة والتجارة والزراعة وكل نواحي الحياة، فلا يوجد أي منتج إلا وقد سبقته أبحاث علمية.
إن المشكلة ليست مشكلة راتب فقط، المشكلة مشكلة كرامة معلم وإمكانات بحثية وقاعات دراسية تليق بالطالب الجامعي وميزانية تعليم تليق باسم مصر. المشكلة أنهم تركوا المنظمات العلمية التي كانوا أعضاء فيها ولم يعودوا قادرين علي شراء الاشياء الضرورية التي تتطلبها العملية التعليمية وتلزم لإجراء الأبحاث مما أثر بالسلب علي وضع مصر في مجال نشر الأبحاث عالمياً، وجعل دولا صغيرة بإمكانات بشرية أقل تتفوق عليها!!
إن التعليم هو المحرّك الأساسي في تطوّر الأمم وبناء الحضارات، فمن أراد أن يلحق بالأمم المتقدمة فليهتم بالتعليم ويعمل علي حل كل المشاكل التي تواجه القائمين عليه.
حفظ الله مصر ووفق رجالها الأوفياء لرفع رايتها ووضعها في المكانة التي تليق بها بين الأمم.
_______________
بقلم: د. صلاح سالمان
أستاذ مساعد بهندسة الأزهر